وداعاً أبا هيثم

18/1/2013
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم الأستاذ محمد محمود نصر الدين(1)

عليك أن تتهيب الموقف عند سماعك الخبر... يقفز إلى ذهنك فوراً الإسم المركب، فكيفما أدرته ترى فيه صوراً غابت، وربما لن ترى مثلها ابداً... إنَّه محمد ديب حيدر أحمد. وللدلالة أكثر ينادونه بـ «المكحل». و «المكحل» لها معنيان، الأوّل: لأنَّ حاجبيه كثيفان منسلان من غمدهما لمنازلة أدبيّة أو تاريخيّة، ويقال إنَّ من كان له تلك الملامح فهو ذكي ومقدام، والثاني: أنّه أوّل من تكحلّت عيناه بمبادئ العروبة الحضاريّة في علمات، وما بعد علمات.

كان أبو هيثم لغوياً ومعرفياً. إذا ما جالسته يُدهشك بمخزونه الأدبيّ الذي يغلفه بأخلاقية قل نظيرها. فلا يُكسفك إذا كنت أدنى منه معرفة، بل كان بتواضعه يجعلك تشعر أنه يستزيد من معرفتك وثقافتك.

مذ كنت يافعاً، وأنا أسمع عنه، وأتشوق لأن أراه، ومرة في مناسبة عزاء رأيت رجلاً طويل القامة، يعتلي المنبر ويبدأ الكلام وقد خلت يداه من ورقة أو قلم. وبدأ يتلو أبياتاً من الشعر، ألحقها برثاء إرتجالي. وعندما ذكر في خطابه عبارة بلادُ العُرْبِ أوطاني، وقفت وصفقت له، فشدني صاحبيّ من يدي، وقال لي: «نحن في مأتم».

وداعاً أبا هيثم... تركت الأهل والخلان والأصدقاء، لكنك تركت وراءك تاريخاً مجيداً، وغرست في الأرض نبتاً طيباً... نبت الشعر، والنثر، والسيف والرمح، والقلم. وداعاً أبا هيثم.