أيها الآباء والأمهات أين نحن؟

20/4/2013
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم المربيّة الحاجة نمرة حيدر أحمد -أم مصطفى

أمر مخيف ما يحدث حولك إذ يجعلك تقف مذهولاً متفكّراً متأملاً متوقعاً مصيراً يثير في أعماقك الرّعب والخوف من المستقبل.

كم نتغنى بالقيم، نزيّن بها كتاباتنا، نطلق عنانها على ألسنتنا لنجعلها شذى مجالسنا، ووساماً نتقلده لنجذب نظر الناس إلينا. و لكنْ واقعنا الحالي الى أين؟ هل صهرت هذه القيم نفوسنا وجبلتها وشكلتها لتنتج الأمّ المضحيّة، والأب المربي، والأبناء الصّالحين، والمعلم الأمين، والمواطن الصادق... هل انبرت هذه القيم لتنعكس في تربية أبنائنا، وفي علاقاتنا الأسرية والمجتمعية؟ هل جعلناها إطاراً تدور في فلكه حركة حياتنا وتتبلور في رحابها أفكارنا وتوجهاتنا.

إن منظومة القيم لا يجب أن تكون لعقاً على الألسنة، ولا كلاماً ننثره هنا وهناك لنرسم صورتنا بالشّكل الذي نريد. إنما هي حركة حياة، إن لم نترجمها في حياتنا نكون خارج نطاقها نتزيا بها ظاهراً لا فعلاً.

بدأت بهذه المقدمة لأتشارك معكم همًّا كان يؤرقني منذ زمن وبدأ يتفاقم أكثر فأكثر، وأنا على يقين أن ذلك لا يؤرقني وحدي وإنما يشغل فكر كلّ مربٍ مسؤول في أي موقع كان، ويدعوه للوقوف ودق ناقوس الخطر والمسارعة للبحث عن حلول ناجعة كل من خلال موقعه ورؤيته.

أبناؤنا الى أين؟ أين هم من منظومة القيم التي ذكرناها؟ أين نحن منهم؟ ماذا قدّمنا لهم؟ بمَ حصّنا قلوبهم وعقولهم ونفوسهم؟ كيف هيّأناهم للحياة؟

هذه الأسئلة تراودني كلما تجوّلت في الشارع وسمعت أحاديث أطفالنا وشبابنا وشاهدت طريقة تواصلهم مع بعضهم، وسمعت عن البرامج الفاسدة الخالية من اسس اللياقة والأدب الّتي يشاهدونها على الشّاشة الصّغيرة، هذه البرامج التي تحمل سيلاً من المفردات والتّعابير المبتذلة الّتي تنفر الأذن عند سماعها، والأفلام والمسلسلات العربية والاجنبيّة الّتي أقلّ ما يقال فيها أنّها أبعد ما يكون عن ديننا وقيم مجتمعنا وأخلاقنا، بحيث تبيح المحرمات، وتعرض الموبقات تحت مسمّيات عصريّة يتأثّر بها الكبار قبل الصغار.

أين أنت أيتها الأم؟ أتشاهدين هذه البرامج مع أبنائك دون لحظ مخاطرها وتعتبرينها من مؤشرات التطور ومواكبة العصر وتعالج قضايا الواقع؟ أم تحرصين على حمايتهم، وتوعيتهم، وتدريبهم على اختيار ما يغني فكرهم ويفيدهم في مسار حياتهم؟

أين أنت أيها الأب من كلّ ذلك؟ أتجلس عقب العودة من عملك تناقش أبناءك وتحاورهم، وتحرص على مشاركتهم في أحلامهم وهموم حياتهم وفي بناء مستقبلهم؟ أم تذهب لزيارة رفاقك لمشاركتهم في جلسة النّرجيلة، ومن ثمّ تعود فتجلس ساعات وساعات أمام شاشة التّلفاز لتشاهد بعض البرامج والأفلام والمسلسلات المضيعة للوقت التي لا تحاكي قيمنا بحيث يشكّل حضورك لها أمام ابنائك مبرراً لمشاهدتها، والتمثل بها في حياتهم؟

هل فكّرت أيها الأب أثر كل ذلك على أبنائك؟ لاحظ المفردات التي يستخدمونها باسم حرية الرأي، وممارسة حقوقهم معرضين عن الواجبات. لاحظ أسلوب تواصلهم مع بعضهم ومع الآخرين أثناء غضبهم، تأمّل حركة حياتهم داخل المنزل وفي المدرسة ومستوى تفكيرهم ونقاشاتهم.

لاحظ كيف يمضون معظم اوقاتهم ونوعيّة متطلباتهم ومشترياتهم وهواياتهم، لاحظ كيفية استثمار أوقاتهم. هل تفعل ذلك أيها الأب الفاضل وأيتها الأم الفاضلة؟ أعلم مسبقاً بأن البعض منكم سيقول نحن لا نرى أولادنا إلاّ بعد عودتهم من المدرسة ونادراً ما نتخاطب معهم في مواضيع خاصة، تكشف لنا عن توجهاتهم وتجعلنا ندرك شخصياتهم، لأنهم يقضون معظم أوقاتهم في الدرس وعلى الحاسوب يتواصلون مع رفاقهم عبر الانترنت الفيسبوك، أو الواتس أب.

بالله عليكم ماذا سننتظر من جيل هو ربيب الأنترنت الذي يغرق في عبابه أصحاب الخبرات من الكبار أحياناً. ماذا نتوقع من جيل لا قيمة للوقت عنده كلّ همه برامج التواصل الاجتماعي التي تحمل بين طياتها الكثير من الأفكار والتوجهات الهدّامة التي يحاولون دسّها في عقولهم بأساليب شتى كالسّم في الدّسم.

لا تستغرب ايّها الأب ولا تندهشي ايّتها الأمّ عندما تصلكما رسالة من المدرسة بمستوى ولدكما الذي يقضي معظم وقته على مواقع التواصل الاجتماعي دون أن تدريا وهو يقول لكما انا أدرس.

لا تستغربا يوماً أن تجدا ولدكما يفتح كتابه أمامكما وعقله وتفكيره في مكان آخر نتيجة التأثيرات الخارجية والاعلامية التي يتعرض لها يومياً.

إنّنا نحيا ضمن دائرة الخطر بكل ما للكلمة من معنى، ووسائل إعلامنا تساهم مساهمة لا تشكر عليها في نشر الفساد وانحراف القيم، وإنحدار المستوى الخلقي، ومستوى التواصل بين النّاس.

فلتعل صرختنا، ولنراقب أنفسنا وأبناءنا عن كثب، ولنجهد حتى ولو متأخرين في وضع أسس لحياتنا وللعمل على مراقبة أبنائنا وتوعيتهم، والسعي لمشاركة المعلمين في تربية فكرهم، وتنمية قدراتهم، وبناء القيم في نفوسهم.

لنحاورهم وندربهم على أسس التواصل الأسري والاجتماعي، لنعد الى الدين ونمارسه حق الممارسة معهم، لنعمل على ضبط أهوائنا وتصرفاتنا مهما كانت ظروفنا صعبة، حتى نكون قدوة لهم في حياتهم ينهلون من معين قيمنا ما يعينهم على عدم الغوص في وحول هذا الزمن.

الهوامش:

هي إبنة بلدة كفرسالا ـ عمشيت، أكملت دراستها الثانوية في ثانوية جبيل الرسميّة، ونالت إجازة الآداب من الجامعة اللبنانيّة، دخلت عالم التربيّة والتعليم منذ عشرين سنة، في مدارس المبرّات الخيريّة، تُعرف بالحاجة أم مصطفىنمرة حسين حيدر أحمد، شاركت في تأليف كتب التربيّة التكامليّة، لها عدّة مشاركات في التأليف الحر. وهي قرينة المُرَّبي الكبير الأستاذ زهير الحيدري.