الرحيل الصامت

20/4/2013
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم حمادة علي عمرو

أهكذا ابداً تمضي أمانينا نطوي الحياة وليل الموت يطوينا

تجري بنا سفن الأعمار ماخرة بحر الوجود ولا نلقي مراسينا

... في الثلاثين من شهر كانون الأول عام 2012 رحلت الحاجة أم نايف الى مثواها الأخير وقد وفَت في اتمام مسيرة حياةٍ كانت فيها شخصية فريدة وانموذجاً مميزاً.

هي الأم الحنون والزوجة المثالية والمرأة الصالحة والمطيعة

هي زينب ابنة عبد الهادي علي حمود سعد الدين عمرو

ميلادها كان عام 1929

والدتها الحاجة زكية محمد سعد الدين عمرو

زوجها الحاج حسن بن محمد بن علي أفندي ابن الحاج حمود بن سعد الدين آل عمرو .

كان قرانهما عام 1949 وأنجبت منه عشرة أولاد(1) يتصفون بالأخلاق الحميدة، والكلمة الطيبة وحُسن الضيافة والإستقبال. وكان للحاجة أم نايف الدور الاكبر في زرع هذه الصفات اذ كانت الأم التي تجسدت فيها كل المعاني الخيرة. قدمت لأبنائها دون منّ أو جزاء، حناناً لا ينضب وحباً وتضحيةً، وعطفاً طالما تميزت به، فكان له الأثر الكبير يوم وداعها وقد ترجمت دموع أولادها الفراغ الذي خلفه رحيلها والالم الذي حفر في قلوبهم مرارة الفراق فهي من رسمت صورة الفصول في أعينهم، وملأت وسائدهم حلماً بالعودة من قسوة الاغتراب الى حنوِّ فؤادها.

هي من رنمّت في صلاتها أنشودة الخير لهم من نقاوة محراب دفء إيمانها ونطق بحسن سجاياها.

هي من طبعت على أعتاب ذكرياتهم صورأمٍ تَكدُّ وتشقى، تجمع مؤونة الشتاء خوفاَ من جوع لاهب، وتحوك الصوف كنزة وقبعة لتردّ فيهما برداً قارساً أيام الشتاء الطويلة، وتسلخ عن التنور خبزاً عجنته بهمة سواعدها لتسكت جوع طفولتهم ...

هذه الأم الطيبة كانت تتلحف بالعفة وتستتر بعزّة النفس واليوم نفتقدها ألماً وحناناً يختلج في مرارةٍ لم يبقَ سوى عبق أريجها الذي يسبح في غرفتها، في فراشها، في خزانة ثيابها، والصورة المعلقة على الحائط كأنها تنظر فيها الى أحبتها ترقب حزنهم بصمت يفيض كلاماً كعادتها في تدبير أمرهم ...

اليوم رحلت الحاجة أم نايف تاركةً أثراً طيباً في نفوس أولادها، ومن عرفتهم، لكن قبل رحيلها تلفظت بالألم سراً وهمست في صفحات كتابها الأخيرة صلاة المطمئنة الراضية.

وتلت وداعاً للجميع ورقدت قريرة العين ثم مضت في رحلة الموت وكأني بصغيرها عامر يناديها ويقول:

تركتني أمي هنا مع عذابي ومضت يا طول حزني واكتئابي

ونأت عني وشوقي حولها واستراحت وحدها تحت التراب

الهوامش:

أبناؤها هم: نايف، كامل، فاتك، منيف، فضل، سمير، الحاج عامر. بناتها: سلمى(أم عماد) متأهلة من الحاج علي عبد الهادي عمرو، سلوى وسميرة. وقد جاهدت الحاجة زينب مع زوجها في تربية أولادهما تربية صالحة فكبروا وتعلّموا. منهم نايف الذي أكمل دراسته وتخرج مهندساً في علوم الكمبيوتر والتكنولوجيا وهو يشغل الآن منصباً في احدى الشركات الكبرى في المانيا، متزوج من سيدة ألمانية وله ابنتين منها. سمير الذي نال الشهادة الثانوية ثم هاجر الى المانيا ويعمل في احدى شركات المقاولة، متزوج من سيّدة المانيّة. الحاج عامر الذي أتم المرحلة الثانوية ثم تابع دراسة(الميكانيك العام) في احد المعاهد الفنية في بيروت وسافر أيضا الى المانيا ويعمل هناك الآن في احدى الشركات الالمانية (عازب). كامل(أبو حسن).