جبيل ودعت المربي الفاضل منير بلوط

01/09/2010
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

لم يكن يوم الرابع عشر من شباط 2010م، ليغيب دون أن يغيب معه ربيع رجلٍ في عزِّ حياته، رحل قبل أن يدرك قدره الآتي.

ترك منزله ومدرسته وأهله على لقاء طلابه وزملائه. لكن البوصلة تعطلت وأخذته إلى حيث لا يدري. فوصل المستشفى، مكث فيها يومين ورحل.غادر المنزل آنذاك دون وداع على أمل العودة إليه لينام ويرتاح بالقرب من عائلته، لكن مشيئة الله تعالى، كانت أسرع من ذلك وغادرنا دون إستئذان.

إهتزت أرض جبيل ومن فيها بعد وقعة رددت صداها صرخة لا وألف لا. هوى أرضاً ووقعت من جيبه روزنامةٌ قد سجلَّ فيها ما لديه كبرنامج لطلابه ودفتر التحضير.

تناثرت من هنا وهناك أحلامه التي كان قد خبأها في حقيبة أيامه.

ماذا يسعني أن أقول. يعجز البيان ويتلعثم اللسان عن ذكر صفات وخصال هذا المعلم، الأخ، الصديق والجار.

فذكراك يا أبا فايز خالدة في قلوبنا وقلوب محبيك، فكنت عذب الروح، عذب الحديث، إيمانك لا يعرف الوهن، وعزيمتك لا تعرف الخور، وكنت مقداماً، لا تعرف التردد وسكينة لا تعرف التذبذب. وكنت طاهر القلب، طاهر الروح، لم تحمل طيلة حياتك حقداً وكراهيّة.

أصبحت ضيف الله في دار الرضى

وعلى الكريم كرامة الضيفان

تعفو الملوك في التنزيل

كيف النزول بساحة الرحمن.

وما أجدرك يا أخي بهذه الأبيات:

عَطشَّت أَنفسٌ وجاعت قلوب

وبثوب الظلام كفَّت دروبُ

وربيع الأجيال أمسى خريفاً

قد توارى منيرنا المحبوب

ومدرسٌ ومرجعٌ حكيم

رأيه في الصعاب رأيٌ مصيبُ

مَجلسٌ مؤنسٌ ووجه بشوشٌ

وحديث عذبٌ وصدر رحيبُ

حيثما حلَّ فالليالي صفاءُ

سَمرٌ ممتعٌ ووجهٌ طيوبُ

أن يمت والدٌ تيتمَّ بيتٌ

وأصابته صفرةٌ وشحوبُ

وإذا فارق الحياة مُربٍّ

فاليتامى جَماعةٌ وشعوبُ.

منير الأخ، والصديق، والعزيز، والوفي على قلوبنا وعلى قلوب الكثيرين. ترك حسرةً وجرحاً عميقاً في قلوبنا بعد الغياب.

تعودنا عليك، على طلعتك البهيّة وعلى صوتك المعهود المدويّ دائماً بالحقِّ. فكنت شاغل حيِّنا المُيّْتم بعد فراقك أيها الحبيب، فكنت دائماً بحراكٍ دون كللٍ أو مللٍ.

إعتدنا عليك، أتذكر تلك الأيام الحالكة الظلماء يوم عمَّ الخراب والدمار في بلدنا ووطننا الحبيب وأكلت تلك الحرب الأخضر واليابس. فكنت رجل الإعتدال، رمز الوفاء، فكنت المؤمن بالوطن الواحد الموحد، المؤمن بالعيش المشترك فأحبَّك الأهل، والجيران والأصدقاء.

رحمة الله عليك يا منير. كنت الأب الصالح، الرجل المقدام، المؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، ففي كل يوم جمعة أتذكرك عائداً مُسرعاً من مدرستك هاماً بالذهاب إلى المسجد لأداء فريضة الصلاة، سأذكرك في أيام رمضان وأنت تقرأ القرآن الكريم وتختمه في الشهر الفضيل.

أدىَّ المرحوم منير رسالته في العائلة وفي الثقافة والإجتماع على أفضل وأكمل ما يرتاح إليه الضمير، وكان على مستوى المسؤوليات التي تولاها وُرباناً ماهراً يعرف كيف يُسير السفينة وكيف يؤدي واجبه الوالديّ والديني، والاجتماعيّ.

جبيل،في:17/6/2010م.

طلال أنيس زين الدين