ملحق الإمام الحسين (ع): الحياة مع الحسين (ع)

4/1/2016
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم: الأستاذ الشيخ محمود حيدر أحمد

ما زالت عاشوراء متوقدة في التاريخ تتفوق على الزمن، محافظةً على روادها وفاءً للرسالة، منتهجةً طريق الحقِّ سبيلاً للدعوة إلى الله تعالى، مستلهمة القرآن أسلوباً ونهجاً للحوار والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة التي تستهدي في اسلوبها الرحمة الإلهيّة والعاطفة الجياشة والعقل المنفتح. بل ذلك لأجل تحرير الإنسان من عبودية ذاته ونفسه الأمارة بالسوء، وللحفاظ على المُقدّسات ولبقاء الوحي الإلهي نقياً بعيداً عن التشويه والتحريف، ولتكن يد الوضّاعين بالسُنّة النبويّة الشريفة مغلولة؛ فبذلك جرت السُنّة الإلهيّة على يدي سبط النبوّة ومعدن الرسالة لطفاً ورحمةً وإصلاحاً في الأمّة، وضرورةً لإستمرار الإمامة، كنهجٍ في بيان قواعد الشريعة وأحكامها ومفاهيمها رغم المنافقين وحسد الحاسدين وبغي الظالمين، تتويجاً لقوله تعالى } هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ { التوبة 33.

وهذه الرسالة تشهد، وكربلاء حيّة تنبض، ما إن انطوى الزمن، ولفّه توالي الأيام والسنين، والحدث يتجدّد كغدير فياض لا يعتريه الركود، ولا يتغيّر طعمه، ولونه، ولا يشوبه عفن الدهر، إنّه الحدث الجلل، تاريخه حروفٌ لوّنتها دماء السبط الشهيد، فغدت الصورة برّاقة كاللؤلؤ المنثور، يُبهر الأبصار، ويُعجز النطق عن تحريك اللسان، يُنصفُ الحقِّ ويُرجح كفة العدل في الميزان. إنَّه الحدث صنو النبوة يُردّدُ مع الكون يا لثارات الحسين...والحناجرُ مزامير تشدو لحن الحسين... السماء تمطر حُزناً لفقد الحسين...

الأرض تصدح بالأنين لهول المصاب... والنبت والشجر، أغصانه وازهاره، يرشحُ عطراً من ندى الحسين... والحجر والمدر عشق التسبيح لسجود الحسين... والأفلاك كلّها تنشد لحن الحبِّ تكبيراً لصلاة الحسين... ومواكب السفر صوب الضريح تهفو أبداً ولن تستريح، وبالذكر تلهج يا لثارات الحسين... وأحلام المبدعين كأن مداد أقلامهم فهم منطق الحسين... وطينة الوالهين جُبلت بدماء الطهر فغدا الحبُّ حسيناً. ونردّدُ مع إمامنا الصادق (ع)، أنشودة الإعتراف: (أشهد أن دمك سكن في الخلد واقشعرت له أظلّة العرش وبكى له جميع الخلائق، وبكت له السماوات السبع والأرضون، وما فيهنَّ وما بينهنَّ، ومن يتقلّبُّ في الجنّة والنّار، من خلْقِ ربِّنا، وما يُرى وما لا يُرى...). وقد عبَّر الشعراء بشعرهم عن ذلك بأكثر من عشرين لُغة معروفة ومشهورة في أيامنا، قال أبو العلاء المعرّي حول الملحمة الحسينيّة العلويّة:

وعلى الدهر من دماءِ الشهيدين

عليٌّ ونجله شاهدانِ

فهما في أواخر الليل فجران

وفي أولياته شفقانِ

ثبتا في قميصه، ليجيْ الحشر

 

مستعديا إلى الرحمانِ.