الصوم زكاة الأبدان وتربية النفس

01/09/2010
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

ورد في الحديث الشريف،... عن زرارة عن الإمام الصادق(ع)، قال:  لكل شيءٍ زكاة وزكاة الأجساد الصيام.

 فالصوم، هو من الفرائض المهمّة التي أوجبها الله تعالى، على المكلفين لِمَا لها من الآثار الجليلة والفوائد العظيمة على الفرد والمجتمع.

 أجل أهميتها البالغة فإنّ الله تعالى قد كتب الصيام وفرضه على سائر الأمم قبل الإسلام مثلما فرضه على هذه الأمَّة المسلمة.

فتزكيّة البدن بترويضه وتعويده على الخير وتنميته على الحلال ليتلائم مع الروح التي تسمو بالجسد إلى عالم الملائكة والسعادة الأبديّة.

فالصوم لغةً:  هو مطلق الكف والإمتناع عن أمور معينة في وقت محدد.

وإصطلاحاً:  هو الإمساك والإمتناع عن أمور معينة في وقت محدد.

فالصوم أذاً يضبط حركة الجوارح عند الإنسان، ويجعلها تتذكر دورها ووظيفتها الحقيقية التي أرادها الله لها لتكون في طاعته. فقد ورد عن الصادق(ع):  ... ذا صمت فليصم سمعك ، وبصرك، وبطنك، وفرجك....

فصوم السمع، عن الغيبة والكذب...

وصوم البصر، عمّا حرّم الله تعالى النظر إليه.

وصوم اللسان، عن الكذب والفحش وغيرهما.

وصوم البطن، عن أكل الحرام.

فالجسد يبقى يتغذى وينمو طيلة أشهر السنة بجميع الأطعمة دون توقف أو إنقطاع أو تأمل بأهمية هذه النعمة، فأحياناً يصاب الجسد بالسُمنّة والتعب وتصاب النفس بالعجب ونكران النعمة، وبالتالي يصبح الجسد بحاجة للراحة والنفس للتربيّة، فيأتي الصوم ليعيدها إلى ما ينبغي أن يكونا عليه من طاعة الله تعالى.

هذا بالإضافة إلى ما تتركه عبادة الصوم من الآثار والفوائد على الروح، فتملأ قلب الإنسان حباً لله، وتحرّك في داخله المشاعر الإنسانيّة تجاه الفقير والمحتاج، فيندفع إلى بذل ما بوسعه، ففي الحديث الشريف:  إتقوا النّار ولو بشق تمرة، إتقوا النّار ولو بشربة من ماء.

فالتقوى التي يحصّلها المؤمن من خلال عبادة الصوم، هي قوة داخليّة تنمو في ضمير المسلم فتجلعه يخشى الله، وتدفعه لعمل الخير وتمنعه عن عمل الشر.

فعن أمير المؤمنين علي(ع):  قلت، يا رسول الله، ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال: يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله.

فالصوم لونٌ من ألوان العبادة، يأخذ بالروح الإنسانيّة إلى عالم التأمل، والتفكّر، وإلى الثبات، والصبر، والتقوى، والإيمان، والإلتزام بهذه العبادة ميزة يتفرّد بها المؤمن عن غيره لأنّها تبرهن عن مدى صبره وتحمله للجوع والعطش في طاعة الله تعالى.

إذاً الصبر بمنزلة الإيمان، فعن الإمام الصادق(ع)، يفسّر الصبر بالصيام  واستعينوا بالصبر، يعني الصيام.

هذا فضلاً عن الآثار والفوائد الإجتماعيّة التي تتركها هذه العبادة على المجتمعات المُسلمة، فيستوي فيها الغني والفقير.

فعن الإمام الصادق(ع)، في جوابه عن علة الصيام؟ فقال:  إنّما فرض الله الصيام ليستوي به الغني والفقير...، إلى أن قال: فأراد الله تعالى أن يسوي بين خلقه، وأن يذيق الغني مسَّ الجوع والألم ليرقَّ على الضعيف ويرحم الجائع. 

وهو أيضاً محوّ وتطهير من أدران الذنوب، ففي الحديث عن رسول الله(ص)  من صام إيماناً وإحسّاناً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه.

حتى أنَّ تسمية الشهر المبارك برمضان تشبيهاً له بحرارة الشمس التي تحرق، لأنَّ صيام الشهر المبارك، يروض الذنوب، أي يحرقها.

وأيضاً شُبِّه بالمطر الذي يُطهِّر الأرض وينقيِّ الجو، فعن الخليل بن أحمد الفراهيدي، إن الرمض هو نوع مطر ينزل مع الخريف، فيهدأُ الغبار وَيُطهِّرَ الأرض وَيُنقيِّ الجو...

وهو أيضاً ممَّا ينتظر من شهر رمضان أن يطهِّر النفوس، وينقي الأرواح ويزيل الآثام، إضافة إلى تطهير الأبدان من الأوضار والأدران.

ونجد في الصوم فوائد أخلاقيّة، فيحارب به الإنسان نوازع الشيطان في نفسه، وبالتالي يسيطر على غضبه وإنفعالاته فيقول  اللّهم إنّي صائم.

وتظهر أيضاً آثار الصوم على صحة الإنسان، فيقلِّل الصوم من وزنه ويجعله أكثر نشاطاً وحركة، ويذهب بترسبات السموم الذي يخزنها الجسم نتيجة الأغذيّة الدسمة،

فعن رسول الله(ص):  صوموا تصحّوا؟

فالرحمة الإلهيّة تعمُّ كل جارحة وكل حركة وسكون من عمل الصائم.  لأنَّ نومه عبادة، ونفسه وصمته تسبيح، وعمله مقبول، ودعاءه مستجاب، وأنّ خلوق فمه عند الله تعالى أطيب من رائحة المسك.

فضيوف الرحمان في شهر الرحمة كراماً مكرمون لهم منزلة عظيمة عند الله تعالى في الدُنيا والآخرة، ففي الآخرة يوعدون بالجنَّة، فعن رسول الله(ص):  إنَّ للجنَّة باباً يدعى الريّان لا يدخل منه إلاّ الصائمون.

فللصائم حجاب من النّار في الآخرة، فعنه(ص):  الصوم جُنّة ـ يعني حجاب من النّار.

أمّا في الدُنيا يشعر بفرحة وإطمئنان، خصَّه الله تعالى بها، فعنه(ص):  للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره، وفرحة يوم يلقى ربّه.

إذا: فالصوم، هو تثبيت وتجديد للإيمان في الذات الإنسانيّة حتى تبقى تعيش في أجواء الرحمة الإلهيّة، وحتى لا تبتعد عن نعمة خالقها، فيستولي الشيطان عليها، فيأخذها إلى العصيان والتهلكة، ويُخرج منها روح الإيمان.

فعن الإمام الصادق(ع):  من أفطر يوماً من شهر رمضان خرج روح الإيمان منه.

وفي الختام، نردد مع رسول الله(ص)، عندما كان يرى الهلال،  اللّهمَّ أهلّه علينا بالأمن، والإيمان، والسلامة، والإسلام، والإحسان، كما بلّغتنا أوّله فبلّغنا آخره، وأجعله شهراً مباركاً تمحو فيه السيئات، وتثبت لنا الحسنات، وترفع لنا فيه الدرجات، يا عظيم الخيرات.

مسجد الإمام عليّ(ع)، جبيل

(الشيخ محمود حيدر أحمد)