أديب علاّم ولد ليكون قاضياً.. ومات قاضياً

14/7/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

طلال سلمان

وُلد أديب علاّم ليكون قاضياً، وقد عاش كل حياته قاضياً، وحين جاءته المنية تصرف وكأنّه «القضاء» قد التقى مع القدر في إصدار الحكم المبرم، ولأنّه مؤمن فقد صدع لإرادة الله ورجعت نفسه المؤمنة إليه راضيةً مرضية.

قاضياً عاش، صارماً في إبتعاده عن النافذين لإبعاد شبهة التأثير على أحكامه، ومترفعاً في إقامة حواجز الصد مع المترفين والأغنياء الّذين يتصورون أنهم قادرون على شراء كل شيء: الضمائر والذمم والحقوق والرجال والنساء والأراضي والأنعام..

ربما لهذا كله لم يكن أصدقاؤه كثرة، مع أنّه ودود، ولم تكن علاقاته واسعة مع أنّه يحب النّاس، وبشكل خاص أبناء البيئة الأصليّة التي خرج منها كاستثناء.

ولأنّ أسرته، التي تحمل تراثاً عشائرياً، موزعة بين «بلاد جبيل» وبين «بلاد بعلبك» وصولاً إلى ضواحي  الهرمل، فقد إختار لسكنه «نيحا»(1) التي تقع نقطة وسطاً بين بعلبك وزحله، وإن ظل على صلة بجميع تلك المناطق، ومرجعاً ـ من خارج السياسة ـ لأهاليها. ولأنّه ولد ليكون قاضياً فقد حرص أديب علاّم على أن ينأى بنفسه عن السياسة والسياسيين، من دون أن يهمل قضايا النّاس... ومثلما كان على القوس كذلك في اصراره على مصالح المواطنين: يطلب حقاً ولا يبذل شفاعة من أجل غرض لبعض «محازبيه» أو أنصاره.ولأنّه ولد ليكون قاضياً، والقضاء نفي للشك بالدليل القاطع، وإبتعاد عن عوامل التأثر بصلة القربى أو الصداقة أو المصلحة، فقد كان ينتقي اصدقاءه وهم قلة بميزان الماس، ولذا فهم في الغالب الأعم من خارج نطاق محترفي السياسة.

على أن الكتاب كان صديقه الحميم، وهو قد قرأ كثيراً، ليس فقط في القانون وبأكثر من لغة بل كذلك في الأدب والثقافة عموماً، وكان كلما إستوقفه إسم جديد على أذنه أو ذاكرته رجع إلى «لسان العرب» أو إلى «الأغاني» فلا يرتاح حتى يكتشف له.

لقد تزوج أديب علاّم بحكم من أحكامه، أي بعد تفكير وتمحيص ودراسة «ملف القضيّة» بكل حيثياته... وعلى هذا فقد جاء القرار غير قابل لأي وجه من وجوه المراجعة أو النقض، وإن كان قد أعطى ثماراً طيبة.

أديب علاّم واحد من خريجي مدرسة الصمت، كقاض... وقد ظلَّ على إنتمائه لهذه المدرسة وهو يتدرج صعوداً، حتى المجلس الدستوري، لكأنّه كان يزن كلماته بذلك الميزان الشهير الذي يعتبر رمزاً للعدل.

أديب علاّم صفحة مشرقة في تاريخ القضاء في لبنان، وبرحيله انطوى واحد من أعلام النزاهة، رحمه الله وعوض لبنان به قضاة يحكمون بالعدل وليس إلاّ بالعدل.

جريدة السفير, الخميس في 23 آذار 2006م،

العدد: 10351.