أديب علاّم رجل من عصر الكبار

14/7/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

أديب نصر الدين - بزيون ـ جبيل

رحل أديب علاّم؟ خرجنا نستطلع الخبر.. نسأل بإستغراب يشبه تصرف النّاس في فقدان العظماء.

في رحيل والده قبل أكثر من عشر سنوات قال لي: أعرف أنّ الكلمة سهلة عليك، لكن والدي رحل هادئاً وسأشيعه كما رحل، فقد رفض أديب علاّم أن يزعج الموت الهادئ بصخب الكلمات والمراثي التي كثيراً ما يدفعها الشطط إلى المبالغات والممالقات.

لم تكن العبرة الأولى التي تعلمتها من الذي أطلق والدي إسمه عليّ، فهو الرجل الذي إمتلأت ذاكرتنا بحضوره القوي والدائم في شتى المجالات، إنّ في طرابلس أو صيدا أو في المجلس الدستوريّ، أو في حياته التي لم تعرف التقاعد حتى قبل رحيله بأيام.

أديب علاّم، رجل من عصر الكبار، بل أنّه عصر بذاته، إليه لجأنا كأنديّة، وإليه إرتحنا كشباب، وعنه أخذنا كمثقف من طراز موسوعي، حتى شكل أحد المراجع القلة في بلاد عرفت كباراً من أمثال أحمد الحسينيّ وريمون إده وأنطوان الشاميّ وغيرهم..

شغل في السياسة موقعاً يحسد عليه من خارج الكراسي، وإحتلَّ صدارة اللوائح الإنتخابيّة في بلاد جبيل دون أن يكون مرشحاً، وأضفى على المعارك الإنتخابيّة نموذج إستقطاب مركزيّ قَلَّ نظيره في منطقة إشتهرت بإعتزاز رسالي يبدأ بأبجديّة أحيرام ولا ينتهي عند شاطئ الأبيض.

زاهداً كان الرجل ليس في مظاهر الدُنيا فحسب، بل في اكثر المواقع لمعاناً في الحياة السياسيّة.. فكم تشكلت الوفود على مَرِّ خمسين عاماً من أجل إقناعه بحسم مقعد النيابة في بلاد جبيل، ولكم كررها مثلنا أبناء البقاع من أجل بقاعهم، فكان يرفض الترشح وينصح النّاس بإعتماد الشورى فيما بينهم.

كان وفياً لإصدقائه، شفافاً في علاقاته، صلباً عادلاً في مواقفه، وهذا ليس غريباً فكل الكبار كانوا يجمعون الرقة إلى الصلابة، وكل الكبار كانوا يتمتعون بشيمة الآباء والوفاء، والرئيس أديب علاّم كان من هؤلاء الّذين شاركوا في صنع تاريخ جبيل وتركوا بصمات واضحة في الصفحات المشرقة من تاريخ لبنان.

الكلمة فيك ليست سهلة، فماذا أقول في يوم رحيلك سوى أننا نفتقدك في أيام مصابنا وشقائنا.

نفتقدك لأنّك من رعيل يجتمع إليه القاصي والداني، القريب والبعيد، والخصم قبل الصديق، فقد كنت مدرسة ومرجعاً ومقصداً... وعشت قاضياً حتى الرحيل، فسلام الله عليك، ورحمة من عنده، وثق يا كبيرنا الراحل أنّك باقِ في قلوبنا كما أنت باقٍ في ضمير جبيل.

 

جريدة السفير

الخميس في 23 آذار 2006م،

العدد: 10351.