الرمح لا ينكسرفؤاد دعبول

14/7/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

غاب الرجل، أم انكسر الرمح، أم رحل، «الفارس» عن عالم، تقلّصت فيه ميادين الفروسيّة؟

رحل أديب علاّم، إلى عالم يجد فيه عدالة الله، وهو الذي كان يحكم بالعدل على الأرض.

ذهب إلى «عالمه»، وهو يغدو إلى ميادين العطاء والفكر، ويتهادى بتؤده على أبواب المائة عام.

كان ركناً كبيراً. من اركان المجلس الدستوري.

وفي أيامه كان المجلس الدستوري، على صورة لبنان ومستواه.

وفي هذه الأيام، يبحث الوطن، عن «شرعة» يعود بها المجلس، إلى التشريع، وإبطال نيابة هذا، وتقرير نيابة ذاك.

وبين جبيل مسرى أحلامه، والبقاع ملعب إطلالته وشيخوخته، رحل عن هذه الدنيا الفانية.

هل كان أديب علاّم، في النهايات كما كان في البدايات؟

يصعب الجواب ويسهل في آن.

لكن الرمح، يبقى عصيّاً على الإلتواء.

اليس يُقال في ذلك، إنّه مستقيم في آرائه والمواقف إستقامة الرمح؟

***

كنت بعد في البدايات، عندما كنت اشاهده يسير مشياً على الأقدام، من داره في طرابلس، إلى السراي حيث يقع مكتبه في العدلية.

سألتهم من يكون ذلك «الرمح»؟

وأجابوا: إنّه مدعي عام الشمال.

وقيل للنّاس إنّه «شهابيّ» في السياسة، لكنه عادل في القضاء.

وهل للمدعي العام سياسة؟

وأجمعوا على أنّ المدعي العام وظيفة سياسيّة في القضاء.

لكن أديب علاّم يجلس على عرش العدالة، لا على مقعد سياسي.

وسألتهم: كيف تفسرون هذين «النقيضين» للنّاس؟

وأجابوا: منذ وطئت قدماه طرابلس، وهو يترك سيارته في المنزل، ويأتي إلى مكتبه مشياً.

لماذا؟

لأنّه على طريقة الكبار: يعدل في تصرفاته، فلا يخاف من أحد.

كانوا يصفونه بأنّه «شهابي» لكن غُلاة المعارضين للشهابيّة، كانوا يشيدون بنزاهته، أكثر ممّا يشيد به أصدقاء الرئيس رشيد كرامي.

بعد ربع قرن ترك طرابلس، ليحتل مناصب تليق به.

وعندما بلغ سن التقاعد، إختارته الدولة عضواً في المجلس الدستوريّ.

وفي بيروت كما في طرابلس، وجبيل، والبقاع، ظلَّ يمشيّ مستقيماً كالرمح.

كان طويل القامة، نحيل الجسم، وكان مستقيماً في عدله، ولم يكن نحيلاً في العدالة.

في الفصل الأخير من عمره، كنت أقصده، مرة في العام، لأتفيَّأ ظلاله الوارفة، وحكمته البالغة وعنفوانه الذي لا يخيب.

كنتُ أشعر أنّه ترك القضاء، وابتعد عن الأضواء، لأنّه ترك لجبيل التي أحب وأعطاها وصيته أحلى وديعة.

كانت وديعته النائب عبّاس هاشم.

كان يشعر أنّه «إبنه الروحي».

وكان «النائب الحضاريّ» كما وصفته إلهام سعيد فريحه، أجمل وديعة يقدمها هدية للنّاس.

يوم مزقوا صور عبّاس هاشم في إنتخابات العام 2000،  حمل صور خصمه الإنتخابي، وراح يعلِّقها بنفسه.

يومئذٍ وصفته السيدة إلهام بـ «المرشح الحضاريّ»

عبّاس هاشم بقي  ملازماً لـ أبيه الروحي» من بيروت إلى البقاع، وهذا هو الوفاء.

جريدة الأنوار،

25 مارس 2006م، العدد:16064