نبذة تاريخية عن الرئيس علاّم

14/7/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

العُمْرُ يَنْسَلُّ إلى الماضي لما فيه من الذكريات، من خلال الإبداع، والذين أغنوا الفكر الإنسانيّ بأريج عطائهم، هم أهل مودّة، يُحبّون الحياة ويعيشون بقلبها وليس على هامشها...

والتُراث له أهميّة كبرى في حياة البشر، إذ مَنْ لا تاريخ له، لا مكانة له في عالم الأحياء.. وتُراثُنا مليء بكلّ أنواع العطاء.

مِنْ هُنا فإنّه ينبغي تحسين صورة الحاضر، تحصيناً لصورة المستقبل.. وَمَنْ يملك القدرة على العطاء والتَّفاعُل والتَّعامُل مع المعاني التي تموج بالشَّذى، كعقود ياسمين، على أعناق الحسان، وكمناديل حرير مُضَمّخة بعطر البيلسان وأَريج الزيزفون على ضفاف نهر هادئ يستطيع أن يُسْمِعَ العالم، صدى صوته المُعطّر حيث تَتَرَجَّحُ كلماتُه وسطورُها على الشفاه وتتجاوز حدود الواقع...

منذ يَفاعتي، وفي محلة الطيونة ـ الشياح، كنت أسمع المرحوم والدي محمود مشرف شمص وهو يتحدَّث عن الكبير أديب علاّم.. وعندما بدأتُ الدراسة، وبالتحديد في مدرسة الشياح الرسميّة التي كانت ملاصقة للكنيسة، وذلك في العام 1946م، أصبح إسم الأستاذ معلوماً لدى جميع أفراد العائلة.. وقد تعرّفنا إليه عن كثب.. هو صاحب الوجه الصبّيح الطافح بالنّور، الطويل القامة، لطيف المعشر لا تفارق وجهه البسمة الممزوجة بالحنان.. وعلمنا أيضاً أنّه ينتسب للعائلة الشمصيّة التي هي أم العشائر في لبنان، وآل علاّم هم من أهمّ أفخاذها وأقربهم، كآل دندش وناصر الدين وعلّوه وعلاء الدّين وكركبا الخ...

وقد تعدّدت الزيارات بين والدي وبينه رحمهما الله..

كان الأستاذ أديب يملك مكتبة تحوي مئات الكتب والمجلّدات، وكنتُ عندما أذهب مع والدي لزيارته، أقف أمام المكتبة أتصفّحُ بعض موجوداتها وأحفظ بعض العناوين فيها وأسماء المؤلفين بحيث كنت أقرأ جيّداً لحفظي القرآن الكريم على يدي والدتي التي كانت تُدرّس القرآن الكريم ومبادئ اللغة العربيّة في منزلنا في بيروت وفي الهرمل، التي أصبحنا من سُكّانها في أيَّام الصّيف بعد أن ترك والدي مشّان واقترن بوالدتي التي هي من الهرمل، والتي كانت تملك أيضاً مكتبة تحوي العديد من كتب التاريخ والأدب والشعر والقصص وألف ليلة وليلة وغيرها...

ومرّت الأيام وإسم أديب علاّم لا يغيب عن بالنا، إلى أن انْتُخِبَ عُضْواً بارزاً في المجلس الدستوري. فكان يحضر الاجتماعات ويزورنا في المجلس النّيابي طيلة فترة عضوّيته في المجلس الدستوري. ومن ثم اختير عضواً في لجنة تحديث القوانين في البرلمان. وفي كلّ يوم جمعة من أيّام الأسبوع كان يحضر إلى مكتبي في المجلس قبل بدء جلسات اللجنة في قاعة الجلسات الكبرى، وكنت خلال مكوثه في مكتبي، أشعر بفخر كبير على أننّي عاصرتُ هذا الإنسان العظيم الذي برع في دراسته وفي القضاء وفي كل مؤسّسة تعامل معها كخبير قانوني ومرجع دستوريّ ناجح...

وأَذكر أنّني نظمت قصيدة عَبَّرتُ فيها عن حبّي وتقديري للقاضي الكبير الأستاذ أديب علاّم، خَطَّها لي أحد الخطّاطين وقدمتُها له في إطار لائق، وضعها في صالونه في بلدة تمنين التحتا البقاعيّة، بحيث كنت أتردّد إلى تمنين لزيارته كُلَّما سنحت لي الفرصة.. سُرَّ كثيراً بالمقطوعة الشعريّة وكان يُردّد أبياتها أمام زُوّاره، وأَذكر أيضاً أنّه قدّم لي قلم حبر من نوع (كارتييه) مطليّاً بالذهب ما زلتُ أحتفظ به، وأتصوّره M، أمام عيني كلما أمسكت القلم بيدي للكتابة.

مَن كان مثل أديب علاّم لا يمكن أن يروح من بال أحد مّمن عرفه من الأَقارب والأصدقاء والزُملاء الذين عاصروه أَو عملوا معه في القضاء أو في المجلس الدستوري أو في لجنة تحديث القوانين.

من ديوان حافظيات، للدكتور عبد الحافظ شمص، ص: 68. الناشر إتحاد الكتّاب اللبنانيين ـ بيروت ـ الطبعة الأولى: 2008م.

أديب علاّم القاضي المميز والمصلح الإجتماعيّ، الذي كان ضليعاً في إصلاح ذات البين بين العشائر، مع إخوانه من مشايخ الصلح، خسارته خسارة لا تعوض إلا بقضاة من أمثاله، فهو عالم مخلص ينظر إلى الأمور بدقة ورويّة وحكمة، تنقل في عدّة مراتب ومناصب وآخرها المجلس الدستوريّ. هذا الإنسان الذي خسره الجسم القضائيّ، نتمنى أن تكون مسيرته قدوة لأمثاله من القضاة الّذين يسيرون على خط الإعتدال والشفافيّة بدون تحيز أو تعصب.

أديب علاّم منارة للقضاة وعلم من أعلام هذه الأمّة، فأمثاله قليلون، ونتمنى أن يكون نموذجاً لمن عرفه وعايشه.

فمن مثال أديب علاّم رحمه الله، يجب أن يكون رجال الحكم ذوي الطابع الوطني اللبنانيّ الذين يعملون على تجسيد الدستور وتطبيق القانون. وأن يحكموا بين النّاس بما يمليه الضمير والقيم والعلم.

أديب علاّم هذا الإنسان الذي عرفته عاملاً في القضاء بعيداً عن الأضواء، وعن الاعلام، بصدق وموضوعيّة وجديّة.

نقول للقضاة الشباب أديب علاّم من الرعيل الأوّل الذي مارس القانون وحكم بما يمليه عليه الضمير، ونحن كنا نحبه ونحترمه ونقدر أمثاله، وعلينا ان نحافظ على الجسم القضائي، ونميز القضاء عن غيره ليبقى في خدمة الشعب يعطي الحق لأصحابه وينتصر للمظلوم على الظالم، مبتعداً عن الأهواء والشهوات، يخدم القضايا بكل شفافيّة وموضوعيّة وجديّة.

أديب علاّم هذا العالم بالقانون والذي مارس دوره في القضاء بشتى مجالاته، علينا أن نذكره بالخير، ونأخذ في سيرته وأخلاقه ما ينفع المجتمع ويهدي إلى سبيل الحق.

رحم الله أديب علاّم الذي بذل الكثير من الجهد من أجل الإنسان والوطن العزيز لبنان.

 

السفير ص:4، الإثنين 27 آذار 2006، العدد 10354.