أَديب علاّم: أَرزةٌ... في البال

14/7/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

النائب الحاج عبّاس هاشم

في خاطري، منذ طفولتي، إطلالةُ ذلك الرجل البهيَّة، وقد تسربل بعباءةٍ له، عربيَّةٍ، لطالما فضَّلها على لباس أَهل المدن، المشدودِ والمخصور، سائراً مسارَ لابسيها الأَوائِل. مشدوداً إلى الله، ومخصوراً بالإيمان. كان ينتصب داخلها كرمح، مُجرِّداً بصرَه الحاذق على من حوله... وشَمْلَةٌ على منكبيه.

تحضُرني الإطلالةُ الآسِرةُ تلك، كلّما تمثَّلتُ أَديب علاّم، وكلَّما ذَكَرَه أَحدٌ أمامي، في موقفٍ جللٍ أو حديثٍ مهيب.

صحيحٌ أنَّ الموتَ يُغيّبُ الأحبَّة من العيون، لكنَّه أَبداً يرسّخُ بهاءَهم فينا، على اشتهاءِ النُبْل الذي عاشوا عليه، وقوامِ الفضيلة التي تأزَّروا بها.

كانت للرجل مهابةٌ وكلمة... وكان له وقار. كلُّنا يعرفُ ذلك.

لكنَّما ذكراهُ، على مَرِّ السنين، تجتاحني اجتياحاً، لتُعرِّي نفسي وتُسائِلَها، بعد أن صاغَ الرجلُ مستقبلي السياسيّ بعين الفاحص، ويدِ الخبير..

ترفَّع أَديب علاّم، طوال عمره، عن المادَّة والعيب، فاستحقَّ تقدير لبنان، كلِّ لبنان. ارتقى، بتواضعه المعروف، على أَقرانه من أَهل الوطنيَّة والقانون، فذاعَ صيتُه في أَرجاءِ الوطن عَلَماً خفَّاقاً من أَعلام النزاهة والمعرفة.

ما غَرَّهُ منصِبٌ، وما سعى... حتّى غدا مرجعاً لكلِّ منصبٍ ومسعى.

أَرادني، على ما كان عليه... وما زلتُ أَسعى كيلا أُخيِّبَ مُراده، ولستُ أنا بفضليته، ولا تجرُّده، إنَّما، حقّاً، أَراه أمامي في كلّ خدمةٍ أقوم بها لوطني والناس. أَجده رفيقي ولو بعيداً، ونصيري ولو في عالَم الغيب.

هالت أَديب علاّم، في نهاياته، مُكبِّلات الفساد وتداعيات الرشاوى في أَهل السلطة، ممن رفعَهم الوطن، فسقطوا في الدَّرْك الخطير، وأسقطوا الوطن. حزَّ في قلبه الانهيار الكبير. باح لي مَرَّة بأنّه صَمَّ أُذنيه عمّا تندى له جباه الشرفاء... وشَكرَ أن عينَه لا ترى. نامَ فؤاده على وجعٍ مُرّ، وعندَه أَنَّه أَشدُّ مرارةً من آلام الداء الذي نزلَ به في شيخوخته.

أّديب علّام، يا كبيراً من لبنان ويا مِثالاً يُحتذى!

ستبقى في بال مُحبّيك، أَرزةً شامخة لا يشوبُها اصفرارٌ ولا يطالُها يباس. رأسُها في الغيم، وشلوحُها على المدى، وجذورها صلبَةٌ، ممتدّة في الأعماق امتدادَ الكرامةِ والقِيم في أهلنا وكبارنا وذوينا.

بيروت، في 8/6/2011