أديب علاّم القاضي والإنسان

14/7/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

القاضي إبراهيم علاّم

عندما طلب مني أن أكتب عن أديب علاّم تهيبت الموقف. فماذا أقول عن إنسان تفتحت عيناي على صورته، وهو في ثوب العدالة، معلقة في صالون منزل العائلة، كيف أختصر عشرات السنين مرافقاً له في كلمات قليلة، درست الحقوق، ومارست المحاماة. ودخلت سلك القضاء متأثراً به محاولاً قدر المستطاع أن أتابع ما علمني إياه من حب للعدالة، ومساعدة كل محتاج.

لو أتيح لي لكتبت صفحات عديدة عن هذا الرجل، والرجال قليل في يومنا، ولكني اخترت ثلاثة مواقف تجسد أديب علام القاضي:

أولاً: عام 1996 كنت قاضياً منفرداً في بشري، وكما في كل دعوى نسأل المدعى عليه في ختام الجلسة عن طلباته. وكان المدعى عليه الماثل أمامي رجلاً طاعناً في السن فسألته ماذا تطلب من المحكمة؟ فصدمني حين أجابني «لقد علمت» أنك من عائلة علاّم، فأتمنى عليك أن تحكم لي بالعدل كما كان يفعل القاضي أديب علاّم» علماً أنّ الأستاذ أديب كان قد ترك الشمال منذ أكثر من ثلاثين عاماَ.

ثانياً: في إحدى الجلسات في طرابلس. قام أحد المتداعين وقدّم للقاضي أديب علاّم كتاب توصية من مرجع سياسي كبير. فأمسك القاضي العادل الكتاب ومزقه أمام النّاس قائلاً: في المحكمة القانون هو المرجع وليست التوصيات.

ثالثاً: في إحدى المناسبات رافقته إلى صيدا حيث كان رئيساً لمحكمة الجنايات وكانت الأوضاع الأمنيّة غير مستقرة. كانت القاعة تغص بالمواطنين، عندما نودي على الشاهد الذي سأله القاضي عن اسمه. فأجاب أنّه مسؤول عن أحد التنظيمات المسلحة حينها في الجنوب، فثار موبخاً الشاهد قائلاً له: لقد سألتك عن اسمك، فإن كان جوابك للتخويف فأنت مخطئ لأنّك لا تعرفني، فتلعثم الشاهد وأخذ يعتذر علماً أن عدة مرافقين كانوا  ينتظرونه خارج المحكمة. وفي طريق العودة إلى بيروت سألت القاضي ألم تخشَ من إقدام الشاهد على إيذائك فكان جوابه أنني لا أخاف إلاّ من الله وظلم إنسان بريء.

لقد ذكرني كلامه بالحديث الشريف: القضاة ثلاثة، قاض في الجنّة، وقاضيان في النّار: فمن عرف الحق فقضى به فهو في الجنّة.

وإني على إيمان أنك في الجنة أيها القاضي العادل لأنّك عرفت الحق ولم تحكم إلا به. أمّا أديب علاّم الإنسان فاذكر واقعتين تجسدان هذا الرجل الذي كان خدوماً، رحيماً، ورمزاً في التواضع.

الأولى عام 1986 وكنت أرافقه في زيارة مريض في مستشفى الجامعة الأمريكيّة، فالتقينا في المصعد بسيدة تبكي وعندها مريض يريد الخروج من المستشفى ويستحق عليه دفع مبلغ غير متوفر معه، وقد راجعت العديد من المسؤولين ولم يساعدها أحد.

ولدى وصولنا إلى الطابق الأرضي طلب إليها مرافقته إلى مكتب المحاسبة لمساعدتها. وبعد قليل خرج من المكتب والسيدة وراءه تهتف له بالصحة والعمر المديد.

الثانيّة: لقد كان منزله مشرعاً لكل ذي حاجة حتى لقب»بطريرك الشيعة» في بلاد جبيل. وأنا واثق أنّه كان بطريرك الشيعة والموارنة لأنّ منزله كان مقصداً لجميع المواطنين الّذين كانوا يأتون إليه طلباً للمساعدة والإستشارة ولم يكن يتأخر ابداً. لم يكن هناك مجلس صلح في بلاد جبيل إلا وبصماته موجودة إيماناً منه أن الصلح سيّد الأحكام. والمحبة في بلاد جبيل التي بادلته الحب والوفاء. كان منزله في عين الدلبة ـ جبيل أثناء الإنتخابات يعج بالمواطنين الّذين يستأنسون برأيه. حتى أن العميد ريمون اده رحمه الله، وفي أحد المؤتمرات الصحافية فقد صرح أن هنالك نواباً لا يمثلون أنفسهم بل الكتل التي رشحتهم ثم ذكر اسم أحد نواب جبيل حينها بأنّه لا يمثل نفسه بل يمثل أديب علاّم الذي دعمه ولكن النّاس التي أحبت أديب علاّم هي التي دعمته.

وختاماً: لا يسعني أن أختم هذه الكلمات إلاّ بما قاله سيّد الكلام بطريرك لبنان بشارة الراعي»حفظه الله» في ذكرى مرور أربعين يوماً على وفاة القاضي أديب علاّم في حفل تأبين في قاعة البطريرك حويك ثانوية راهبات مار يوسف في جبيل: «لقد خدم أديب علاّم الحقيقة والعدالة وحكم بالإنصاف ملطفاً حدة القانون. لقد أنعش الكل بإنسانيته وأخلاقيته».