عبد الله ناصر.. صدارة القضاء

3/11/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

 

للأستاذ عليّ الموسويّ

 

كلّما ذكر اسم القاضي عبد الله ناصر في رحاب الحياة، وفي مختلف المجتمعات اللبنانية، تبادرت إلى ذهن المرء، أربعة أمور توحّدت به، بسبب متانة العلاقة القائمة بينهما، فصارت علامة مسجّلة باسمه، لا يمكن الحديث عن أحدهما من دون الاستفاضة في الكلام عن الآخر.

فملفّات قصور العدل، وديوان المحاسبة، وسجّلات الدولة اللبنانية، لن تنسى الصفحات البيضاء التي ملأها هذا العبد لله، من ذخيرة عقله وطاقة جسده اجتهاداً تلو اجتهاد، وفي تنقيبه الدؤوب في متون كتب القانون، وفي بحثه المسترسل عمّا يدعم حجّته ويؤيّد رأيه في إيصال الحقوق إلى أصحابها من المتقاضين، من دون تمييز بين فلاّح، أو ثري، وفي العمل قدر المستطاع، للحفاظ على أموال الدولة وبالتالي الشعب، من المكلّفين بإدارة صرفها من وزراء، بعضهم كان يفتّش عن مصلحته وعن كيفية الاستفادة من هذه المناقصة أو تلك الصفقة، كما كان ناصر يكشف في مجالسه الخاصة وأمام بعض عارفيه.

فما أن تُذْكر بحيرة القرعون في منطقة البقاع الغربي، حتّى يحتلّ إسم عبد الله ناصر صدارة الكلام. فلولاهُ لما استطاعت الدولة أن تقنع أصحاب الأراضي الزراعية من الفلاّحين وصغار المالكين، بالتنازل عن أراضيهم التي هي قطعة من أعمارهم ويومياتهم، ومهما كان البدل المادي المدفوع لهم. فقد رسبت لجنة الاستملاك الأولى في شراء الأراضي المطلوبة لكي يعبر نهر الليطاني بسلام، وكانت الاستعانة بالقاضي عبدالله ناصر الذي ظلّ بصبر وأناة وعلى مدى سبع سنوات يبحث في ملفّ هذه البحيرة حتّى أنجزه على خير ما يرام، وبرضى الفلاّحين أنفسهم.

ولا يحكى عن ديوان المحاسبة بعد اتفاق الطائف، من دون المرور بأوّل قاض من الطائفة الشيعية يتسلّم دفّة قيادته، فسعى إلى إصلاح الخلل المستشري فيه، ونجح في زيادة عديده البشري، من دون المساس بالصلاحيات التي لم يسمح السياسيون بتفعيلها وبمرورها إلى شاطئ الأمان، على غرار ما فعل الفلاّحون ببحيرة القرعون، والسبب كما قاله ناصر نفسه لـ» السفير» في» بورتريه» نشرته عنه، هو أنّه يتناقض مع مصالح هؤلاء، ولكنّه لم يتراجع ولم يخف، فأصدر قرارات تصدّى لها مجلس الوزراء، وفسخها كرمى عيون وزرائه ومصالحهم الشخصية وكأنّهم فوق القانون وأهمّ من الوطن.

وبفضل ناصر لا يزال قضاة لبنان يستفيدون من خيرات صندوق تعاضد القضاة للمساعدات المرضية والاجتماعية الذي أسّسه في العام 1984. فكلّما أراد روّاد المحاكم وقصور العدل دفع متوجّبات مالية وغرامات ورسوم دعاوى مدنية وتسجيل شركات وتأسيس مؤسّسات والاستحصال على صورة صالحة للتنفيذ في الدعاوى الجزائية، اقتطعت نسبة منها لهذا الصندوق وبالتالي للقضاة.

كما أنّ ذكر رابطة قدامى القضاة في لبنان، لا يكون من دون مؤسّسها الأوّل القاضي عبد الله ناصر الذي استخرج قرار إجازتها رسمياً باسمه في العام 1999 من «غياهب» إدارات الدولة.

رحم الله عبد الله ناصر الذي ستظلّ ذكراه مطبوعة في تاريخ لبنان.                                      صحيفة السفير الصادرة في 5 كانون الثاني 2008م.