إبن العم الرئيس عبد الله ناصر كان مقداماً في حبِّه للنّاس

3/11/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

 

 

علي ناصر «ابو وفيق» تمنين الفوقا ـ البقاع

 

يلامس الحنين جباه الحياة البقاعية، ما إن تبدأ بالحديث عن عبد الله ناصر،”القاضي الرصين والذكي والحازم” كما يشدّد محبّوه، فكيف بأبي وفيق ناصر الذي يعيش الذكرى حتّى بعد الرحيل، ويعيش الشوق الذي جرحته دمعة كانت كفيلة بأن تحملنا معها إلى أوّل لقاء جمعه مع القاضي ناصر المعروف برباطة جأشه وخصاله الحميدة على ما يصرّ أبو وفيق على التأكيد طوال استرساله في الحديث عمّن يصفه بالنعمة التي حلّت على القضاء، فكبر به وصار أكثر التصاقاً بالناس وهمومهم وشجونهم وقضاياهم.

تمتزج الحكايات في قصّة أبي وفيق، حين يروي سطوراً من كتاب الذكريات، تتعلّق بالقاضي عبد الله ناصر الذي عرفه عن قرب شهماً ومقداماً لا يهاب شيئاً سوى الحقّ، وهو ليس شعاراً فقط تتلمّسه من بين تلك الكلمات الخارجة من فمه وهو يرويها، بل “حقيقة كبرى” على ما يؤكّد بلهجة المتيّقن والعارف عن كثب.

يعود أبو وفيق بذاكرة الحنين سنوات إلى الوراء، إلى حيث اجتمع شمل عائلة ناصر في بلدتي تمنين البقاعية والحصين الكسروانية. يقول أبو وفيق: “كان والدي يقول لنا دائماً إنّه يوجد أقارب لنا في الحصين، وإنّه يجب علينا أن نتواصل معهم، ومن هنا بدأنا نحن بأوّل خطوة وقمنا بزيارتهم في الحصين”.

توطّدت علاقة أبي وفيق مع القاضي الرئيس عبد الله ناصر حين انزلق الأوّل في محنة كبيرة ، فلجأت إلى الريّس عبد الله ناصر وأخبرته بما حصل، فأدرك بأنّ ما حصل هو قضاء وقدر و قدم لي كل النصح والارشاد.

يصمت الكلام.. لتتحدّث الدمعة عن مدى الحنين والشوق إلى الرئيس عبد الله ناصر “الإنسان الكبير الذي احتضن العائلة” يشرد أبو وفيق في ثنايا الماضي قليلاً، كمن يستعيد مقطعاً من سيمفونية الحياة. يتلقّف الصورة ليرسم لوحة من لوحات شخصية القاضي الزعيم”الذي شكّل همزة وصل كبيرة في العائلة، وساعدني على إعادة الاعتبار إليّ وعلى تبييض سجلّي”.

يحفر أبو وفيق أكثر في الذاكرة، ينبشها ليعيد ألوان الصورة الخاصة بشخصية عبد الله ناصر الذي كان” إنساناً رصيناً، وهادئاً، وقليل الكلام، وكثير الأفعال، ولعب أدواراً كبيرة على صعيد العائلة حيث كان مستشارها في كلّ شيء، وازددنا منه هدوءاً وآدمية، وكان شخصية نادرة، يخدم بدون ثمن، كما لو كان واجباً عليه، منطلقاً من شعار “نعمة الله عليك... حاجة الناس إليك”.

لا يتوقّف أبو وفيق عن استخراج كلّ مكنونات قلبه تجاه القاضي ناصر صاحب الشخصية الصلبة والمتينة في الدفاع عن الحقّ، والنزيه في الملفات المعروضة عليه والودود مع عائلته وأهله وأصدقائه ومعارفه وجيرانه وكلّ الناس المحيطين به أو الذين كانوا يقصدونه طلباً لحاجة معنوية، وهذا ما تعلّمته منه، وما زلت أحفرها على سجّل حياتي كي لا أتنازل عنها، ولا شكّ أنّه كانت للرئيس عبد الله من الحكمة بقدر ما كانت له من الصلابة، وهاتان الميزتان كانتا عاملاً من العوامل التي جذبت الناس إلى هذه الشخصية التي لم تهب شيئاً”.

 ويضيف أبو وفيق: “لقد كان عبد الله ناصر همزة وصل، لم ينأ بنفسه بعيداً عن العائلة، بل على العكس تماماً، فقد كان بوصلتها نحو الطريق الخالي من أشواك الأيّام وعثراتها، وهذا ما شجّعني على اللجوء إليه في أيّ مشكلة تعترضني، أو في أيّة مشكلة تحتاج إلى استشارة، وما يميّز شخصية عبد الله ناصر أنّه كان مقداماً في حبّه للناس والمجتمع وخدمتهم من دون منّة “.

ما أحوج المجتمع اليوم إلى رجل قانوني يملك شخصية عبد الله ناصر، تنصهر في بوتقة التشريعات والاجتهادات التي كانت له اليد الطولى في تسطيرها وتدبيجها في سبيل الرقي بالقانون وترويضه لمصلحة الشعب من دون أن يكون جافاً فيجفلون منه.

يسرح أبو وفيق بعيداً إلى عالم آخر مسترجعاً بعضاً من حكم الريّس عبد الله ناصر، ويلج منها إلى بحر الحياة في أيّامنا هذه، “لم أقصده يوماً بطلب، أو قضيّة إلاّ ولبّاها، شريط أن تكون ضمن أطر العدالة والقانون، لم يبع ضميره ولا حتّى مواقفه”.

ينفعل الحنين أكثر حين يردف قائلا: “أفتخر بنجاحاته، وبدوره الاستشاري القانوني لدى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ويكبر قلبي كثيراً، فقد كان مستشاره في القضايا الكبيرة، وكان شخصية وطنية، حتّى أنّ شخصيته نادرة الوجود، ويبدو أنّ الوطن اليوم بحاجة له، ولأمثاله، زرع الاحترام في نفوس كلّ من عايشوه وعاصروه واحتكّوا به، كان رجل قانون بكلّ ما للكلمة من معنى وحكمة”.

لقد خلّف غياب عبد الله ناصر فراغاً كبيراً لدى العائلة “ كنّا نعتبره الرابط العائلي، وكنّا نطمع ليحتل مراتب كبرى أكثر لأنّه يستحقّ، وكانت المراكز تفتخر به وليس العكس، كان يملك قوّة شخصية، ويحتكم إلى مقولة:”أن تنام مظلوماً..خيرٌ من أن تنام ظالماً”.

 ويستفيض أبو وفيق في شروحه كأنّه في قاعة تدريس عفوية “نمّى الرئيس عبد الله ناصر روحية الحكمة الرصينة في نفوس أهالي زحلة، فكان همزة وصل واتحاد متين على الرغم من حدّية القرارات التي اتخذها في عمله كقاضٍ، إلاّ أنّ رزانة المواقف، والجرأة في معترك عمله جعلاه مضرب مثل القاصي والداني، وهذا ما يشجعنا كعائلة على الافتخار به وبمواقفه في سلك القضاء، فهو لم يأخذ أيّ وظيفة إلاّ وكان الشخصية المرموقة التي تشرّف المركز”.

لا يكلّ أبو وفيق من مواصلة التغزّل بصفات عبد الله ناصر وإنجازاته الكبيرة جدّاً ويختم بالقول: “ كان يستحقّ أن يصل إلى الأبعد...إنّه من الرجالات القلائل في الطائفة الشيعية الذين خدموا الإنسانية في لبنان”.

أجرى الحوار:

(علي الموسويّ ورنا جونيّ)