عبد العزيز أبي حيدر الحاضر الغائب

16/2/2012
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

للنائب الحاج عبّاس هاشم

سنةٌ مَضَتْ كأنّها الأمسُ القريب، وفي البالِ بداعةُ الصُور، ولجاجةُ الذِكرى، وأسى الفراق.

الأصدقاءُ الذين بَعُدُوا بالموت، وترحَّلوا إلى لا عودةٍ، نشروا طيبَهم بيننا أزرار ياسمين ـ وغابوا... طاب لنا أن نذكر حضورّهم الآسِرَ بيننا، فنستنزلَ عليهم الرَحَمات.

كان عبد العزيز أبي حيدر واحداً من هؤلاءِ ويبقى.

أَذكُرُ لقائي الأوَّلَ به، لم يكُنْ لقاؤُنا ابتساماتٍ ـ كما يقول الشاعر ـ بل خصاماً على ملتقى. ولطالما جاذبتُه وجاذبني الحديث، وحديثُنا احترامٌ وحَذَر... إلى أن تبدَّتِ الحقيقةُ بيننا، فارتبطنا بالصداقة والولاء.

على غَرَّةٍ يدخُل النّاسُ قلوبَنا، ومعهم تتلاقحُ الألباب، فتستنيرُ العقول وتفرحُ النفوس. وبهذه رافقتُ عبد العزيز في حَقَبَتِه الأخيرة، فبدا لي جريئاً في قول الحقيقة، ومدبِّراً حكيماً في إِخفائها عمَّن لا يقدِّرونها، وبدا متمسّكاً بقناعاته التي خَبِرها عن رجحان، لا يَحيدُ عنها قَيْدَ أّنمُله، ولا يَكِفُّ عن المناداة بها. وكثيراً ما كان يودعُني لهفتَه على بنيه، وافتخارَه بهم، حتّى تشرَّق وجهُه ضياءً كلَّما ذكرَهم أو ذُكِروا له.

في الحقيقة، أنّ هامتَه المرفوعةَ تلك، إنَّما استمدَّها من رزانةٍ رافقَتْ حياته العمليّة، وهو القائمقام المعروف، ومن هناءَةٍ مدَّه بها، زوجةٌ فاضلة وأبناءُ صالحون.

لقد ارتقى عبد العزيز في قومه، فعُيِّن قائمقاماً على منطقة الشمال، وهي المنطقة العزيزة على قلوبِ اللبنانيين، المعتَزَّةُ برجالاتِها، المتمسِّكةُ بتقاليدها، المعتَدَّةُ بعاداتها وقِيم أَهليها، والرافضةُ صفوفَ الملتوين والفاسدين، والمتلوّنين.

في الشمال، إمّا أن تكون من هذه العجينة أو ترحل ـ كما قال الرئيس الراحل رحمه الله، أديب علاّم.

لقد بقي قائمقاماً طوال مدَّة تفرُّغِهِ، متشبّثاً بالحق، متقويّاً  بالقوانين ومراعياً الأصولَ والمفاهيم... حتى صلُبَتْ عريكتهُ واستبانَتْ نزاهتهُ فكان في دائرته القلبَ النابضَ والضميرَ الحَيّ.

ويا أَيُها الغائبُ الحاضر:

على مناجاة القِيم الإنسانيّة التي حَمَلْتَها، زاداً لك في مشوار الحياة، نجتمع اليومَ للصلاةِ على روحك، وقد عادت إلى عليائِها، آمنةً مطمئنَّة. لك أن تنعمَ بمصير المرتفعين المؤمنين، ولنا أن نتمثَّل بثبات خطاك، ودفقِ عاطفتك، وبهاء مسلَكِكَ.

رحماتُ الله عليك