عبد العزيز أبي حيدر وخصاله الحميدة

16/2/2012
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

للدكتور محمد نديم الجسر

من يفعلِ العُرفَ يُعْدمْ جوائِزَهُ لا يذهبُ العِّرفُ بين اللهِ والنّاسِ

وأهل المعروف تسمو بهم فِعالهم

وتقربهم إلى سِدرة المنتهى محاسنُ أخلاقِهم

وأفضلُ المعروفٍ إذا  تأتى من صاحب سلطانٍ أو ولايةٍ

فالولاياتُ مضاميرُ الرجال

فمن وَسَد إليه أمرُ النّاس تُسَّوِلُ له النفسُ الأمارةُ أن يثنيَ عِطْفَهُ ويُصَعِرَ خدَهُ

يختالُ فخوراً بسلطته، ويرتدي ثوبَ الكبرياءِ، ويتبعُ هواهُ فيتردى

والمسؤولُ، الرجلُ الرجل، خِلالُهُ خِلالُ الحمدِ، وخِصالُهُ مكارمُ الأخلاقِ، وفِعالُهُ محامدُ الأفعالِ

يلجَمُ نفسهُ بلجامها ويزُمُها بزمامها

فلا يُحْدِثُ له ما فيه من سلطانٍ، أُبهةً أو مَخْيَلَةً

يملك حميةَ أنفه وسطوة يده

وَيخْفِضُ للنّاس جناحه ويُلين لهم جانبهَ

يَبْسُطُ لهم وَجهَهُ فيُحيكُ ببشاشته حِبَالَةَ المودةِ معهم، ويُقيَّدُ قلوبَهُم بطيبِ القولِ، ويجْعَلهم بحلمِهِ وأنَاتِهِ عَشِيْرَتَهُ

المسؤول صاحبُ العُرْفِ مَنْ سَلِمَت سَرِيرَتُهُ فَسَلِمَتْ علانِيَتُهُ

هيبتَهُ في صمتِهِ، ففضلَ فعلِهِ على قولِهِ مكرُمَة

لا يستهينُ بالإمانة ولا يرتع بالخيانة

يترفعُ عن كل دنية

قَدْرُهُ على قدْرِ همتِهِ، وصدقُهُ على قَدْرِ مُروءتهِ، ووفاؤهُ توأمُ صدقِهِ، وشجاعتُهُ على قدرْ أنَفَتهِ، وعِفتُهُ على قَدْرِ غيرتِهِ

أذا رأى حقاً أعان عليه

وإذا رأى جوراً ردّه وانصف المظلوم

لا يدخل في الباطل ولا يخرج من الحق

الخير منه مأمول والشر منه مأمون

لا يحيف على من يبغِضُ ولا يأثم في من يُحِبُ

له حزم في لينٍ، فلا يغلب حزمُهُ صبرَهُ

بل هو “صبرٌ لحوائج النّاس”.

يتجرعُ غيظةُ أمام من غالظَهُ

تباعدُهُ زهدٌ ونزاهة، ودُنُوُهُ رحمةً واغاثةٌ واستجابةٌ

لا يَحسُمُ أحداً عن حاجته ولا يؤخِرُهَا

ولا يحبُسُ أحداً عن طَلَبتِهِ ولا يَرْغَبُ عنه

يتحاشى سقطاتِ الألفاظ والهفواتِ فيخزن لسانَهُ

صموتٌ على الشيءالذي فاتَ آخرُه

مجالسهُ بالأماناتِ، فهو أكتمٌ من الأرض

يملكُ هواه فلا تتملكهُ شهواتُ جِنانه

نفسه أصلبُ من الصُلبِ

لا يدع للخير غاية إلا أَمَّهَا، ولا مظنّةً إلاّ قصدها

كذاك عبد العزيز بك أبي حيدر. وهكذا كان

أدبُهُ خيرٌ من ذهب الدُنيا

أغنى غناه عقلُهُ وعفَتُهُ

وأكرمُ حَسبهِ حُسْنُ خُلُقِهِ

دليلُ عقلهِ ودليلُ علمهِ قولُهُ

“بعيداً فُحْشُهُ،  ليناً قولُهُ، غائباً منكرُهُ، حاضراً معروفُهُ، مقبلاً خيرهُ، مدبراً شرُهُ”

وَجِلاً قلبهُ، مُسارعٌ في الخيراتِ، مشفقٌ من خشيةِ الرحمنِ

هو بأصغريه نسيجُ وحدِهِ

عصاميٌ عظاميٌ

حرٌ يُستَمسكُ بذيلهِ والحرُ في الدنيا قليلُ

استمسك بالعروة الوثقى فما دحِضَتْ قدمُهُ وما زلّتْ بعدَ ثُبوتِهَا

طاب من غرسَ وطاب من سقى وحَلَتْ ثمارُهُ، ذريةً بعضُها من بعض.

 

 الكلمة التي ألقاها سعادة الدكتور الجسر في ذكرى الراحل الكبير في صالة”أنطش مار يوحنا مرقس” جبيل في 13 تشرين الثانيّ 2011م.