عبد العزيز أبي حيدر

16/2/2012
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم الأستاذ جوزف عبدو نصّار صفير

 

طلب مني السيد سامي حمد أبي حيدر على «المحمول» أن أدوّن ما أعرفه عن عمّه عبد العزيز. قال: الشيخ الدكتور يوسف عمرو يريد تدوين سيرة الرجل في مجلّته في ملحق خاص.

قلت لا أعرف  الكثير عن عمك القائمقام ربما غيري أقدر مني على هذا العمل. وربما يكون ما أعرفه قليل القيمة نسبة لما لا أعرفه. اعفني من هذه المهمة لئلا أشوّه الحقيقة. والحَّ عليَّ بأن أفعل وأتكرّم بما أعرف مدوّناً ولم يمهلني سوى يومين لأنّ الملحق كما يقول أصبح تحت الطبع.

قبلت ودوّنت التالي:

بداية أشكر فضيلة الشيخ الدكتور يوسف عَمرو لتكرّمه بتكليفي تدوين كلمة عن صفات المرحوم الأستاذ عبد العزيز أبي حيدر، أشكره لثقته كما أشكر السيد سامي حمد أبي حيدر لذكر إسمي أمامه.

وإني اغتنمها فرصة لأهنئ الشيخ الدكتور عَمرو على فكرة هذه المجلة التي من خلالها تكرِّم من يجب تكريمه فلا يقوى الزمن على محو المآثر الحميدة وهي مدرسة للأجيال اللاحقة.

دوّنت ما استنتجت من ست مصادفات:

1ـ في بداية السبعينيات عيّنتني وزارة التربيّة أستاذ تعليم ثانوي في القبيات ـ عكار. وما إن استقرّيت في تلك الناحيّة حتى راح من يكتشف أن الحصون قرية تجمعني والأستاذ عبد العزيز يهنئني ويهنّئ قريتي بهذا الإنسان العظيم. وبتّ معروفاً عند الكثيرين انني من قرية القائمقام وبالتالي بات عليّ الإلتزام بما يلتزم به لئلا اخون اعتقادهم بأن صفات الرجل في العادة تطلق على كل أبناء قريته. ورافقني هذا الشعور مدّة خدمتي في ذلك القضاء ودامت ثلاث سنوات. وسمعت ورأيت وعلمت من بعض العكاكرة الّذين عرفوا عبد العزيز عن قرب أنّه كان لصغير النّاس أباً ولكبيرهم إِبناً وللمثل منهم أخاً... فأَحبوه وكبّروا سلوكه. وكان خارج وظيفته عزيز الجانب مجيراً للجار، نديَّ الكف، قويم المبدأ في دينه ودنياه، يبذل ما يجب فيما يجب.

2ـ في فتوّتي، اصطحبت والدي عبدو لزيارة المرحوم عبد العزيز أبي حيدر وما كنت أعلم غاية الزيارة. وبعد التأهيل والجلوس شكا والدي أحدهم لظلامة أتته منه. وكان والدي متيقّناً من أنَّ عبد العزيز قادر على اصلاح الحال. وبعد برهة تأمل بصمت، طيّب عبد العزيز خاطر والدي. وقال: لو لم يتقوَّ خصمك بفلان لما تجرأ عليك. اصبر. لا تخاصم جارك. وأنا أجزم بأنّه سيعتذر منك. وأَعدُك بأنك سوف تحصل على حقك من فلان. وفي طريق العودة سألت والدي أن يكشف لي عن دافع الشكوى للأستاذ عبد العزيز وليس للمراجع  المختصة؟. واختصر السبب بجوابه: ألا يكون مرجع  الغريب مرجعاً أيضاً لأبناء قريته وجيرانه؟ أنّه «فرخ ملك» وهو إن أراد قادر على ما نطلب منه. وعبد العزيز كما أعرف لم ينتصر يوماً لظالم ضد مظلوم لا بل هو ملجأ المظلومين والمستضعفين وسند من لا سند له. وهو لا يخشى في قول الحق لومة لائم. وعنده صاحب القصر وصاحب الكوخ سيّان أمام القانون.

3ـ زرته مرة في منزله في الحصون مع أمين سر قائمقاميّة جبيل. وهدف الزيارة ضوء أخضر للقائمقاميّة لنُسلِّم ختم المختار لوالدي عبدو صفير وكان أكبر أعضاء المجلس الإختياري سنّاً بعد وفاة المرحوم محمد حسن بو حيدر. تحادثنا بالأمور العامّة والخاصّة ورافقنا حتى الباب الخارجي وذهبنا.

انطبعت بذهني وخيالي صورة رجل جريء في قول الحقيقة مستقوٍ بالقوانين بعيدٍ عن الطائفيّةـ مُلتزمٍ بإملاءات ضميره، مؤمنٍ بالعدالة والمساواة بين النّاس.

4ـ زارني مرةً في منزلي في جبيل ومعه المرحوم الأستاذ عادل عبد الحميد محسن أبي حيدر للتداول بشأن إختيار مختار للقرية ولم يكن للقرية بلدية بعد. أبدى وجهة نظره وكان حديثه رصيناً بعيداً عن الإنفعال، متميزاً بحضور ذهني وتواضع وابتسامة ممزوجة بنكتة...

5ـ كنت بين الحاضرين عندما لبّى عبد العزيز دعوة أحد أبناء القرية لإجتماع عام للتداول بشأن إختيار أعضاء المجلس البلدي ورئيسه. تمنّى البعض على عبد العزيز أن يكون هو الرئيس ويختار من يشاء للتعاون معه. وهكذا تستفيد القرية من حكمته وخبرته ومكانته...

ولمّا لم يكن إِجماع على شخصه بسبب عمره ربما، انسحب مُعتذراً صامتاً. غادر الإجتماع وفي عينيه بريق الكِبَر وقوة  العنفوان وعلى محيَّاه تواضع العلماء، وهيبة العظماء ووقار الشيوخ. صمت، سمع، هزّ رأسه وانسحب.

6ـ في التسعينيات قرّر خوض معركة الإنتخابات النيابيّة. وبدأ باستمزاج رأي المنتخبين. وكان له زيارة لآل نصّار صفير من أبناء قريته. واختصر موقفه بقوله. لا تطيب الحياة والوطن ذليل مشرذم...وانتظر. فقلت: لا يمكننا ونحن من أهل قريتك إلاّ أن نكون معك. فابتسم وكانت بسمته ملاذاً آمناً للمقهورين والمستضعفين والمظلومين... وصفّق الجمهور تشجيعاً فرفع يده تحيةً وشكراً  وخرج كما دخل نبيلاً.

خلاصة الكلام: المرحوم عبد العزيز أبي حيدر كان صفحة عزٍّ وافتخار لقريته وأبنائها كل أبنائها. لم يتواجد في القرية دائماً بل كانت القرية في قلبه على الدوام.

جدَّ فوجد والكلام على الكبار مهما كبرَ يبقى صغيراً مُقصراً. توصل إلى الوظيفة بعلمه ونبوغه لا بالواسطة ولم يستغلّ منصبه لمصلحته الخاصة أو مصلحة من له. والوظيفة مهما علا شأنها لا تؤدي إلى وَرَم الجيوب. وفضّل نظافة الكف فظلَّ عالي الجبين لا يحابي في تطبيق القانون.

اغتنى بعقله وعلمه وخلقه فتميَّز بالصدق والوفاء والشجاعة والأَنفة: كان رجل مبادئ تدفعه قوة داخليّة إلى العمل الصالح فتخطّت شهرته حدود قريته وشملت معظم أقضيّة الوطن حيث عمل..

ومنذ عام ونيّف غَيَّبه قانون الطبيعة عن أحبائه ومريديه. ضمّه تراب الحصون وبات ضريحه شاهداً على نضال رجل.

ولئلا يمحو النسيان مسيرة العظماء ندعو البلدية الموقرّة إلى إقامة تمثال له في ساحة القرية الرئيسيّة تخليداً لذكراه. كما ندعو أيضاً إلى تسميّة أحد شوارع القرية بإسمه.

الإسم: جوزف عبدو... نصّار صفير. الوالدة: سعدى الدكاش. الزوجة: برت مراد. محل وتاريخ الولادة: الحصون 18/4/1943م. المهنة: أستاذ تعليم ثانوي مدّة 41 سنة في مدارس وزارة التربيّة منها 32 سنة في ثانوية جبيل الرسميّة ـ حالياً متقاعد. الهواية: تربية النحل والكتابة. مؤلفاته: 1ـ دراسات في تاريخ الفلسفة العربيّة. 2ـ تاريخ العلوم عند العرب. 3ـ شجرة عائلة آل نصّار صفير. 4ـ مار جرجس والنصّاريون. 5ـ النصّاريون وبيت عائلتهم(تحت الطبع). 6ـ مقالات مختلفة المواضيع.

أبناؤه أربعة:1ـ سهى: مسؤولة في قسم القضايا في بنك SGBL وهي حقوقية. زوجها المهندس الزراعي منير أبي فاضل ولهما ولدان: شذا ـ وشربل. 2ـ هشام: ماجستير في إدارة الأعمال مسؤول في بنك لبنان والمهجر. 3ـ جيهان: طبيبة تتخصّص في أميركا، زوجها الطبيب شادي الصرّاف، ولهما إبنة: ياسمينا. 4ـ نيبال: مهندسة مدنية تعمل في شركة هندسة في (بيروت).