كلمة الرابطة الثقافيّة في جبيل

16/2/2012
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

لأمين السر: الدكتور حسن حيدر أحمد

 

كلمة وفاء

لا أدري لماذا هذا النوع من الكتابة يذكّرني بالموت؟ لأنّ هناك قنديلاً من أضواء وأسماء.. شاهدتُ العتمة تلفّني، حملت القنديل ومشيتُ على مهل حتى لا أُزعج الّذين ناموا على وسادة غيابهم في المدة الأخيرة...

والأستاذ عبد العزيز أبي حيدر منهم... وهو الّذي أشرق من قرية سقي فرحت ـ الحصون الجُبيليّة حيث منها إنتشرت العائلات الجُبيليّة كالشهب في أرجاء الوطن...

كان يتنزه مع الكلمة على ضفاف سواقي سقي فرحت ـ الحصون أو يسمع نايها الحزين في ريحها العاصفة أو يملأ حضنه حنطة على بيادر رجوعها... لأجلها تخلّت يداه عن جبل طين الحجارة لينفخ من روحه في طين الحضارة فدرس الحقوق في جامعة القديس يوسف في بيروت ووصل بفضل معرفته وعصاميته إلى سلك الوظيفة العامّة فكان قائمقاماً ثُمّ أمين سر لمحافظة الشمال.. تعارفنا وتصادقنا بعد بلوغه السن القانونيّة... وإذا تحررتُ من المجاملات والمزايدات أراني أفضلّ طرح إجتهاد شخصي عنه كإنسان أولاً وبعد كمفكر ومناضل وناشط في المجال العام.. فلقد سحرتني حماسته للعمل المشترك منذ الأيام الأولى في أواخر التسعينيات عندما تداعينا لتأسيس ما سميناها وقتئذٍ “الرابطة الثقافيّة في جبيل” حيث إنتخبناه رئيساً لها.. وكان طموحه أن يرى النهضة الكبرى تعمّ جبيل فينتقل البعض من الكهوف المظلمة التي حبسوا أنفسهم فيها إلى حيث شعشعائية النور وَالقُ الوعي الناهد إلى سمّو المعرفة المعطاء.

إنّه متواضع وعميق وشفاف ورقيق يجيد الإصغاء يتمّعن إلى كُلِّ ما يُقال ويراقب ما تبوح به، يتابعك ويطاردك بإهتمامه. لا يخاطبك من علٍ لا تكلّف، لا إدعاء ولا ذاتيّة مفرطة.. يعبّر عن رأيه بموضوعيّة وينقد الأفكار يحترم رفاق الدرب ويشعر ببعض الإغتراب لأنّه عاش الزمن  الجميل زمن الوجوه الحقيقيّة للثقافة والفكر والسياسة...

دمعة حرىّ نذرفها لغيابك يا أستاذ عبد العزيز وفي يقيننا بأنّك رغم الغياب باقٍ في وجداننا مغروساً في جبالنا أرزة وارفة بالمحبة معطرة بالإنسانيّة شامخة بالقيم والمبادئ..

إنّ محبيك يحملونك على عربة الحرية ويقيمون عليك صلاة المنتصر على الموت ويشيعونك بنظرة القلم الأخيرة قبل أن يواروك ثرى هو بخور في المجامر التي تطيب نوم الخالدين... 

مدير ثانوية المعيصرة الرسميّة، وأستاذ جامعي. وعضو مؤسس في الرابطة الثقافيّة في جبيل، وأمين سرها - جبيل في 15 /1/ 2012م.