الحسين بن علي هارون وابن هارون هذه الأمة

18/1/2013
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم الدكتور الشيخ سليم اللبابيدي

الحمد لله الذي جعل الحب ديناً، بل هو أعلى درجات التدين، حيث نجعل العلاقة بين الله عزَّ وجل وعباده في أرقى درجاتها، حب متبادل يقيني منه عزَّ وجل، وظني من العباد، فقال تعالى: }يحبهم ويحبونه{، والصلاة والسلام على من لا أجد أطيب من مُخاطبته الحبيب مُحمّد(ص) وجعل حبه وحب آل بيته من الإيمان، وبعد

فإن من بديهية الأمر، أن أُعرِّف عمن أكتب، ولكن من أَصعب الأمور تعريف المُعرَّف، فكيف؟ وأنا أتحدث عن شمس من شموس آل بيت النبوة، وسيد من سادتهم، وريحانة جده السبط المحبب: الحسين بن عليّ بن أبي طالب(ع)، سيد شباب أهل الجنة.

حينما يذكر آل البيت (ع)عمومًا والحسين خصوصًا(ع) يذكر الحبُّ الرّباني الّذي يوصل لبذل النفس والشهادة في سبيل المحبوب، ولكن لا بُدَّ من التوقف عند بعض المعالم في شخصية هذا القائد القدوة، وبعبارات تلامس واقعنا، وتعايش حياتنا اليومية مما قد لا يعرفه البعض. ولا أغالي حين أذكر أن هؤلاء القوم(آل بيت النبوة) لولا التشهد لنسخت اللام من لغتهم، فقد عرف الحبيب عن نفسه، فقال:» ولن تجدني جبانًا ولا بخيلاً». وهكذا كان كل آل الحبيب مُحمّد صلى الله عليه وسلّم، فلا بد من التذكر بأن الحسين القائد(ع) كان من قادة الفتح الإسلامي في كل الاتجاهات، وكان له الدور الكبير في هذه الفتوحات العسكرية، بل وكان قائداً أمينًا وحارسًا، فقد ولاه وأخيه الحسن والدهم أمير المؤمنين علي(ع) أمر حماية الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه أثناء الفتنة، وقاما عليهما السلام بهذا الأمر حتى استشهاده رضي الله عنه.

كان الحسين بن علي(ع) القائد المعادي للفتن، المواجه للباطل، وكان يدور مع الحقِّ حيث دار، بل كان يجهل من يجهل الحقَّ لأمر ما أو غشاوة عابرة، يلوذ بآل البيت (ع) فيكون مع الحقِّ لأنهم أهله ويعرف الحقُّ بمعرفة أهله.

وكان (ع) من مصادر قوته وضعفه في آرائه أنه كان وحدويًا على دين جده(التوحيد) فكان كرمه وعطاؤه لا حدود لهما في البذل من أجل هذا المبدأ بالنفس والنفيس(لن تنالوا البِّرَ حتى تنفقوا مما تحبون) فأنفق نفسه وأهله وماله في سبيل الله لوحدة هذه الأمة.

وهذا ما فعله نبي الله هارون(ع) حينما خرج السامريُّ بالعجل وطرح الفساد والإفساد، ولكن كان ثمن ذلك تفريق بني إسرائيل، فضحى بنفسه وسمعته من أجل توحيد بني إسرائيل والحفاظ عليهم، هي فتنة تمزيق الأمة التي طرحها السامريُّ الدعيُّ، والذي لا يهتم إلا بنفسه ومن بعده الهلاك لبني إسرائيل.

كان بإمكان الحسين القائد(ع) أن يتولى البلاد والعباد، ويأخذ المال والجاه، وأي شيء من متاع الدنيا الزائلة، ولكن هو القدوة التي تعلمنا بأن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وأنها خُلِقتْ لنا ونحن خلقنا لعبادة الله بالحب، فكانت الشهادة أسمى آيات البذل للمحبوب، فكان أن وقى نفسه وأهله وماله النار(قوا أنفسكم وأهليكم نارًا) فعضَّ عليٌّ(ع) على جرحه كما عضَّ هارون(ع)، على جُرحه، واعظًا مُرشدًا مُوجهًا شُجاعًا كريمًا باذلاً بسخاء، ولن تجد له في التاريخ مثالاً ليبقى على ظهر آل البيت من رجس الدنيا وما فيها، فذهب الباطل وأهله، وبقي الحقُّ يصدح من هارون هذه الأمة، طالبًا للإصلاح فقط لا لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فكانت هجرته وبذله لله ولرسوله وهذا ليس بدعة في بيت النبوة، فقد قال الحبيب(ع) مخاطبًا عليّ(كرم الله وجهه):» أنت مني بمنزلة هارون لموسى و لكن لا نبيَّ بعدي».

سيبقى الحسين القائد الوحدوي التوحيدي الرافض للفتن، هارون بن هارون هذه الأمة، وسيبقى الحقُّ يدور في أُمة محمد(ص)لقوله:» الحقُّ فيَّ وفي أُمتي إلى يوم القيامة». حتى خروج آخر الحسينيين بوحدة هذه الأمة على الحقِّ من آل محمد عجلَّ الله فرجه الشريف.