القاضي الشيخ الدكتور يوسف محمد عمرو حول ماضي وحاضر الشيعة في بلاد جبيل وفتوح كسروان

08/01/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

مقابلة تلفزيونية

هل ارتبط تأريخ الشيعة ووجودهم في بلاد جبيل وكسروان بحركة تشيّع أم أن هذا التأريخ كان مرتبطاً بدورة حروب وهجرات؟

لقد تكلّمت عن ذلك في مجلة العرفان اللبنانيّة المجلد الثاني والسبعين الصادرة في كانون الثاني1984م، حيث قلت: أنّ بعض صحابة رسول الله(ع)، المشهورين بتشيعهم لعليّ بن أبي طالب(ع)، قد شاركوا في فتوحات بلاد  الشام ومنهم: هاشم بن عتبة المرقال، وحجر بن عديّ الكندي، ومالك بن الأشتر النخعي، وبلال بن رباح وغيرهم (رضيّ الله عنهم).

كما شارك في هذه الفتوحات قبائل عربية معروفة بتشيعها لعليّ(ع)، ومنها قبيلة خزاعة المعروفة بتشيعها لبني هاشم في الجاهليّة والإسلام وغيرها من قبائل.

لذلك فالتأييد العظيم الذي حصلت عليه دعوة أبي ذر الغفاري(رض)، عند نفيه للبلاد الشاميّة كان نتيجة لسبق التشيع إلى هذه البلاد كما تقدم من خلال الفتوحات الإسلاميّة، وهذا مما أقلق بال معاوية بن أبي سفيان وجعله يطلب من الخليفة عثمان بن عفان إرجاع أبي ذر إلى الحجاز.

وأمَّا أيام الحكم الأموي والعباسي للبلاد الشاميّة، ومنها بلاد جبيل وكسروان فقد ظهر التشيع لأهل البيت(ع)، بالإهتمام بمراقدهم الطاهرة، وآثارهم الشريفة والمحافظة عليها من قبل المحبيِّن لهم في حلب، وحماة، ودمشق، وبعلبك، وطبريا، وعسقلان، ووجود هذه المراقد والآثار الشريفة خلال أربعة عشر قرناً هو خير دليل على محبة غالبية السوريين لأهل البيت(ع).

يُستشّف من كتاباتكم أنّه باستثناء حقبتي الدولة الفاطميّة والبهويّة لم يعرف شيعة جبيل وكسروان غير تأريخ متقطّع من الاضطهاد والتنكيل أسفر عن تقلّص عددهم في تلك الأنحاء على مرّ العصور؟

إنَّ الشيعة في بلاد جبيل وكسروان هم البقيّة الباقيّة من ورثة دولة بني عمّار الشيعيّة في إمارة طرابلس الفاطميّة في القرنين الرابع والخامس الهجريّ، وقد تأثروا بالحياة العقائديّة والفقهيّة للشيعة الإماميّة الاثنى عشريّة في بغداد في العصر البهويهي من خلال الشيخ أبو الفتح الكراجكي المتوفى في صور سنة 449هـ، وهو: من تلامذة الشريف المرتضى علم الهدى نقيب الأشراف في بغداد. وقد ذكره آغا بزرك الطهراني في موسوعته الكبيرة، وقال عنه: من أقدم فلاسفة الشيعة في لبنان والقاضي ابن البراج الطرابلسي وهو من تلامذة السيّد المرتضى الآنف الذكر والمتوفى في سنة 481هـ، في طرابلس وغيرهما من علماء الإماميّة في بغداد والعراق والذين ذكرهم فضيلة الدكتور عمر عبد السلام تدمري في أطروحته:طرابلس الشام في العصور الوسطى. والذي تلا العهدين الفاطميّ والبويهيّ هو العهد الصليبي وعهد الأيوبيين، والمماليك والذي لم تعرف به بلاد الشام بجميع طوائفها وعائلاتها الاستقرار والأمان بل عرفت الاضطهاد والتنكيل.

تقول في إحدى مقالاتك إن معاوية بن أبي سفيان أنزل، بعد الفتح الإسلامي لبلاد جبيل والسواحل المحيطة بها، قبائل فارسيّة لردّ هجمات الروم البيزنطيين، مما يعني أن أبناء هذه القبائل يعدّون الآباء المؤسسون للوجود الشيعي في جبيل، هل يمكن الكلام عن فوارق ما بين الشيعة الوافدين من بلاد فارس وأولئك الوافدين من شبه الجزيرة العربيّة وبلاد الشام إلى لبنان؟

إنَّ القبائل الفارسيّة التي أسكنها معاوية بن أبي سفيان في مدن السواحل اللبنانيّة لرد غزوات الروم تأثروا بمذهب الإمام الأوزاعي(ع)، ونبغ منهم جمع كبير من علماء أهل السُنّة، حيث أرَّخ لهم فضيلة الدكتور الشيخ عمر عبد السلام تدمري في موسوعته الكبيرة عن علماء المسلمين في لبنان خلال أربعة عشر قرناً.

وأمَّا التأثر الحاصل بين بقاياهم، وبين الشيعة في العصر الفاطميّ أي بعد أربعة قرون فهو المحبة والتسامح الذي نراه ونلمسه في حياة أهل طرابلس ومدن الساحل اللبنانية في العصر الفاطميِّ، وهم من عدّة قوميات ومن مختلف المذاهب، حيث كانت مدينة طرابلس أيام بني عمّار في مدراسها ومكتباتها مُلتقى لعلماء المسلمين من جميع المذاهب الإسلاميّة، والبلاد الإسلاميّة، وواحة للتنافس بينهم في الأدب والشعر، وفي أعمال البرِّ والإحسان، كما جاء في أطروحة فضيلة الدكتور عمر عبد السلام تدمري عن طرابلس الشام في العصور الوسطى.

 

في تأريخ لبنان العديد من الفتن والحروب والمواجهات. كيف ترون تأريخ الشيعة في بلاد جبيل وكسروان بإزاء الأحداث الآتية:

(1)    فتنة 1860م.

(2)    الإستعمار العثماني: من الحرب العالمية الأولى وسفر برلك إلى نشوء لبنان الكبير.

(3)    إستقلال لبنان.

(4)    حرب 1958م.

(5)    حرب 1975م، وما تلاها من فتن أهليّة.

في الأحداث الآنفة الذكر كان الآخرون يأكلون الحصرم وكان الشيعة فيها يضرسون حسب ما جاء في المثل الشعبيِّ اللبناني. حيث لم يكن للشيعة دولة تزود عنهم كما كان للطوائف الأخرى في لبنان.

فأحداث 1860م، كانت صراعاً ما بين بريطانيا وفرنسا على تركة الرجل المريض وهو الدولة العثمانيّة حيث كانت بريطانيا تحمي الدروز كما كانت فرنسا تحمي الموارنة.

كما كانت سفر برلك 1914م، صراعاً ما بينن دول الحلفاء ودول المحور.

كما كان إستقلال لبنان نتيجة للصراع البريطاني الفرنسي في الشرق الأوسط.

كما هو معلوم في الوثائق الدوليّة.

كما كانت أحداث 1958م، وما تلاها من أحداث طائفيّة وسياسيّة بغيضة نتيجةً للرغبة الأمريكيّة في تهجير المسيحيين من لبنان وتوطين الفلسطنيين في لبنان تنفيذاً لمخطط كسنجير.

لذلك كان موقف الشيعة في بلادنا مع الإمام السيّد موسى الصدر في رفضه للحرب الطائفيّة البغيضة، ورفضه لتوطين الفلسطنيين في لبنان حتى لا تضيع قضيّة فلسطين، ورفضه لتهجير المسيحيين عن لبنان، وفي رؤيته للتعايش الإسلاميّ المسيحيّ في لبنان، أنّه نعمة من نعم الله تعالى، يجب المحافظة عليها.

وأهمُّ ما أنجزه أسلافنا بالتعاون مع وجهاء المسيحيين في هذه البلاد هو ميثاق عنايا الموقع منهم ومن أولئك الأعيان في:26 أيلول 1975م، والقاضي بالمحافظة على الوحدة الوطنيّة بين أهالي هذه البلاد ومحاربة التفرقة الطائفيّة والمذهبيّة بين أبناءِ بلاد جبيل.

نوّد الاطلاع منكم على ذكرياتكم الخاصة بالتواصل ما بين جبيل وجبل عامل من جهة، وجبيل وبيروت من جهة أخرى؟

جاء في كتاب حجر وطين لآية الله الشيخ محمد تقي الفقيه عن والده آية الله الشيخ يوسف الفقيه أن زعيم الشيعة في كسروان وجبل لبنان، ونائبهم والوزير السابق السيد أحمد الحسيني(ع)، هو الذي طلب من المقدس الشيخ يوسف الفقيه تقديم عريضة إلى المندوب الساميّ الافرنسيِّ في العشرينيات من القرن الماضي يطلب بها مع علماء الشيعة في لبنان، بإقامة محاكم شرعيّة جعفريّة في لبنان إسوة بسائر الطوائف اللبنانيّة، وهكذا كانت هذه المحاكم بسعي من السيّد أحمد الحسيني (ع)،  وكذلك كان معظم الشيعة من أهل هذه البلاد من سكان مناطق الأشرفيّة، والناصرة، ورأس النبع في بيروت، والضاحية الجنوبيّة من مناصري حزب الطلائع والجمعيّة الإسلاميّة العامليّة اللذين يرأسهما المرحوم رشيد بك بيضون في أوائل عهد الإستقلال. وإيراد مثل هذه القضايا يحتاج إلى تصنيف كتاب خاص بذلك.

لماذا لم تعرف بلاد جبيل وكسروان إقبالاً على طلب العلم وإنشاء المدارس الدينيّة على غرار جبل عامل؟

إنّ بعض طلبة العلوم الدينيّة من منطقتنا قد ذهب إلى النجف الأشرف وكان أوّل من هاجر إلى النجف الأشرف هو السيّد علي الحسينيّ من مزرعة السيّاد في القرن التاسع عشر ومكث بها خمس وعشرين عاماً، عاد مجتهداً، وقد عينه الأمير بشير الشهابي الكبير قاضي مذهب للطائفة الشيعيّة في جبل لبنان حسب ما جاء في الجزء السابع من كتاب تأريخ الأسر الشرقيّة لعيسى إسكندر المعلوف. وقد درس عنده، وأخذ منه، ودرس عليه الشيخ حسن صالح همدر، وغيره من شيوخ آل همدر، والسادة من آل الحسينيّ في مزرعة السياد، وشمسطار، وأبرزهم كان قضاة المذهب: السيّد حسين الحسينيّ، والسيّد محمد الحسينيّ، وآخرهم كان السيّد علي الحسينيّ في أوائل القرن العشرين وهو جد المؤرخ الدكتور رباح أبي حيدر من طرف المرحومة والدته.

وإفتقار بلادنا إلى المدارس والحوزات الدينيّة في الماضي والحاضر كان بسبب إفتقارنا لوجود أوقاف مخصصة لذلك، ولعدم وجود الأموال اللازمة والمبذولة، لذلك من زعماءِ الشيعة وأغنيائهم في هذه البلاد.

 

نود الاطلاع على الظروف التي حدت بكم إلى التعمّم والتبحر في العلم الديني.

هل كان للإمام السيّد موسى الصدر جولاته في بلاد جبيل، وكيف كان إستقبالكم لنشاطه ودور في مجال توزطيد التشيع في بلاد جبيل وكسروان؟

الأمور التي حدتني لسلوك طريق طلب العلوم الدينيّة تكلّمت عنها في كتابي:التذكرة أو مذكرات قاضٍ كان من أهمها ترغيبي بطلب العلوم الدينيّة من سماحة آية الله الشيخ عبد الكريم شمس الدين{، أثناء دراستي عليه في سنة 1966م.

نعم كان لي بعض اللقاءات والذكريات مع الإمام السيّد موسى الصدر.. كما كان له زيارات لقرانا وتفقد لشؤوننا في هذه البلاد، ومن القرى التي زارها في بلاد جبيل وفتوح كسروان:

(1)    مدينة عمشيت حي كفرسالا، (2) علمات، (3) مشان، (4) طورزيا، (5) بشتليدا، (6) حجولا، (7) المغيري، (8) لاسا، (9) المعيصرة وغيرها من القرى.

 

ما هو الدور الذي لعبه الشيخ حسن همدر في مجال توطيد التشيع في بلاد جبيل وكسروان؟

إنجازات المرحوم الشيخ حسن صالح همدر(ع)، المتوفى سنة 1881م، كانت سياسيّة بإثبات حقوق الشيعة في بلاد جبيل والفتوح بالرجوع إلى قراهم وأملاكهم بعد تهجيرهم من هذه البلاد في فتنة 1860م الطائفيّة وإثبات حقوقهم السياسيّة والمدنيّة وفي ممارسة شعائرهم الإسلاميّة، وفي القضاء الشرعيّ وغير ذلك، وذلك في برتوكول سنة 1861م، وفي برتوكول سنة 1864م، وقد تكلّمت عنه (رحمه الله تعالى)، وعن إنجازاته في كتابي: صفحات من ماضي الشيعة وحاضرهم في لبنان، راجع.

 

هل لفكرةسحر الغائب مكانها في الوجدان الشيعي؟

إنَّ الإيمان بالمخلص الموعود في آخر الزمان ليس حكراً على الشيعة الإماميّة الاثنى عشريّة بل هو عقيدة إسلاميّة عامّة، وقد قام فضيلة الأستاذ عبد المحسن العبَّاد بكتابة بحث من 90 صفحة في مجلة الجامعة الإسلاميّة الصادرة في بغداد، العدد3، تحت عنوان: عقيدة أهل السُنّة في المهديّ المنتظر وقد تضمن بحثه القيم ما يلي: (1) صفات ومميزات ستة وعشرين رجلاً من أصحاب النبيّ(ع)، المعروفين الّذين نقلوا أحاديث المهديّ عن النبيّ نفسه، (2) التكلّم حول صفات 38 شخصاً من أصحاب الصحاح والمعاجم والمسانيد المعروفة والمشهورة لأهل السنة الّذين أخرجوا تلك الأحاديث ومنهم: أبو داود، والترمذيّ والنسائيّ، وابن ماجه، وأحمد بن حنبل، والحاكم أبو عبد الله النيسابوريّ في المستدرك وغيرهم، (3) أسماء العلماء الّذين ذكروا في كلامهم وكتاباتهم تواتر الأحاديث بالمهديّ، (4) وغيرها من بحوث.

كما أنَّ المجمع الفقهيّ في رابطة العالم الإسلاميّ في مكّة المكرمة قد أصدر فتوى فقهيّة يوضح فيها رأي أهل السُنّة والجماعة في المهديّ المنتظر في سنة 1396هـ، الموافق لسنة 1976م، حيث جاء في خاتمة تلك الفتوى:... وهو آخر الخلفاء الاثني عشر الّذين أخبر النبيِّ(ع)، عنهم في الصحاح... وإن الإعتقاد بخروج المهديِّ واجب لأنّه من عقائد أهل السُنّة والجماعة، ولا ينكره إلا جاهل بالسُنّة، ومبتدع بالعقيدة.

فالفقهاء والعلماء من السلفيين يؤمنون بالمهديّ المنتظر وأنّه من ذريّة الحسين بن عليّ بن أبي طالب(ع)، ولكنه لم يولد بعد.. وقد وافق الشيعة الإماميّة الاثنى عشريّة في إعتقادهم بشخصيّة الإمام محمّد بن الحسن العسكريّL، المولود في 15 شعبان في سامراء سنة 255هـ، وأنّه لا زال حيّ يرزق وأنًَّ له غيبتين صغرى وكبرى، ثمانية وستين عالماً من كبار علماء أهل السُنّة والجماعة ذكرت أسماءهم وأسماء مؤلفاتهم في كتابي: المسيح الموعود والمهديّ المنتظر|، كما ذكرت في ذلك الكتاب: أنَّ الإيمان بالغائب المنتظر في آخر الزمان هو عقيدة أهل الكتاب في إنتظار المجيء الثاني للمسيح(ع)، مُورداً على ذلك عدّة أدلة من العهد القديم، والعهد القديم، والعهد الجديد. كما ذكرت أيضاً أنَّ شخصيّة المهديّ المنتظر ظاهرة من خلال كلمات السيّد المسيح(ع)، كقوله(ع)، في الإصحاح الثامن من إنجيل يوحنا: 50ـ أنا لست أطلب مجدي. يوجد من يطلب ويدين، 51ـ الحقُّ أقول لكم إن كان أحد يحفظ كلامي فلنت يرى الموت إلى الأبد. كما يرى سيّدنا الشهيد الإمام السيّد محمّد باقر الصدر{، أنّ العقيدة بالمصلح المنتظر في آخر الزمان وسيطرت السلام على العالم بحكومة واحدة هو ديدن جميع الأديان والمذاهب والاحزاب الدينيّة والوضعيّة في الأرض وحتى الماركسيّة فإنها توعد اتباعها بيوم تسيطر فيه البوليتاريا على العالم، ويسود السلام في الأرض، كما أن العقيدة في الغائب المنتظر تبعث عند الشيعة في بلادنا وغيرها من بلاد الصبر والعزم والأمل في الحياة.

وأنَّ الإيمان بالغائب المنتظر هو إيمان بكتاب الله تعالى، وسُنّة رسول الله(ع)، وإيمان بما جاء على لسان داود(ع)، في العهد القديم، ويما جاء في إنجيل يوحنا كما تقدم الكلام حول ذلك آنفاً.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

الجمعة في: 12/3/2010م.

الموافق: 25 ربيع أول 1431هـ.

أجرى المقابلة

الأستاذ السيد وسام الأمين