مع الرئيس العلاّمة الشيخ حسن عوّاد عن ذكرياته للمرحوم الحاج خليل محمود حسين!

25/02/2014
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

وقد توجه مندوب مجلة «إطلالة جُبيليّة» إلى سماحة رئيس المحاكم الشرعيّة الجعفريّة في لبنان العلاّمة الشيخ حسن عوّاد وسأله عن ذكرياته للمرحوم الحاج خليل محمود حسين وعن دوره في الوحدة الوطنيّة والإسلاميّة في شمال لبنان؟.

أجاب سماحته: لا بُدّ في مجال الحديث عن المرحوم الحاج خليل محمود حسين من الحديث عن بيئته الجغرافيّة والديمغرافيّة وذلك لمعرفة المكونات الموضوعيّة لشخصيته ولقراءته وما تميز به مما جعله علماً ومنارةً في منطقته وفي ما هو أوسع منها.

فقد ولد المرحوم وترعرع في إحدى قرى لبنان الشمالي حيث الطبيعة احدى تجليات عظمة الله في شجرها وحجرها وفي زهرها وثمرها وفي ينابيعها وفصولها وفي تضاريسها من قمم شامخة وجبال شاهقة وأوديّة عميقة، إنها قرآن تقرأ فيه آيات عجائب القدرة الإلهيّة وجمالات لا تنتهي، الأمر الذي يسهم في سعة الخيال وسعة الأفق ويعزز الجدارة في التعامل مع تلاوين الحياة وتنوع المقاربات. وفي بيئة إجتماعيّة تختصر تنوع لبنان بفروعه الإسلاميّة والمسيحيّة. وقد أفرزت تلك البيئة قيادات جمة من رئاسات للجمهوريّة وللوزارة وطليعيين ورواد في عالم المعرفة والعلم ونماذج مضيئة في السياسة والإجتماع.

وتحدّر من عائلة لها في تاريخها البعيد أعلام اسهموا في صناعة تاريخ الشمال بل في تاريخ لبنان ولها إمتداد هام في البقاع وفي غيره من أرجاء لبنان.

وفتح عينيه على ما يتحلى به ريفنا اللبناني من منظومة قيم أخلاقيّة تستبطن روحية الأديان والمشتركات الإنسانيّة الواسعة والعميقة.

إنّ إيجابيات وعطاءات الجغرافيّة والديمغرافيا إجتمعت في شخصيّة الشيخ خليل محمود حسين الذي تحلى بالطاقات الخلاّقة لاستيعاب تلك الإيجابيات ولتعزيزها وتجسيدها ممّا جعله رجلاً استثنائياً كبيراً لقومه وكبيراً عند كل قوم وكبيراً بين الكبار من أعيان لبنان.

تميّز بالحضور القوي في أفراح النّاس وأتراحهم على مساحة الشمال فإذا حضر يعدُّ وبه يُعتدُّ وإذا غاب يفتقد. لقد كان مسكوناً بالآخرين لآمالهم وآلامهم في عمقه حضور ولشؤونهم عنده كل الإهتمام في شعور إنساني ووجداني يجعله قريباً ولصيقاً من الجميع، بل ومتحداً معهم وتميّز بالصداقة ذات البهاء الخاص مع كبار لبنان عامة وكبار الشمال خاصة من سياسيين وعلماء ورجال أعمال وهي صداقة عمقها خدمة لبنان والشمال والنّاس من خلال تبادل الرأي وتجسيد الحكمة وأعمال المبادئ والقيم وبعد النظر في عملية التفاعل بينه وبين تلك القيادات.

ومن بين أولئك الكبار علاقته المخصوصة مع الإمام موسى الصدر لأنّ المرحوم الشيخ خليل حسين أدرك منذ بدء مسيرة الإمام موسى الصدر بنظره الثاقب ورؤيته الإستشرافيّة أنَّ الإمام رجل تاريخي واستثنائي فكان صديقاً له دائماً ورفيقاً له حينما يسعف الحال إضافة إلى ما يجمع بين الرجلين من ناسوت مميز وكاريزما تشخص إليها الأبصار فتقرأ فيها الطليعيّة والريادة والذهن الخلاّق.

ولم ينس الشيخ خليل حسين قومه الأقربين فعمل على جمع كلمتهم وتنظيم أمرهم من خلال جمعية القرى الخمس وإعانة عائلهم بالتوظيف والتشغيل والنهوض بناشئتهم في التعليم على تنوع مجالاته ومستوياته. وفي المجال الصحي مُسخراً كل طاقاته وعلاقاته من أجل تقدمهم على كل الصعد. وأهم ما في كل ذلك أنّه أوجد لهم من خلال شخصيته النموذج الذي يتماهون معه للخروج من القوقعة او الإحساس بالضعف والغربة.

ولم يكن الشأن الدينيّ غائباً عن همه لذلك عمل جاهداً على بناء المساجد والحسينيات حتى لا يولد الجهل فطريات قاتلة تجنح بالنّاس إلى الخرافة أو الإلحاد كما عمل على دعوة علماء الدين إلى بيئته وعلى نسج حبال التواصل مع المرجعيات الدينيّة بين قومه وبين تلك المرجعيات.

ولم يكن الشيخ خليل حسين متكئاً على لفيف قومه أو على ماله في كل ما أنجز وإنما إتكأ على الصدق والإخلاص والسعي الدؤوب والكلمة الطيبة والفكر النير والرأي الرشيد والحكمة الخلاّقة من وطنه، إلى بيئته ومنطقته، إلى أُسرته لم يشغله شيء عن شيء فكانت الأسرة النموذجيّة وكان من تلك الأسرة الدكتور الذي ذاع صيته في ما هو أبعد من لبنان بكثير، عنيت بذلك الدكتور ماهر حسين الذي سجل إنجازات طبية سجلتها له المحافل الطبية في العالم. وهو الإستمرار الفذّ لمسيرة أبيه بروح رسوليّة ورساليّة تشهد لها انجازاته الإجتماعيّة والخيريّة والرعائيّة مُضافاً إلى إنجازاته العلميّة.

رحم الله الشيخ خليل حسين وحفظه في ولده ومحبيه وأعلى في الجنان مقامه إنه سميع مجيب.