نهج الإمام الصدر والشيخ خليل حسين

25/02/2014
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

الأستاذ السيّد صدر الدين موسى الصدر(1)

منذ الستينيات، رأى الشيخ خليل في نهج الإمام المغيّب السيد موسى الصدر خلاصاً للمحرومين وسبيلاً لإرساء أسس المجتمع العادل. ومضى إلى اللحظات الأخيرة يترجم أقواله وقناعاته إلى أفعال: خيراً يزرعه هنا، وعطاءً يهبه هناك. حيث كلّ الأماكن تنضح بمآثره والأفعال. وهكذا رأينا ونرى مآثر الشيخ خليل في بنهران يتردد صداها في صور وغيرها من البلدات العاملية. تماماً كما كنا نعيش اهتمام الإمام الصدر حيث قرى البترون كما قرى بعلبك كما دير الأحمر كما البلدات الجنوبية جميعها في موقع القلب وجميعها ميدان اختبار لإيمان المؤمنين وعطاءاتهم وعلاقتهم بخالقهم من خلال خدمتهم للإنسان في كل مكان.

أخي الكبير أبا ماهر

يؤلمنا الغياب ففيه انتزاع لأجزاء منا، لقصص وحكايا، لمسيرة ورؤى لمجاهدة وتضحيات .. لصور نرى فيها تجليات لمُثل نؤمن بها، نتعاون عليها ونجهد لأجلها.

يؤلمنا الغياب خاصة عندما لا يكون العمر عدداً أو تراكماً، بل ممتلئاً بالأعمال والتضحيات والآمال.

يؤلمنا الغياب بالأخص عندما يكون عنواناً لوقفات وقت عزَّ الواقفون.

يؤلمنا الفراق وعزاؤنا أن ما زرعوه فينا هو قبس من نور يضيء ويستضاء به واليه هم راحلون.

يؤلمنا الفراق لكننا نؤمن أننا وديعة – وكما يعبر الإمام الصدر «انه تنبيه للإنسان إلى حجمه الحقيقي وانه لله واليه راجع».

الفراق محنة وابتلاء.

ومحنة الإنسان ترافقه منذ لحظة الولادة وآخرها رحيله أما الابتلاء فهو اختبار، صفة ملازمة للإنسان قَبِلها يوم قبل الأمانة فجُعل خليفة...

وبانتقال الإنسان من محنة إلى أخرى وتعاطيه مع ابتلاء اثر آخر يكافح ظروف حياته، يجهد فيخط بذلك أهدافه وخط سيره.

والله سبحانه وتعالى «خلق الموت والحياة ليبلُوَكُم ايكم احسنُ عملاً».

«ولنبلُونَّكُم حتى نعلم المُجاهدين منكُم والصابرين».

وابتلاء الله للإنسان ـ خليفته «امتحان له في طريق تكامله وارتقائه لتنمية كفاءاته وتدريبه على الصبر» كما عبر الإمام الصدر، فالابتلاءات «مدرسة إلهية ترفع المعرفة البشرية».

فإن استقام كما أُمر نجا وان ضلّ هوى.

الوعي بهذا يضع الأشياء في نصابها، في مقامها، في سياقها الإلهي، وعليه فوعي المؤمن بحقيقة ما وراء الابتلاءات إنما تمنحه الصبر والاستقامة في التعاطي معها وبالتالي تعزز روح الايمان فيه فيكون جديراً بالأمانة والخلافة.

لذا قيل ان المحن والابتلاءات هي أبواب السماء، بها وعبرها يتواصل من يتقن فن الاستماع والفهم إلى كلماته سبحانه وتعالى.

لكم نود أيها السيدات والسادة أن يبقى أحباؤنا ملء عيوننا، إلا ان في هذا أنانية منا وظلماً لهم ... فالمؤمن في توق دائم للعودة إلى مصدره، إلى خالقه. انه اكتمال لوجوده، في هذا سر حياته وطمأنينته.

هذه النظرة، الرؤية إلى وجود الإنسان ورحيله تبرد قلوبنا وتطمئن نفوسنا فنعرف كيف نعي، فنشكر فنزداد أيماناً.

فالموت كما يقول الإمام الصدر «دخول على ربٍّ غفور ما عنده خير وأبقى».

واليوم في ذكراك يا ابا ماهر، رحمك الله، نرى انك جمعت أيها الفقيد الغالي إلى أصالة المنشأ وسيرة النجاح وكرم العطاء، جمعت جدارة الاختبار المطمئن أمام ربّ العالمين، راضياً مرضياً إلى جواره مستسلماً لمشيئته وعفوه. هنيئاً لك ذاك الثبات وهذا الرصيد من المحبّة والقربى إلى المعطي المحب الوهّاب القادر، وطاب الثرى الذي يضمك. إليه حُملت، وفي وجدان كلّ منّا تركتَ شيئاً ممّا أتيت. فاضتْ روحُك إلى السماء، وأرخَتْ على الأبناء والأحباب والمعارف سحابة حزنٍ ومعينَ دموع. فقلوب الجميع تجهش بالفقدان وتخفق بالدعاء وعزاؤها اليوم أعمالك الصالحة وأبناؤك الصالحون والذين عاهدوك على متابعة سيرك، سيرة الإمام الصدر وقضيته العادلة.

الهوامش:

كلمة الأستاذ الكبير السيّد صدر الدين نجل الإمام السيّد موسى الصدر في مناسبة أسبوع المرحوم الشيخ خليل محمود حسين في بنهران ـ الكورة، في 16 حزيران 2002م.

المصدر: مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات ـ بيروت.