الشيخ خليل حسين إبن الكورة البار

25/02/2014
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم: العلاّمة السيّد علي فضل الله

في قرية جبليّة من بلاد الكورة شمال لبنان عاش وترعرع ابن بلدة بنهران البار الحاج خليل محمود حسين، وبنهران هي واحدة من قرى خمس، يتوزع فيها أبناء الطائفة الشيعية إلى جوار غيرهم من أبناء الطوائف الأخرى، حيث يجسد هذا الاجتماع في هذه القرى لأبناء الطوائف المتنوعة، نموذجاً راقياً للعيش المشترك، الذي نعمت به هذه القرى تحت مظلة أخوية، استطاعت خلال المحن والنكبات أن تتجاوز بمحبة أهلها لبعضهم البعض كل النكبات التي توالت على هذه المنطقة وخصوصاً أيام الحرب الأهلية المشؤومة عام 1975.

منذ أن كانت بنهران كان التواصل مع الجوار، هذه القرية الوادعة المندكة في حضن ثلاثة جبال شاهقة، تنبيك عن واقع أهلها الذين حفظوا أباً عن جدّ كيف تكون الحياة في وسط محيط مختلف في الدين والمذهب، وكيف يكون هذا الاختلاف مصدر تنوع وغنى في إطار الجامع الوطني المشترك للبنانيين الذين يعيشون في تلك المنطقة.

في هذه الأجواء الأهلية والجغرافية، نشأ الشيخ خليل حسين، فتعلم من آبائه وأجداده حب الجوار والعيش المشترك والرغبة في الإنماء وعمل الخير. وقد ساعده على ذلك شخصيته الأخلاقية المميزة التي عرف بها، وعرفه بها كل من تسنى له التواصل والاتصال مع هذه الشخصية الوطنية المحببة.

ولعل قوة شخصية الشيخ خليل وأبعاد هذه الشخصية الدينية والوطنية والإنسانية جعله نقطة تلاقٍ بين أبناء المنطقة من مسلمين ومسيحيين، وهذا ما جعله ذائع الصيت في منطقته رغم أن عدد منازل قريته لا يتعدى الـ المائة منزل.

 

ولست أبالغ إذا ما قلت أن بنهران كانت مع أبي ماهر عاصمة الخدمات لأهل المنطقة، فكان منزله محجاً لكل أبناء الطوائف الذين يعيشون في الجوار، ولا يكاد يمر يوم من أيام الأسبوع إلاّ وعند أبو ماهر تجتمع القلوب قبل الأجساد وطالب الحاجة وملبيها معاً، في منزله الكائن على كتف جبل يطل على منطقة الكورة، وكأنه يعاين كل بيت فيها ليرصد حاجاته لأنه لم يكن إلاّ أحد أبرز الذين نذروا أنفسهم لخدمة أهل منطقته دون تمييز.

وعندما زار الإمام الراحل السيد موسى الصدر تلك القرية الوادعة التي كان أبو ماهر أكبر وجهائها أعجب بهذه الشخصية الديناميكية والماهرة في التعامل مع الناس، وفي حماسته المنقطعة النظير لخدمة الناس، فجعله الإمام أحد معاونيه. ولشدة إعجابه به، انتدبه ليكون من مؤسسي المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، فيما بعد حركة أمل.

ولم يكتف أبو ماهر بهذه العلاقة الطيبة مع السيد موسى الصدر، بل وسع دائرة علاقاته مع علماء الطائفة لتشمل سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله الذي كان يرى فيه أخاً عزيزاً ومحباً، وكان يرى في ابنه طاقة علمية وطبية مميزة سعى في أن يكون أحد أعلام مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت... وها هو الدكتور ماهر حسين اليوم أحد أمهر أطباء هذه المستشفى، وشهرته طاولت معظم المناطق اللبنانية ليس لمهارته وسعة إطلاعه وعلومه وشهاداته فحسب، بل لما يقدمه من خدمات للناس الفقراء من مختلف الطوائف اللبنانية.

ولا عجب في ذلك فوالده الشيخ خليل كان أحد أبرز الساعين إلى خدمة الناس، وهكذا نشأ ولده ووارثه في عمل الخير وخدمة الناس والفقراء منهم بشكل خاص.

رحمك الله أبا ماهر فقد سعيت إلى رفع شأن القرى الخمس بكل مكوناتها، وأنشأت في تلك المنطقة مشاريع خيرية ومركزاً صحياً إجتماعياً للفقراء وعملت على بناء مدرسة لأهل المنطقة ومهنية ومشغلاً ضم العديد من أبناء المنطقة وقدم لهم الخدمات دون منّة أو تمييز وعلى خطاه سار ابنه الدكتور ماهر الذي استكمل ما بدأه والده وكان خير خلف لخير سلف.

حين نتذكر أبا ماهر خليل حسين تعود بنا الذكرى إلى اليوم الذي كانت خدمة الناس رسالة، والرفعة في القوم مسؤولية، وسعة المعرفة والمعارف سبيلاً للخدمة والتواصل وبناء جسور المحبة والثقة بين أبناء المنطقة الواحدة في الوطن الواحد... إن العصر الذي عاش فيه هذا الرجل المعطاء يمكن أن نطلق عليه بحق العصر الذهبي للتعايش بين أبناء الأديان السماوية وبين أبناء الوطن الواحد تحت شعارات إنسانية بحتة لا يبغي منها الرجال الرجال إلاّ حب الناس ومرضاة الله عز وجل.