الشيخ خليل حسين حواري من حواريي الإمام القائد السيّد موسى الصدر

25/02/2014
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم: القاضي الرئيس حسن الحاج(1)

للتاريخ رجال، وللرجال مواقف خلّدت التاريخ، وما زال يفخر ويزهو بها.

ومن هؤلاء الرجال المغفور له الشيخ خليل حسين ـ أبا ماهر، كما يستأنس بمناداته بهذا اللقب.

أنه علامة فارقة، في تاريخ قريته ومنطقته على أكثر صعيد وموقع وتقدير وإجلال لكل من عرفه أو تعامل معه فأحبه وقدّره، يسكنه حب العطاء وتشغله القضايا الإنسانيّة.

وقبل الحديث عن أبي ماهر، الشيخ خليل حسين ـ لا بُدّ لي من الإعتراف بأن سماحة العلاّمة الجليل الشيخ يوسف عمرو قد أحرجني عندما طلب مني كتابة نبذة مختصرة عن المرحوم الشيخ خليل، وأقول مختصرة لا انقاصاً من قدر الرجل ومكانته، بل إفساحاً في المجال لسائر المواضيع المتعددة التي تتضمنها المجلة الفكريّة ـ الأدبيّة ـ الإجتماعيّة والتاريخيّة ـ «إطلالة جُبيليّة» التي أصدرها مع نخبة من أهل الفكر والأدب والتي أنعشت الذاكرة عن أعلام بلاد جبيل والجوار، وكشفت عن بعض الشخصيات في تلك المنطقة التي كانت معرفتها حكراً على أبنائها.

ذلك أن المغفور له الشيخ خليل حسين يصعب تحديده بسطور وكلمات، ولا تكفيه صفحات لإيفائه حقه!!

ولكن سأحاول قدر الإمكان إيجاز ما عرفته عنه وخبرته بشخصه خلال عملنا المشترك في المجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى برئاسة الإمام الوحدوي ـ الذي غُيّب بسبب أفكاره الجامعة ومناداته بالعيش المشترك في أحلك الظروف والليالي الصعاب التي عاشها اللبنانيون في السنوات العجاف.

ومن ثُمّ خلال عملي رئيساً أول لمحاكم الشمال والتي توطدت أثناءها علاقتي به وعرفته عن كثب.

 

فمنذ أيار 1969م. يوم انتخبت عضواً في الهيئة التنفيذية لأول مجلس إسلاميّ شيعيّ ينشأ في لبنان، تعرفت على المرحوم الشيخ خليل حسين وكان من حواريي الإمام السيّد موسى الصدر الّذين رافقوه منذ انطلاقة مسيرته ـ شيخاً في صور ـ كما كان يحلو بتواضعه الجم ان يعرّف عن نفسه، وقد رافق الإمام المغيب، يجوب الآفاق والمناطق اللبنانيّة كافة برفقته، مع شلة من المخلصين الّذين رافقوا الإمام في حله وترحاله، ومن ثُمّ غيّبوا عن ساحة النضال والجهاد بعد تغييبه فكان أن جنى غيرهم ثمار ما زرعوا وغرسوا!! الا انهم لم يحيدوا عن خط الإمام ونهجه القويم ورسالته الخالدة

فعرفت فيه الإنسان الشفاف المتواضع الطموح، يحمل في أعماق صدره الوداعة والإخلاص والسلاسة وطيبة القلب. وهي جواهر غالية الثمن نادرة الوجود في هذا العالم المشبع بالكبرياء وببعض جيل هذا العصر الذي لا يعرف غير النفاق والرياء!! فكان صادقاً في معاملته، أنيساً في معاشرته، متواضعاً في أخلاقه، محباً لذويه، مخلصاً لرفاقه لم يسىء إلى إنسان أو يقصّر في واجب أي كان!!

وعندما تسلّمت رئاسة الغرفة الأولى لمحكمة استئناف لبنان الشمالي طيلة مدّة سبع سنوات تعّمقت أواصر الصداقة والمودة بيني وبينه، فكان يتردد دائماً إلى مكتبي في العاصمة الثانيّة ـ طرابلس الفيحاء ـ الحاضنة كل اللبنانيّين على إختلاف طوائفهم ومذاهبهم ومناطقهم.

واشهد بالحق وللحق أنّه لم يكن يراجعني إلا بقضايا يعتبرها محقة وعادلة، وعندما أبين له خطأ إعتقاده ببعض القضايا كان يستمهلني البت في النزاع حتى ينهيه حبياً وصلحاً.

وبالفعل كثيراً ما كانت تتكلل مساعيه الخيّرة بالنجاح، فكان يشعر بالسعادة لتوصله إلى نتائج مرضيّة وإحلاله الوئام والسلام بين الفرقاء المتخاصمين، لأنّ فلسفته في الحياة كانت تعتمد على تحقيق الصداقات وفضِّ الخلافات مع النّاس وبين النّاس فهو إنسان لا يعرف الشر ولا يسعى إليه ولا يقوى عليه.

إنّه في كل مكان عطاء دائم لا يعرف الكلل.

يكفي المغفور له الشيخ أبو ماهر أن دارته في بنهران ـ تلك القرية الوادعة الرابضة على تلة من تلال الكورة الخضراء كانت محجاً ومقصداً لكل أبناء الشمال دون تفرقة أو تمييز بين مسلم ومسيحي وبين سنيّ وشيعيّ. فلم يكن يعرف التعصب الطائفي أو المذهبيّ سبيلاً إلى قلبه وجلّ همّه أن يمتلك قلوب النّاس ويؤثر فيهم بالنظر لعلاقات المحبة والود التي تربطهم به فانطلق في حياته من إيمان عميق بالأرض والإنسان!!

وكثيراً ما كانت إجتمع بوجهاء طرابلس والشمال إلى مائدته في بنهران ـ سقى الله تلك الأيام!!

وأشهد أنّه بالرغم من معرفتي كرئيس أول للمحاكم في الشمال، بنقيب المحامين الأسبق في الشمال المحامي القدير والكبير الأستاذ عبد الرزاق دبليز، إلاّ أنّ علاقتي به توطدت وتجذّرت وما تزال لغاية تاريخه وستبقى إن شاء الله بنتيجة إجتماعاتنا المتكرّرة إلى مائدة الشيخ خليل في بنهران إو إلى مائدة الأستاذ عبد الرزاق في طرابلس إذ كانت تجمعهما صداقة وصلت إلى حدّ الأخوة الحقيقية.

وأوكد جازماً أنه ما زال في طرابلس الشمال أناس يسيرون على هذا النهج ولم تهزُّ صداقاتهم أية أعاصير مذهبيّة مهما بلغت حدتها وشدتها.

وبذلك سار الشيخ أبو ماهر على خطى ودرب الإمام القائد المغيب السيّد موسى الصدر، فكان يردد الشعار الذي أطلقه الإمام: «التعايش الإسلاميّ المسيحيّ ثروة ينبغي التمسك بها».

وكم كان يحلو له ويطيب الحديث عنده عندما كان يردد في كل مجالسه الخاصة والعامة تلك الحكاية التي تنمُّ عن أصالة اللبنانيين وشهامتهم ومروءتهم، ومفادها أنّه شبَّ حريق في أحد بيوت بنهران القرية الشيعيّة في ربوع الكورة وكان ذلك إبان الحرب الأهليّة التي كان الخطاب الطائفي سائداً خلالها، والخطف والقتل على الهوية قائمان على قدم وساق، فشاهدت الحريق امرأة من بلدة عين عكرين المسيحيّة، ويفصلها واد عن قرية بنهران فرفعت الصوت على أهالي بلدتها الّذين هبّوا شباناً وشيباً، نساءً ورجالاً لأطفاء الحريق في المنزل الذي شبّ فيه في بنهران وإنقاذ سكانه وما تبقى من محتوياته.

وكانت غاية المرحوم الشيخ خليل حسين من تكرار هذه الرواية تبيان حقيقة اللبنانيين... وبعدهم عندما يجد الجد عن الطائفيّة والمذهبيّة التي تاجر وما زال يتاجر بهما فريق من السياسيين الطفيليين الّذين يعتاشون من هذه التجارة أو تنفيذاً لأوامر أسيادهم في الخارج، والذين بنوا أمجادهم على جماجم الأبرياء وتحريك الغرائز وإثارة مشاعر الحقد والبغض بين أبناء الوطن الواحد.

وأنا بدوري أعتذر عن تسمية قرية شيعيّة وقرية مسيحيّة، فهذه ليست لغتي ولا من شيمي وطباعي وأنا الوحدوي الذي تربى على مبادئ الإمام الصدر ونهجه وغرف من معين أفكاره.

وما مأدبة الإفطار التي أقمتها على شرفه في بلدة عشقوت في قلب كسروان الشامخ والتي تحوّلت إلى ما يشبه المهرجان بفعل الحماس والحفاوة اللتين استقبل بهما أبناء البلدة الأبيّة الإمام الصدر وصحبه في أمسية رمضانيّة مباركة سوى خير دليل على أصالة اللبنانيين وتمسكهم بعيشهم سوية تحت سقف وطن واحد.

الشيخ خليل حسين ليس من الّذين تغمرهم ظلمة النسيان بسهولة فمن كان مثله فهو بالموت يختفي، ولكن لا يزول، يتجرد من صورته الماديّة أما ذكره فهو ملء الأسماع والقلوب وسيبقى مالئاً ربوع بلده ومنطقته.

وإني على يقين أن روحه الطاهرة راضيّة في عليائها لأنّ من ترك أبناء مثل أبنائه لا سيّما نجله الدكتور ماهر حسين ـ النطاسي الماهر والبارع والإنساني الخلوق، أمد الله في عمره، تبقى ذكراه حية خالدة في النفوس ولا ينقطع ذكره بتركه أولاداً صالحين يدعون له ويسيرون على خطاه ووفقاً لمبادئه الوطنيّة السليمة الداعيّة دوماً إلى التوافق والتآلف وتمتين أواصر المحبة بين الجميع وهي المبادئ التي تربى عليها وعاش في أجوائها المغفور له الشيخ خليل حسين طيب الله مثواه.