الرّوض الخميل

06/09/2016
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

صفحات  من سيرة أدبيّة مطوّلة

الدكتور جوّدت القزوينيّ

 بقلم القاضي الدكتور الشيخ يوسف محمد عَمرو

صدر للأديب والمؤرخ العراقي الكبير الدكتور السيّد جودت القزوينيّ موسوعته الأدبيّة الجديدة «الرّوض الخميل» صفحات من سيرة أدبيّة مطوّلة عن دار الخزائن لإحياء التراث في بيروت، الطبعة الأولى 2016م. الموافق 1437هـ. في عشرة مجلدات، مجلدةٌ تجليداً فاخراً. وجاء في مقدّمة المؤلف:[«يمكن أن يُعدُّ كتاب «الروض الخميل» سيرة ذاتية مطوّلة، ولكنها لا تشبه السير. فكنت أينما تنقلت أرى هذه الأرض سياجاً يُحيط حركتي بداخله. لهذا من اليسير عليّ إذا استقرأت أيامي أتذكر محطاتها، وإن لم استغرق بكتابتها.

فقد ابتدأت بجمع ملتقطاته أول ما بدأت سنة 1392هـ. 1972م. وكنت يومذاك ابن الثامنة عشرة، ولم أتوقف عن الكتابة فيه طوال العقود اللاحقة.

الأجزاء الثلاثة الأولى كنت قد كتبتها يوم إقامتي بمسقط رأسي العراق، أمّا الأجزاء اللاحقة فقد سجلتها خلال إقامتي الطويلة بعواصم البلدان، القاهرة، طهران، دمشق، لندن، بيروت.

كما تضمّنت صفحاته رحلتين إلى إيران والهند».

إلى أن قالبعبارة ثانية: ليس للكتاب علاقة بالمكان الذي أحلُّ فيه، بل بقي على نسيجه الخاص به، ولم يتعرّض لاستقراء حوادث البلد وبيان الحدث عنه إلاّ بما ندر.

والواقع فإنّ جميع أجزاء « الروض الخميل» وجدتها كما كتبتها على هذه الشاكلة. ولا أدري لماذا تكدّس عندي هذا الكمّ دون غيره. أنا لا أعرف سبب توافر هذه المعلومات دون غيرها.

إنّها الرغبة الكامنة التي تمثّل شغفي بالمجريات التي دوّنتها، ولم أبخل في تسجيلها، على الرَّغم من الإهمال الذي جعلني أتغاضى عن حوادث مهمة كانت في الصميم من تاريخ المرحلة.

أضفت إلى صفحات «الروض» مجموعة من الأوراق المكتوبة والملفّات الكثيرة التي تشكل ما لا يقلُّ عن الأصل المكتوب، إلاّ أنّها لم تدرج بترتيب النظام المتبع في إخراج الأجزاء. وقد فقدتها جميعاً في حرب الإبادة في بيروت».

إلى أن قالأمّا الذي بقي لديَّ من الكتب والمؤلفات فهو رشحة من رشحات ذلك الفيض، ووردة نادرة من ورود حدائق المنفى. وهذا ما بقي من رياضِ الخميلة (1)»].

وقد قال في هذه الموسوعة الأدبيّة في فجرها الأوّل الأديب العراقي الخطيب الكبير فضيلة السيّد جوّاد شبّر q، في 13 أيلول 1976م).

يا صاحبَ «الروضِ الخميلِ»

يزدان بالأدب الجميلِ

يحوي البدائع والروائعَ

حاوياً ثمرَ العقولِ

يمتاز بالأدب الشهيِّ

الطعمِ، مُروٍ للغليلِ

كلطائف الأسحار مرّت

في زهور أو حقولِ

أو كالنسيم سرى فأنعشَ

جسم شاك أو عليلِ

عذب التسلسل رقةً

ولطافة كالسلسبيلِ (2)»].

وقال بهذه الموسوعة أيضاً الأديب العراقي فضيلة الشيخ محمد رضا آل صادق q:

بروضك ألفيتُ النسائمَ عذبةً

يضمّخها شعر رقيق معطَّرُ

فطوبى لروضٍ كان من غرس (جودتٍ)

وهل غرسُهُ إلاّ الوريقُ المنضَّرُ

يهزُّكَ ما فيه من السحر رائعاً

ويطربُكَ الصوتُ الرخيمُ ويُبهرُ(3)»].

وبعد فموسوعة « الروض الخميل» للأديب المؤرخ الدكتور السيّد جودت القزوينيّ هي أنموذج حديث وفريد في بابه تستفيد منها الأجيال من أهل البحث والتحقيق والأدب والمسرح والسينما في تحقيق واخراج عدّة مسرحيات وأفلام حول الحبُّ العُذري كقصة: عباس المّلا علي النّجفي وحبّه العذري». وغيرها من قصص. وحول العبقريّة النجفيّة خلال القرن العشرين والتي استطاعت أن تأخذ بيد العرب والمسلمين نحو الإبداع في شتى حقول المعرفة. وأن تكون رائدة في الدفاع عن العروبة والإسلام والوحدة الإسلاميّة. وحول أسرة آل القزوينيّ ورجالاتها العظام في إيران والعراق. وحول أدب الرحلات والمجالس الأدبيّة والتي كانت تعقد في العواصم التي زارها أو مكث بها المصنّف. وحول كفاح ونضال الأدباء والمفكرين العراقيين لإثبات هويتهم العربيّة والإسلاميّة بعيداً عن الأفكار الطائفيّة والمذهبيّة. وحول الفقر والجوع والحرمان والسجون والعواصف والرياح السياسيّة التي لاحقت العراقيين في القرن العشرين. وحول شهداء العراق من العلماء والأدباء والشعراء.. وغيرها من بحوث وكتابات ومشاهدات.

وحول بعض الأمور الأدبيّة النادرة التي لا يجدها المحقق إلاّ في هذه الموسوعة الفريدة. كإعجاب عميد الأدب العربيّ الدكتور طه حسين بالشعر الشعبيّ اللبنانيّ من خلال « فرقة شحرور الوادي» و «طه حسين».

جوقة شحرور الوادي» و « طه حسين»

ذكر لي الشاعر نزار الحر أنَّ جوقة «شحرور الوادي» المؤلفة من نوابغ الزجل في لبنان، كانوا ينشدون الشعر في بعض المحافل المصريّة حيث دخل الأديب المصري الشهير طه حسين عليهم، وكان ضريراً، يستمع لهم، فعندما رأوه، صاح أحدهم \"أهلاً وسهلاً بـ طه حسين».

فسارع شحرور الوادي إلى القول:

أهلاَ وسهلاً بطه حسين

ربّي أعطاني عينينْ

العين الواحدة بتكفيني

خدّلك عين وخلّي عينْ

فضجّت القاعة بالتصفيق فقال علي الحاج:

أهلاً وسهلاً بطه حسين

بيلزملك عينين تنين

تكرّم شحرور الوادي

منّو عين ومنّي عين

وأردف أنيس روحانا:

لا تقبل يا طه حسين

من كل واحد تاخذ عينُ

بقدملك جوز عيوني

هديّه، لا قرضة، ولا ديّن

وختم طانيوس عبدو:

الله اختصوا بعين العقل

بيقشع فيها عَ الميْلَيْن

ما بيلزمْلو طه حسين

عين، ولا أكتر من عيْن (4)»].

كما تضمنت موسوعته الكثير من المراسلات الأدبيّة والنوادر الشعريّة والآحاجي العقليّة حيث كتب تحت عنوان:[«مراسلة أدبيّة بين الشيخ حسن طرّاد وجودت القزوينيّ »كتب لي الفقيه الأديب الشيخ حسن طرّاد هذه المقطوعة بتاريخ 9 جمادى الأولى 1423هـ. 20 تموز 2002م.

لجودت الفضل يا بنتَ الهدى سيري

وبلّغيه شذا حبّي وتقديري

فذُّ تألّقَ أنواراً ونشرَ هدى

ليملأ الأفقَ بالأشذاء والنور

وراحَ يُرسلُ من أشعاره حِكماً

غرّاء تكشفُ عن وعي وتدبير

منها تفرّعَ «أشعارٌ مقاتلةٌ»

كيما تجيء لنا منه بتحرير

وينشرُ الوعيَ في الأجيال ينقذها

عبرَ القرون بإصلاحٍ وتنوير

لا غروَ أنْ بلغَ الجوزاءَ مرتبةً

شمّاء، تُبعد عن وهنٍ وتقصير

فللوراثةِ دورٌ في صياغتهِ

فذّاً يُحلّقُ في نظمٍ وتحرير

أرومةُ المجد في الأجداد شامخةٌ

نحو العلاء بتقديسٍ وتطهير

و «جودتُ» النُبلِ فرعٌ قد سما نسباً

يُزينُهُ أدبٌ يرقى بتطوير

له المدائحُ منّا بعضَ جائزةٍ

وفي القيامةِ حسن الخرّد الحور

فأجبته بهذه الأبيات:

شيخ الفضيلة

شيخَ الفضيلة، يا نجماً يشعُّ سنا

ويا سراجاً أضاءَ الأفقَ والزمنا

أتيتُ أنسجُ بُرداً من عُلاكَ تقيً

علّي أوفّي ثناءً وجهَكَ الحسنا

إنْ ضيّعَ الناسُ أوطاناً بغربتهم

رأوا بساحتك التاريخَ والوطنا (5)»].

وبعد، فالموسوعة الأدبيّة الحديثة للدكتور السيّد جودت القزوينيّ لا نستطيع أن نقول أنّها تشابه موسوعة «العقد الفريد» لإبن عبد ربّه الأندلسي لأنّها أغنى منها معرفة وثقافة ودراية. ولا نستطيع أن نقول أنّها تشابه «الكشكول» موسوعة العلاّمة الفيلسوف الشيخ البهائيّ العامليّ لأنّ «كشكول» الشيخ البهائيّ كان إهتمامها الأكبر في القضايا العلميّة والنكات العرفانيّة والفلسفيّة والفقهيّة والأدبيّة والرياضيّة ونحوها من مسائل وموسوعة القزوينيّ الأدبيّة والعرفانيّة والإغترابيّة أشمل وأفضل.

ونستطيع أن نقول عن هذه الموسوعة ما قاله العلاّمة الخطيب السيّد جواد شبّر (قده)، أو ما قاله العلاّمة الأديب الشيخ محمد رضا آل صادق (قده)، في بداية الكلام. وعن شخصيّة الدكتور القزوينيّ ما قاله عنه شيخنا الأستاذ آية الله الشيخ حسن طرّاد العامليّ (دام ظله). قبل قليل.

 

قراءة في كتاب

 

الهوامش:

(1) «الروض الخميل» ج 1، ص 15 ـ 16.

(2) نفس المصدر، ص 17 ـ 18.

(3) نفس المصدر، ص 21.

(4) نفس المصدر، ج 9، ص 199.

(5) نفس المصدر، ص 201 ـ 202.