مصر... وذريّة الإمام الحسن المجتبى (عليه السّلام) مسجد ومشهد سيدي ابراهيم (رض)

20/1/2017
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

مصر...

وذريّة الإمام الحسن المجتبى (عليه السّلام) مسجد ومشهد سيدي ابراهيم (رض)

بقلم الدكتور أحمد مُحمّد قيس

كنّا قد ذكرنا في القسم الأول من هذا الموضوع أحوال بعض ذريّة الإمام الحسن المجتبى (رض) من ولده الحسن المثنى (رض)، وأتينا على ذكر أحوال السادة الطباطبائيين.

وفي هذا القسم سنتناول بالبحث موضوع فرد آخر من هذه الذريّة المباركة من نسل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، عنيت بذلك الشريف إبراهيم بن عبد الله شقيق النفس الذكيّة (رض).

من هو الشريف إبراهيم؟

هو ابراهيم بن عبد الله الملقب (بالكامل أو المحض) بن الحسن المثنى بن الحسن المجتبى بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين.

وأمّه هند بنت أبي عبيدة، كما ذكر أبو الفرج الأصفهاني.

نبذة مختصرة عن أحوال الشريف إبراهيم

ذكر الأصفهاني طرفاً من أخلاق وعلم وشجاعة إبراهيم بن عبد الله في كتابه (مقاتل الطالبيين) صفحة 192، حيث قال: ( كان إبراهيم بن عبد الله جارياً على شاكلة أخيه مُحمّد في الدين، والعلم، والشجاعة، والشدة، وكان يقول شيئاً من الشعر...).

ويروي عن شجاعته وشدّته الحادثة التالية: ( أنّ مُحمّداً، وإبراهيم كانا عند أبيهما عبد الله، فوردت إبل لمُحمّد فيها ناقة شرود لا يرُدُّ رأسها شيء، فجعل إبراهيم يُحِدُّ النظر إليها، فقال له أخوه مُحمّد: كأن نفسك تحدثك أنك رادّها؟ قال: نعم، قال له مُحمّد: فإن فعلت فهي لك، فوثب ابراهيم فجعل يتغير لها ويتستر بالإبل، حتى إذا أمكنته جاءها وأخذ بذنبها، فاحتملته وأدبرت تمخض بذنبها، حتى غاب عن عين أبيه عبد الله، فأقبل على مُحمّد وقال له: قد عرّضت أخاك للهلكة. فمكثا سوياً بانتظاره حتى أقبل عليهما مشتملاً بإزاره. فقال له مُحمّد: كيف رأيت؟ زعمت أنك رادها وحابسها.

فألقى إبراهيم ذنبها وقد انقطع في يده وقال: ما أعذر من جاء بهذا).

الأحوال السياسية في عصره

عاصر إبراهيم بن عبد الله آخر عهد بني أمية وأول عهد بني العباس مع ما ترافق ذلك من أحداث ومصائب حاقت بذريّة العترة النبوية الشريفة على وجه الخصوص.

وينقل السيد محسن الأمين في كتابه (المجالس السنية) صفحة 608 وما بعدها، لمحة موجزة عن هذه الفترة وما جرى فيها من أحداث، وبالأخص على كل من مُحمّد وإبراهيم أبناء عبد الله المحض بن الحسن المثنى، فيقول: لما كان زمن مروان بن مُحمّد آخر ملوك بني أمية، اجتمع بنو هاشم بالمدينة وبايعوا مُحمّداً بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن المجتبى بن عليّ بن أبي طالب (رض).

وكان من جملة من بايع مُحمّداً ( السفاح والمنصور)، في حين أن الإمام جعفر بن مُحمّد الصادق لم يبايعه، فسأله عبد الله بن الحسن المثنى عن سبب ذلك ، فأجابه الإمام الصادق (رض): أن الخلافة تصير الى السفاح وإخوته وأبنائهم، وأخبره أن مُحمّداً وإبراهيم سيقتلان، وأن صاحب الرداء الأصفر وهو المنصور يقتل مُحمّداً، فلما وصل الأمر الى المنصور بعد أخيه السفاح كان كثيراً ما يخشى مُحمّداً وابراهيم إبني عبد الله بن الحسن المثنى لأنه كان قد بايعه في المدينة قبل أخيه السفاح.

وفي أثناء حجه لمكة، قصد أبو جعفر المنصور دار عبد الله المحض بن الحسن المثنى وسأله عن ولده مُحمّد ، فأجابه عبد الله بالقول: لا أدري ، فقال له المنصور: لتأتيّن به، فقال عبد الله: لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه.

فغضب المنصور وحبسه بالمدينة سنتين، وجعل على المدينة والياً يقال له رياح، وأمره أن يقبض على بني الحسن ويحبسهم.

ورياح هذا، كان عدواً ومبغضاً لأهل البيت (رض)، فحبس منهم، أي من أبناء الحسن، اثني عشر رجلاً غير عبد الله المحض وفيهم صبي صغير، وفيهم أيضاً رجل عابد اسمه علي بن الحسن جاء من تلقاء نفسه وطلب من رياح أن يحبسه معهم، وحبس معهم مُحمّد بن عبد الله من ولد عثمان بن عفان وكان أخاهم لأمهم كما قيل أو أمّه هاشميّة.

ولما انتهى موسم الحج، أمر المنصور بحمل هؤلاء السجناء الى العراق، فحملوا مكبلين مغلولين، فلما أُخرجوا، وقف الإمام الصادق (رض) وراء ستر رقيق فلما نظر اليهم هملت عيناه حتى جرى دمعه على لحيته وقال: والله لا يحفظ لله حرمة بعد هؤلاء.

ثم إنَّ المنصور حبسهم بالعراق في مكان يقال له قصر ابن هبيرة شرقي الكوفة، وكانوا لا يعرفون الليل من النهار، ولا يعرفون أوقات الصلاة إلا بأحزاب من القرآن يقرأها بعضهم، وكان إذا مات أحد منهم ترك في مكانه.

وعندما خرج مُحمّد بن عبد الله المحض على المنصور الدوانيقي أمر الأخير بهدم الحبس على من فيه من السجناء. ولقد ذكر هذه الأحداث الأليمة بعبارات مُختلفة، كل من الطبريِّ في تاريخه وابن الأثير في تاريخه عند حديثهما عن أحداث عام 145 للهجرة، كما نقلت ذلك الدكتورة سعاد ماهر مُحمّد عن كتاب ( العبر في خبر من غبر ) صفحة 112 والتي يتحدث فيها عن أحداث سنة 145 هـ فيقول: ( فيها ظهر مُحمّد بن عبد الله بن الحسن المثنى، فخرج في مائتين وخمسين نفساً في المدينة، فندب الخليفة المنصور لحربه ابن عمه عيسى بن موسى الذي دعاه الى التوبة، فلم يقبل مُحمّد منه ذلك، ثم أنذر عيسى أهل المدينة ورهبهم أياماً ثم زحف عليها وبادر مُحمّداً وقتله في المعركة وبعث عيسى برأس مُحمّد الى المنصور ).

وتضيف الدكتورة سعاد في كتابها ( مساجد مصر ) صفحة 111، بنقلها عن الذهبي في تاريخه صفحة 137، ما يلي: ( وفيها ( أي سنة 145 هـ ) وعلى إثر مقتل مُحمّد، خرج أخوه إبراهيم بن عبد الله بن الحسن المثنى بالبصرة، وكان قد سار من الحجاز الى البصرة فدخلها سراً في عشر أنفس، ولما بلغ المنصور خروج إبراهيم ترك البصرة ونزل الكوفة حتى يأمن غائلة أهلها، وألزم الناس بلبس السواد، وجعل يقتل كل من اتهمه أو يحبسه، وفي هذه الأثناء كان أمر ابراهيم يتسع بالبصرة، فجهز المنصور لحربه خمسة آلاف، فكان بين الفريقين عدّة وقعات، وقتل خلق كثير من أهل البصرة وواسط. عندها أمر المنصور عيسى بن موسى الذي كان لا يزال في المدينة بالتوجه الى البصرة لقتال ابراهيم، ودارت الحرب بينهما ، وأخيراً استطاع جيش عيسى بن موسى أن يحيط بجيش إبراهيم وحمل على عسكره، فوقعت الهزيمة على أصحاب ابراهيم حتى بقي في سبعين نفراً، واشتدَّ القتال حتى تفانى خلق تحت السيوف طول النهار، وجاء سهم في حلق إبراهيم فأنزلوه وهو يقول: ( وكان أمر الله قدراً مقدورا) أردنا أمراً وأراد الله غيره، فنزل جماعة من جيش عيسى واحتزوا رأس إبراهيم وبعثوا به الى المنصور الدوانيقي وذلك في الخامس والعشرين من ذي العقدة وعمره آنذاك ثمان وأربعون سنة ).

وتنقل الدكتورة سعاد عن الحافظ الذهبي في تاريخه رواية تظهر ورع وتقوى إبراهيم بخلاف المنصور وذلك في كتابها (مساجد مصر) صفحة 112، حيث أنها قالت: ويضيف الحافظ الذهبي بالقول: فلو هجم إبراهيم على الكوفة لظفر بالمنصور، ولكنه كان فيه دين: قال: أخاف أن هجمتها أن يستباح الصغير والكبير.

وتضيف وتقول: إن جزَّ المنصور لرأس ابراهيم والطواف به في الأمصار، إنما حصل ليكون عبرة لمن تحدّثه نفسه من العلويين للخروج عليه أو على غيره من آل العباس.

وكان الشيخ الشبلنجي قد حقق هذه الأحداث التي حصلت في عام 145 هـ وذلك في كتابه ( نور الأبصار في مناقب آل البيت ) صفحة 23، حيث انتهى الى القول بأن المقتول والمجزوز الرأس هو: ابراهيم بن عبد الله المحض أخو مُحمّد الملقب بالنفس الزكيّة، وكان مرضي السيرة ومن كبار العلماء، وروي أن الإمام أبا حنيفة بايعه وأفتى الناس بالخروج معه ومع أخيه مُحمّد.

أما عن الأسباب الكامنة خلف وصول رأس ابراهيم بن عبد الله المحض الى مصر، فتنقل الدكتورة سعاد عن ابن طهيرة في كتابه ( الفضائل الباهرة في محاسن مصر والقاهرة ) صفحة 87 ما يلي: في أيام يزيد بن حاتم والي مصر من قبل المنصور، ظهرت بمصر دعوة بني الحسن بن علي بن أبي طالب وتكلّم بها الناس، وبايع كثير منهم لبني الحسن في الباطن، وماجت مصر بأهلها وكاد أمر بني الحسن أن يتم، والبيعة كانت بإسم عليّ بن مُحمّد بن عبد الله المحض. وبينما الناس في ذلك أوتي ليزيد برأس إبراهيم بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن المجتبى بن علي بن أبي طالب في ذي الحجة سنة خمس وأربعين ومائة، فَنُصِبَ في المسجد أياماً. ومما يدلُّ على تحرَّج الحالة في مصر، كما يقول ابن طهيرة: أنّ يزيداً قد منع أهل مصر من الحج بسبب خروج العلويين بالمدينة، فلما قُتِلَ ابراهيم أذن لهم بذلك.

ويؤكد هذا المعنى ما ذكره أبو الفرج الأصفهاني في كتابه ( مقاتل الطالبيين ) صفحة 214، حيث ذكر مقتل ابراهيم بن عبد الله المحض بروايات متعددة بمضمون واحد، قال: قتل إبراهيم يوم الإثنين عند ارتفاع النهار لخمس بقين من ذي القعدة سنة 145 هـ، وأتى أبو جعفر المنصور برأسه ليلة الثلاثاء، وبينه وبين مقتله ثمانية عشر ميلاً، فلما أصبح يوم الثلاثاء أمر برأس إبراهيم فنصب بالسوق ، فرأيته منصوباً مخضوباً بالحناء، ولاحقاً طيف به بالأسواق ومنادي أبي جعفر المنصور يقول وينادي هذا رأس الفاسق ابن الفاسق، وكان رأس إبراهيم في سفط أحمر ، في منديل أبيض، قد غُلّف بالغالية،.... وشخص ابن أبي الكرام برأسه الى مصر.

وقد تقدّم في الرواية السابقة عن ابن طهيرة سبب إرسال رأس إبراهيم (رض) الى مصر.

مكان دفن الرأس الشريف وعمارة المسجد والمقام

يقول المقريزي في تاريخه الجزء الرابع ص 271: أن الخليفة المنصور قتله سنة 145 هـ  وأرسل رأسه الى مصر، فنصبت في المسجد الجامع العتيق ( جامع عَمرو).

ويضيف أبو المحاسن في كتابه (ابن تغري) الجزء 3 صفحة 136، وصف كيف جاء الرأس الى مصر فيقول: وبينما الناس في ذلك قُدّم ليزيد والي مصر آنذاك برأس إبراهيم بن عبد الله المحض، فَنُصِبَ في المسجد أياماً ثم طيف به في الأسواق، ودفن في الضاحية التي تعرف بمنية مطر. وتقول الدكتورة سعاد في (مساجد مصر): ولعلَّ السبب في اختيار جهة المطرية لتكون مقراً لرأس إبراهيم هو إبعاد الناس عن زيارة المقبرة ( الخاصة بالرأس) حتى تخمد الثورة وتضعف الدعوة للعلويين.

فقد كانت منطقة المطرية في ذلك الوقت مهجورة غير مسكونة لبعدها عن العاصمة، وهي الفسطاط ثم العسكر. كما أن مقابر المسلمين في ذلك الوقت كانت عند جبل المقطم. ومما ينهض دليلاً على أهمية هذه المقبرة الخاصة بالرأس الشريف في تلك المنطقة النائية أي المطرية، هو اهتمام الأمير تبر الأخشيدي ببناء مسجد بجوارها.

وهذا الذي ذكرته الدكتورة سعاد آنفاً، هو السبب من وراء تسمية هذا المقام والمسجد تارةً (بمسجد تبر بالمطرية )، وتارة أخرى ( جامع سيدي إبراهيم ).

وهو ما أورده القضاعي، إذ يقول: مسجد تبر بني على رأس إبراهيم بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن المجتبى بن علي بن أبي طالب (رض). بحسب ما ذكرت ونقلت الدكتورة سعاد مُحمّد صفحة 111. كما جاء في كتاب (تحفة الأحباب وبغية الطلاب) للسخاوي صفحة 22، قوله: وقد ظل هذا المسجد يعرف باسم مسجد تبر الى عهد بعيد، ثم اندثرت المباني وبقيت التربة فقط، ومن عهد قريب تطوع الأهالي ببنائه، فأعيد الى شبه حالته سنة 1922 م، وهو باق الى الآن بالمطرية بشارع ماهر، ويعرف بجامع سيدي إبراهيم، وفيه ضريح رأس إبراهيم يزار.

وقبل الختام، سننقل ما أورده الأصفهاني من عظة قالها الشريف إبراهيم (رض) في إحدى خطبه، ومما جاء فيها: ( أيها الناس، إني وجدت جميع ما تطلب العباد في حقهم الخير عند الله عز وجل في ثلاث:

في المنطق، والنظر، والسكوت.

فكل منطق ليس ذكر فهو لغو.

وكل سكوت ليس فيه تفكر فهو سهو.

وكل نظر ليس فيه عبرة فهو غفلة.

فطوبى لمن كان منطقه ذكراً، ونظره عبرة، وسكوته فكراً، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته، وسلم المسلمون منه ).

وفي الختام ننقل قوله تعالى: ( رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ) سورة هود آية 73.

                                                        وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


صورة كاملة للمقام الشريف

لافتة ذكر عليها إسم صاحب المقام مع نسبه الشريف

لافتة ذكر عليها إسم المسجد وصاحب المقام

لافتة ذكر عليها إسم صاحب المقام مع نسبه الشريف صورة للمقام من زاوية أخرى

صورة للمقام من زاوية اخرى

لافتة على شباك المقام ذكر فيها إسم صاحبه (رض)

لافتة على شباك المقام ذكر فيها إسم صاحبه (رض)