«الشيعة الإمامية» في تاريخ لبنان الوسيط

25/3/2019
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

الدكتور حسن قاسم سلهب

مؤتمرعلمي في التاريخ

تحت عنوان:

إشكاليات كتابة تاريخ لبنان

طرابلس 23 و 24 آذار 2016

أولاً: أصول الشيعة الإمامية في لبنان

أ: السيد الأمين والتأريخ لأصول التشيُّع اللبناني

ب: المؤرخون حِتِّي ومكِّي والصليبي والفرضيات المتباينة

ج: الشيخ المهاجر مقاربة نقدية وفرضيات جديدة.

د: المؤرخون إسماعيل والقطَّار وحمادة والمحاولات المتواصلة

هـ: خلاصة عامة واستنتاجات

ثانياً: انتشار الشيعة في لبنان

أ: السيد الأمين وعوامل انتشار التشيُّع اللبناني ومؤشراته

ب: حِتِّي وحمادة ومكِّي والبناء على مشاهدات خُسرو وما حولها

ج: المؤرخ تدمري والسير في الاتجاه المختلف

د: الصليبي والمهاجر ودور السلطة والتاريخ في انتشار الشيعة

هـ: ملاحظات واستنتاجات ختامية

 

كلمة في الموضوع

ثمّة اختلاف بين مقاربة تاريخ الطوائف في لبنان في الحقبة المعاصرة ومقاربته في العصور الوسيطة والحديثة، وإذا كانت المقاربة الاولى تنطوي على تجاوزات قد تطال وحدة الدولة والوطن، فإنها في المقاربة الثانية، لا سيما في العصور الوسيطة، لا تبدو كذلك، حيث أن الأُطُر الطائفية للمجموعات التي سكنت النواحي التي غدت لاحقاً لبنان الحالي، شكلت معلماً أساسياً من معالمها، وجزءاً رئيسياً من هويِّتها، ومن الصعوبة بمكان كتابة تاريخ هذه النواحي بمعزل عن هذه الأُطُر والهويَّات المتماسكة والمؤثرة. ثم إن هذه الطوائف حصيلة فعلية لكل التطوُّرات والتحوُّلات التي حدثت في المنطقة على مدى قرون من التاريخ الميلادي ثم الهجري، فهي بهذا المعنى أبرز إفرازات هذه التطوُّرات والتحوُّلات التي سيكون لها شأنها الخاص وكينونتها الخاصة، وبالتالي تاريخها الخاص، من دون أن يعني ذلك استقلالها الكلي عن المحيط، أو احتفاظها بخصوصيتها على الدوام.

ما يتعيّن علينا الالتفات إليه هو أننا عندما نؤرخ لطائفة ما من طوائف لبنان في العصور الوسيطة، فإننا نؤرخ لأُطُر ومجموعات ذات مضمون ديني كانت موجودة بشكل فعلي وبتأثير ملحوظ، إنطلاقاً من هذا المضمون، وقد لعبت أدواراً عديدة على المستوى السياسي والحضاري، كما أدَّت دوراً تجميعياً وتوحيدياً لمجموعات محدَّدة من السكان، وبالتالي الإنتقال من الرابطة الدموية والنسَبِية البحتة إلى الرابطة المعنوية والروحية المتنامية، وهي بهذا المضمون مرحلة متقدمة وحلقة وسيطة بين الرابطة النسَبِيَّة وإطار الدولة والوطن.

أولاً: أصول الشيعة الإمامية

في لبنان

في الحديث عن تاريخ الشيعة في لبنان تطالِعُك معضلة أصولهم وبداية ظهورهم في هذا البلد، فالقضية تتعلق بقرون من الغموض وندرة الآثار، إن لم نقل انعدامها في هذا الشأن. ربّما كانت «الشيعة الإمامية» الطائفة الوحيدة من بين الطوائف الكبرى في لبنان، الأكثر تعرضاً للضياع أو الغموض في قضية أصولهم ومنطلق وجودهم.

فالخلاف على منطلقات وجود الموارنة في لبنان، مثلاً، لا يتعدَّى العقود القليلة، وكذلك الدروز بشكل أقل، أما السنَّة فلا خلاف حول أصولهم لكونهم لا يشكلون مساراً خاصاً في التاريخ الإسلامي العام، ويتصلون بالفترة الأولى للفتوح.

وإذا كان الخلاف على أصول الطوائف الأخرى ينطلق من اجتهادات في المواد التاريخية المتعدِّدة فإنه مع الشيعة الإمامية يخلو من مواد تاريخية أصيلة وبنّاءة، ما يجعل اجتهادات الباحثين أقرب إلى التخمين منها إلى الآراء العلمية الموثّقة.

في هذا البحث لن نجري مسحاً لآراء الباحثين في التاريخ حول هذه القضية، وإنما سنكتفي بعيِّنات مختلفة ومعبِّرة عن معظم الاتجاهات البارزة، وذلك حسب الترتيب الزمني لصدور هذه الآراء ونشرها.

أ: السيد الأمين

والتأريخ لأصول التشيُّع اللبناني

شكلت آراء السيد محسن الأمين في كتابه «خطط جبل عامل» أولى المحاولات الجدّية في التاريخ المعاصر لتحديد أصول «الشيعة الإمامية» في لبنان ، فقد وضع آراءَه بُعيد انتهاء الحرب العالمية الأولى، حسبما أشار نجله المؤرخ حسن الأمين في مقدِّمة الكتاب(1).

بعد أن يؤكد عراقة العامليين في العروبة، وأن قبيلة «عاملة» سكنت جبال الجنوب اللبناني وبقيت ذريتها إلى اليوم، حيث أن «جلَّ أهل جبل عامل منهم»،(2) يرفض فرضية الأصل الفارسي للشيعة في هذه الناحية من لبنان، بل يراهم عرباً أصيلين «عريقون في العروبة، وأعرق فيها من جميع سكان سورية»،(3) على حد تعبيره.

عالج السيد الأمين مقولة الدور الأساسي للصحابي أبي ذر الغفاري في نشر التشيُّع في جبل عامل، لكن بعبارة حذرة على الشكل التالي:«إن صحَّ تشيُّع أهل جبل عامل من زمن نفي أبي ذر إلى الشام، لم يكن أسبق منهم إلى التشيُّع سوى بعض أهل الحجاز»(4). وبعد عرضه لما جاء في كتاب «أمَلُ الآمِل» لمؤلفه الحرّ العاملي (ت.1104هـ/1693م) في هذا الشأن، أردف بقوله: «وإن لم يرد خبر يُعتمد عليه، ولا ذكره مؤرخ، إلا أنه يمكن الاستئناس له لشيوعه بين أهل تلك البلاد، وتناقل الخلف له عن السلف، وبوجود مسجدين منسوبين إليه في تلك البلاد»(5).

وفي خصوص المسجدين في الصرفند وميس الجبل، فقد رأى صاحب «خطط جبل عامل» إمكانية أن يكون أبو ذر قد بناهما عند تجوّله في تلك القرى، أو أنَّهما بُنيا على أيدي أتباعه، تذكاراً لمحل إقامته في هاتين القريتين.

أما عدم اهتمام المؤرخين بتشيُّع أهل جبل عامل على يد أبي ذر، فقد علّله بما يلي: «فيمكن أن يكون لعدم إطِّلاعهم عليه، ولا بُعد في أن يخفى على كثير من الناس في ذلك العصر، لما يدعو إلى إخفائه من الخوف، أو محبّة كتمانه وعدم إظهاره»(6). ويختم السيد الأمين كلامه بعبارة واضحة «وإن كنا لا نستطيع الجزم به»(7).

ممَّا تقدَّم يظهر التفاعل الإيجابي، أو «الإستئناس»، لصاحب «خطط جبل عامل» مع مقولة الدور الرئيسي للصحابي أبي ذر الغفاري في تشيُّع أهل جبل عامل، إلا أن ذلك لم يحل دون تقويمه لهذا الرأي في أنه دون القطع أو الجزم(8).

باستثناء إيراده لكتاب الحرّ العاملي (ت.1104هـ/ 1693م)، فقد خلا رأي السيد الأمين من أي ذكر لأي مصدر أو مرجع ، وكونه عالج إشكالية عدم ذكر المؤرخين لتشيُّع أهل جبل عامل على يد أبي ذر، فهذا يعني، ضمنياً على الأقل، أنه لا وجود لأي مصدرٍ أو مرجع آخر بين السيد الأمين والحرّ العاملي يمكن الإفادة منه ، فضلاً عن الفترة التاريخية التي أعقبت أبي ذرّ الغفاري حيث لم ترد معطيات حول هذا الموضوع قبل الحرّ العاملي .

لقد عوَّل السيد الأمين على شيوع هذا الرأي بين أهل جبل عامل، حيث تتناقل الأجيال ذلك، كما اعتمد على وجود المسجدين المذكورين في الصرفند وميس الجبل، ويظهر أنه بنى رأيه على هذين الأمرين بالتحديد.

يمكن القول بأن ما قدَّمه السيد الأمين شكل تكريساً للرأي المتداول حتى زمانه، وأن ذلك سيُعتبر سنداً للذين تبنَّوْا هذا الرأي من داخل الطائفة، ورّبما خارجها، لما يتحلى به السيد الأمين من ثقل علمي ومرجعية دينية عليا لدى طائفته في لبنان وخارجه. ومع ذلك قدَّم مناقشة مفيدة لهذه القضية من شأنها إتاحة الفرصة لأي رأي آخر، فقد حدَّد أسس رأيه بشكل واضح إلى حد يمكن تعديل الرأي، تبعاً لتعديل النظرة إلى هذه الأسس، أو تقويمها بشكل مختلف.

ليس لديَّ دليل على أن معظم الباحثين المُحْدَثين، الذين أيَّدوا أو نقلوا هذا الرأي التقليدي لأصول الشيعة في لبنان، قد اعتمدوا على رأي السيد الأمين، لكن من الواضح أن ما قدَّمه السيد الأمين يصلح أن يكون كذلك، لكل الاعتبارات التي ذكرت.

ب: المؤرخون حِتِّي ومكِّي والصليبي والفرضيات المتباينة

عالج المؤرخ فيليب حِتِّي في كتابه «تاريخ لبنان» قضية أصول الشيعة في لبنان، بشكل عابر ومختصر، حيث اعتمد على فكرة «لبنان الملجأ» لأبرز الطوائف اللبنانية، فكما فرَّ الموارنة إلى شمالي لبنان هرباً من اضطهاد اليعاقبة في القرن السابع للميلاد، وكذلك جاء الدروز إلى لبنان من الجنوب في القرن الحادي عشر للميلاد بسبب إتهامهم من قبل السنة بالهرطقة، فقد «تسرَّبت جموع الشيعة إلى لبنان في أزمنة مختلفة، ومن أماكن مختلفة، هرباً من ضغط السنَّة عليهم»(9). وفي مكان آخر يشير حِتِّي إلى تاريخ ومكان وفود الشيعة على لبنان، حيث يراه بعد توطُّن واستقرار الموارنة في شمال لبنان، وأنه بدأ في لبنان الجنوبي(10)، إلى جانب الإسماعيليين والجماعات العرقية المختلفة، فارسية وعربية. ما يتعيَّن التوقُّف عنده في معالجة المؤرخ حِتِّي أنه يرى الشيعة جموعاً تسرَّبت إلى لبنان من الخارج، وهذا ما يتعارض مع المقولة التقليدية في أن التشيُّع انتشر بين سكان موجودين قبلاً في جبل عامل.

لم يحدِّد صاحب «تاريخ لبنان» الأزمنة ولا الأماكن المختلفة، كما لم يوضح أشكال الضغوط التي تعرَّضوا لها وطبيعتها، أو أي تفصيل حولها. لقد ضمّ الشيعة إلى غيرهم من الموارنة والدروز في الخلفيات العامة، لكن من دون أية مادة تاريخية واضحة ووثيقة، ولعلَّه انفرد في هذا الرأي عن سائر الباحثين المُحْدَثين في تاريخ أصول الشيعة في لبنان، كما سيبدو.

في كتابه «لبنان من الفتح العربي حتى الفتح العثماني» قارب المؤرخ محمد علي مكي قضية أصول «الشيعة الإمامية» بشكل عابر ومختصر أيضاً، معتمداً على «الأخبار والتقاليد الشعبية»،(11) ومؤيداً الرأي الشائع بأن هذه الطائفة «ظهرت في العهد الأموي في جنوبي لبنان، منذ نفي أبي ذر الغفاري إلى الجنوب في عهد معاوية»(12). وقد أشار إلى قريتي ميس الجبل والصرفند، حيث كان «تنقله الدائم» بينهما، خاتماً رأيه بأن هاتين القريتين «تعتقدان أن أبا ذر الغفاري أقام فيهما»(13). كما هو واضح فإن مكي لم يعتن بشكل مركَّز بهذه القضية، فقد اكتفى بالمتداول، من دون إشارة إلى المصدر أو المرجع الذي بنى عليه رأيه.

ثم لا بد لنا من التمييز بين ظهور الشيعة في العهد الأموي، وما يعني ذلك من انتشار ملحوظ ومؤثر، وبين بدء ظهور التشيُّع على نحوٍ هادئ وغير ملحوظ، وإذا كان الرأي الثاني هو ما ألمح إليه الإمام محسن الأمين، فإن الرأي الأول، كما لاحظناه في كلام مكي، يعتبر تجاوزاً لما ذكره صاحب «خطط جبل عامل»، فالحديث عن الظهور الملحوظ يختلف عن النشوء وبداية الإنتشار المغمور، كما هو معروف.

من ناحيته، أبدى كمال الصليبي موافقته الضمنية على الأصل العربي لشيعة جبل عامل بقوله: «يقولون بأنهم كانوا هم أيضاً في الأصل من قبائل عرب اليمن، وحركة القبائل من شبه جزيرة العرب باتجاه الشام في العهود الرومانية والبيزنطية أمرٌ معروف»(14).

أما الجديد الذي أضافه فقد تمثل برفضه المطلق لمقولة «أية هجرة جماعية للشيعة الإثني عشرية... من أية منطقة إلى الأراضي التي هي اليوم أراضي لبنان»(15). وهذا الرأي يعني، في ما يعنيه، أن عملية التشيُّع حدثت على الأرض اللبنانية اليوم، ما يعزِّز الإتجاه السائد في أنَّ حركةً ما، كانت وراء هذه العملية التي تنامت وانتشرت، بشكل واسع وكثيف، مع مرور الزمن. ولم يكتفِ الصليبي برأيه هذا، بل أشار إلى أن «الشيعة، والجزء الأكبر والرئيسي من الدروز، لم يصلوا إلى لبنان، في أي زمن كان، هرباً من اضطهاد سنِّي لحق بهم في مكان آخر»(16). وفي ذلك ردٌّ صريح على مقولة فيليب حِتّي «لبنان الملجأ» بالنسبة لطوائف لبنان الكبرى التي أشرنا إليها سابقاً.

لم يحدِّد الصليبي طبيعة نشوء التشيُّع في لبنان، وما إذا كان بتأثير نشاط أبي ذر الغفاري أو غيره، في حدود اطلاعي، لكنه وضع إطاراً عاماً ومساراً إلزامياً لنشوئه في جغرافيا لبنان اليوم، ما يوحي بأن هذه الطائفة ذات منبت لبناني أصيل بعد أن أيَّد أصالتها في العروبة. والمدقِّق في آراء الصليبي، في هذا الشأن كما في غيره، لا يجد مستنداً مباشراً يعود إليه، بل هو من قبيل نفي الأمر لغياب القرائن والأدلة والآثار، فالهجرات في التاريخ العربي أحداث ملحوظة وقرائنها، كما آثارها، كثيرة وبيِّنة، وإذا كان الأمر كذلك في القرون القديمة فهو أولى في القرون الوسطى، وهذا لم يظهر في فرضية هجرة الشيعة أو الدروز إلى لبنان، كما يبدو من رأي الصليبي.

لغاية الآن يمكن القول بأن قضية أصول «الشيعة الإمامية» في لبنان لم تحظ بعناية مركَّزة وبحث مستفيض، وبالرغم من مقاربة السيد الأمين التي فتحت النقاش أكثر ممَّا حسمته، ومقاربة الصليبي التي وضعت أسساً عامة لها أكثر مما حدَّدتها أو كشفت عنها، فقد استمرت القضية في طور الغموض والإلتباس(17).

ج: الشيخ المهاجر مقاربة نقدية وفرضيات جديدة

ثمَّة محاولة غير مسبوقة في البحث والتركيز، بل في إثارة هذه القضية على نحوٍ واسع وعميق، تلك هي محاولة المؤرخ الشيخ جعفر المهاجر التي يمكن وصفها بأول مقاربة من نوعها، من دون أن يعني ذلك إمساكها بناصية الحقيقة، كما قد يتبادر إلى الذهن.

في كتابه «التأسيس لتاريخ الشيعة في لبنان وسوريا»، الصادر في بيروت عام 1992 ، قدَّم الشيخ المهاجر تصوُّراً بديلاً وجديداً لأصول «الشيعة الإمامية» في لبنان، يقوم على ثلاث ركائز:

الركيزة الأولى: نقد مقولة الدور الأساسي للصحابي أبي ذر الغفاري في التشيُّع اللبناني، أو الجنوبي على وجه التحديد.

الركيزة الثانية: التشيُّع في لبنان ليس نشوءاً لبنانياً داخلياً صرفاً، بل هو في لحظته الأولى هجرة من الخارج، أو انتقال وتسرُّب لأسباب مختلفة.

الركيزة الثالثة: الفصل في تشيُّع لبنان بين كل من البقاع والشمال والجنوب، فلكل واحدة من هذه التجمُّعات بداية خاصة، فهو يبدأ في البقاع والشمال في أواسط القرن الهجري الأوَّل، أما في جبل عامل فيتأخر إلى القرن الخامس الهجري، من دون أن يعني ذلك استمرار هذا الفصل مع مرور الوقت.

في معرض نقده للمقولة التقليدية حول دور الصحابي أبي ذر يقول الشيخ المهاجر بأن المصدر الأول لهذا الرأي يعود للحرِّ العاملي الذي «لا ينسِب هذا الكلام إلى أصل أخذه عنه، وكذلك لا نجده، أو ما يشبهه في المصادر الأكثر قدماً، ولا المتأخرة عنه، مما يدل على أنه أخذه من نقولات متداولة محلياً»،(18) أما ما قيل عن المشهدين المنسوبين للصحابي أبي ذر، فهما ليسا سوى «تقليد شيعي عريق المقصود منه تثبيت أثر تاريخي...»(19)، لا يمكن حصره في شخص الصحابي المذكور، فضلاً عن نشاطه ودوره المطروح، وهو إذ يشير إلى خلو جبل عامل من أية آثار أو معطيات تاريخية تؤكد هذه الفرضية، يذهب بعيداً في هذا الاتجاه، حيث يرى أن جبل عامل «كان خالياً، أو شبه خالٍ من الناس، شأن الشام عموما،ً بسبب التحاق سكانه التاريخيين، بني عاملة، بالرومان المهزومين»(20).

ومن الأفكار التي ساقها في هذا الإتجاه قوله: «إن مسألة انتشار التشيُّع في المنطقة الشامية هي مسألة أكثر تعقيداً بكثير من أن ُتفسَّر بنشاط داعية وحيد»(21). ثم يخلص إلى إشكالية أكبر لا يمكن لفرضية أبي ذر أن تعالجها، ذلك أن هذه الفرضية، وعلى فرض صحتها، «لا تفسر سوى انتشار التشيّع في جبل عامل، ولكن أين باقي «الأردن» وأين «فلسطين» و«جبل لبنان» و«حمص» وضواحي «دمشق» و«البقاع البعلبكي» من هذا...»(22).

لقد وجَّه الشيخ المهاجر نقداً متماسكاً للمقولة الشائعة في خصوص أصول «الشيعة الإمامية» في لبنان، سنداً ومتناً، وبالرغم من أن بديله المطروح ينطوي على ملاحظات عديدة، إلا أنه استطاع، ولأول مرة على ما يبدو في التاريخ المعاصر، تسليط الضوء على العناصر الضعيفة في بنية المقولة التقليدية لأصول التشيّع اللبناني عموماً، والجنوبي على وجه الخصوص.

البديل الجديد طرحه بشكل مختصر في كتابه الأخير، افترض فيه هجرة قسم من قبيلة همْدان اليمنية من الكوفة إلى بلاد الشام، حيث هبطوا أرض لبنان «قسم منهم نزل أطراف بعلبك، والثاني الهضاب المشرفة والمجاورة لمدينة طرابلس»(23).

المصدر التاريخي الذي يعتمد عليه هو المؤرخ اليعقوبي (ت.284هـ/897م) من أعلام القرن الثالث الهجري، وذلك من خلال نص قصير على الشكل التالي: «...وبَعْلَبَكُّ: وأهلُها قومٌ من الفرس، وفي أطرافها قومٌ من اليمن»(24). أما في خصوص طرابلس فثمَّة نص تاريخي أيضاً يعود إلى ابن فضل الله العمري، أحمد بن يحيى، (ت. 749هـ/1348م) من أعلام القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي، وهو على الشكل التالي: «وبالجبل المعروف بالظنيين من الشام فرقة من همْدان»(25). أما النص الثالث والأخير الذي ترتكز عليه فرضيته فيعود أيضاً إلى اليعقوبي، في مقام إشارته إلى مدينة عِرقَة، حيث يقول «كورة عِرقة: ولها مدينة قديمة، فيها قوم ٌمن الفرس ناقلة، وبها قومٌ من ربيعة»(26). لقد بنى المهاجر على الإنتماء الشيعي لكل من قبيلتي همْدان وربيعة، لينسج من ذلك الخيوط الأولى لرواية النشوء والانتشار الشيعي في لبنان.

أما بالنسبة إلى أصول الشيعة في جبل عامل فقد انطلق المهاجر من نص للمقدسي عن جبل صدّيقا في جبل عامل(27) إستنتج منه وجودأً أساسياً للسنَّة في هذه الناحية من جبل عامل، بالإضافة إلى المدن المجاورة ذات الغالبية السنِّية، وذلك في الربع الأخير من القرن الرابع للهجرة / العاشر للميلاد، ليخرج بفرضية مفادها أن جبل عامل لم يكن معموراً بالشيعة «قبل حوالي القرن السادس للهجرة/الثاني عشر للميلاد، بل الدليل قائم على العكس أنه كان شبه خالٍ من السكان...»، (28) من دون أن يعني ذلك خلو الأطراف الجنوبية والشرقية للجبل من الشيعة.

أما وجود الشيعة في جبل عامل

فقد جاء من مصدرين:

الأول: من صور، في أعقاب سقوطها بأيدي الصليبيين عام 518 هـ/1124م، حيث خرج شيعة هذه المدينة منها إلى هضاب جبل عامل.

الثاني: من طبريا وقراها، حيث كان المهاجر قد أثبت، من خلال نص آخر للمقدسي،(29)وجود الشيعة فيها، وفي مناطق عديدة في فلسطين والأردن، بل إن تحوُّل صور إلى مدينة ذات أكثرية شيعية قبل الاحتلال الصليبي، مردُّه أيضاً إلى الحركة السكانية من «سهل الحولة» و«منطقة طبريا»، كما حدث في جبل عامل.

يبدو أن فرضيته الخاصة بتشيُّع جبل عامل وصور أكثر ترجيحاً من الفرضية التقليدية الشائعة عن دور أبي ذر الغفاري، وذلك بسبب اعتماد المؤرخ المهاجر على مصدرٍ مقبول ومعاصر للفترة التاريخية، مع الأخذ بعين الاعتبار الفارق الزمني الذي يمتد قرابة ثلاثة قرون ونصف تقريباً بين زمن أبي ذرّ وزمن المقدسي. أما فرضية خلوّ جبل عامل من الشيعة قبل الإحتلال الصليبي للمنطقة، فقد تمت بناءً على نص جبل صدّيقا للمقدسي، ثم إن السياق الذي طرحه للتشيُّع عموماً دعم فرضيته هذه، وإن لم يرق بها إلى مستوى القطع.

شكلت فرضية المهاجر هذه محاولة جدية للخروج من الفرضية التقليدية، ولكن هل يمكن اعتبارها بديلاً، أو طرحاً متقدِّماً، في هذا المجال؟؟.

إن أول ما يتبادر إلى الذهن في تقويم هذه الفرضية قيامها على نصوص وحيدة وغير جليَّة بما يكفي، إنها إشارات لا ترقى إلى مستوى السياقات المطروحة، لقد اجتهد المؤرخ في استخراج دلالاتها، واعتصار معانيها، وَحَبكَ حولها العديد من الخيوط لتشكيل صورة تاريخية مستوفية الغاية، لكن طاقة النصوص محدودة في النهاية.

لا يعني ما تقدَّم خلو المقاربة من مواد يمكن الإستفادة منها في البناء، لكن من غير الواقعية تشييد فرضية غير مألوفة وغير مسبوقة على نصوصٍ يمكن وصفها بالقابلة للتأويل أوتعدُّد الأبعاد والمضامين.

في منهج البحث التاريخي لا يتوخَّى الباحث تشكيل سياق من معطى جزئي، قد يكون لديه ثمَّة «مُعطى» نواة، ولكن من شروط هذا النوع من المعطيات أن يكون صريحاً بدلالته المباشرة، حاسماً بمضمونه المطلوب. ثم إن أيَّ تحوُّل في أحداث التاريخ لا يمكن أن يستقيم من دون مقدِّمات وثيقة، أو تداعيات واضحة تكرّسه وتعمِّق القناعة فيه، فالهجرات في التاريخ العربي لها مقدِّماتها وأصداؤها وآثارها، والتاريخ الذي ينشأ عنها. ليست، إذن، عمليات تسلُّل في الظلام تختفي وقائعها، أو تنعدم آثارها. هل يُعقل أن تهاجر قبيلة بهذا الحجم، وفي تلك المنطقة، وعلى مدى عقود وقرون، من دون تاريخ يسجِّل أبسط آثارها ومقتضيات وجودها؟؟. أين هذا النسب العريق في كل الرجالات والأعلام التي تكاثرت في موطنها الجديد، ماذا عن العلاقات التي فرضتها في هذا المحيط، لماذا هذا الصمت المطبق الذي يلف وجودها لعقود وقرون؟؟ إن هذا الفرع من القبيلة المشهورة إذا ما استوطن مكاناً جديداً، وتطوّر ونما فيه، لا يمكن أن يبقى مغموراً إلى حدود الضياع، كما يُستوحى من هذا السياق المطروح. ثم كيف لنا أن نربط بين أمرين: أحدهما تحليلي يتعلق بهجرة فرع من قبيلة، والثاني نص تاريخي وبينهما مسافة زمنية تصل إلى حدود القرنين والربع في نصَّيْ اليعقوبي الخاصَّيْن بأصول شيعة بعلبك وعِرقة، وقرابة سبعة قرون في نص ابن فضل الله العمري الخاص بأصول شيعة طرابلس.

تبقى إشارة للمهاجر تتعلق بفرضية الأساس الفارسي لشيعة طرابلس، فقد رأى في ذلك جهلاً بتاريخ التشيُّع الإمامي وانتشاره، فضلاً عن أن هوية تلك العناصر لم تكن فارسية، «بل هم عرب قدموا من الخليج الفارسي»(30)، وأنَّ هذا الإدِّعاء «ينطلق من فكرة إسقاطية من الحاضر باتجاه الماضي، هي أن الفرس كانوا دائماً شيعة»(31) وهو غير صحيح.

يمكن القول بأنه لا يوجد دليل تاريخي على الأساس الفارسي لشيعة طرابلس، وإنما هي عمليات ربط غير واضحة، تعود إلى أكثر من ثلاثة قرون في بداية العهد الأموي وقبله، عندما جرى شحن السواحل والمدن اللبنانية بالعنصر الفارسي إثر إخلاء الروم للمنطقة، أما التأثير الفاطمي فهو عامٌ ينضم إلى تأثيرات أخرى، حمدانية وبويهية، كان لها دورها في التحوُّلات التي شهدتها بلاد الشام في تلك الفترة، مع التأكيد على خصوصية السياق التاريخي للتشيُّع الإثني عشري في طرابلس، لا سيما في عهد بني عمَّار.

د: المؤرخون إسماعيل والقطَّار وحمادة والمحاولات المتواصلة

من جهته، قدم المؤرخ منير إسماعيل رأيه في هذا المجال في ندوة خاصة بكتابة تاريخ لبنان، بيروت 1993، حيث اعتبر أن الشيعة والدروز يتحدَّرون من أصول عربية، وأن «عمليتي التشيُّع والتوحيد حصلت على أرض لبنان وبين سكانه المقيمين من قبل انتشار الحركتين»(32). وبعبارة أخرى فإن وجود الدروز والشيعة في لبنان لم يتم في إطار هجرة إلى لبنان، أو حركة «استيطانية جديدة» فيه(33).

يمكن وصف مقاربة إسماعيل بأنها إسهامٌ إضافي في نفي الأصول الخارجية لشيعة لبنان، فمع تأكيده على عروبتهم، وأن وجودهم القبلي في المنطقة يعود إلى زمن سابقٍ للإسلام، يرفض مقولة هجرة الشيعة إلى لبنان أو أنَّ التشيُّع اللبناني هو تشيُّع خارجي قبل نموِّه وانتشاره في المدن والقرى اللبنانية.

إن مسار تحديد هوية التشيُّع اللبناني بدأ مع السيد محسن الأمين، معتمداً على رواية الحرِّ العاملي، وعلى الرغم من نقد الشق المتعلق بدور أبي ذر في هذه الرواية، إلا أن الشق الآخر المتعلِّق بالمنبت اللبناني للتشيُّع لم يتأثر جوهرياً، لغاية الآن، بهذا النقد. فقد تم الفصل بين طريقة حدوث التشيُّع اللبناني وبين مكانه، وبينما ظهر الابتعاد عن الطريقة التقليدية فيه، فقد جرى تثبيت أرضه ومنبته وجغرافيته.

نقف عند مقاربة أخرى للمؤرخ الياس القطار في كتابه «لبنان في القرون الوسطى»(34)، حيث يستحضر فكرة «لبنان الملجأ» للمسيحيين والمسلمين الذين لم ينسجموا مع محيطهم، وذلك بغية المحافظة على ذواتهم، ما أدى إلى تنوّعٍ معقّدٍ «في أصوله السكانية»(35). ثم يذكر الرواية التقليدية للتشيُّع في الجبال الجنوبية «بفضل تأثير أبي ذر الغفاري الذي تشير بعض المراجع إلى تعريجه على الجنوب في عهد معاوية وسكنه بين ميس الجبل والصرفند»(36). ويضيف بأن عدداً من خواص الإمام علي نشروا التشيُّع في السواحل الشامية كسليمان الفارسي وعبد الله بن مسعود.

لا يكتفي القطّار بذلك، بل يعتبر «أن من أسباب التشيُّع الهرب من عمليات القتل التي كانت تطاول الشيعة في دمشق زمن معاوية وخلفائه... فضلاً عن الهجرات من الداخل»(37)، لكنه لا يوافق على انتقال بلاد الشام، ومنها لبنان، إلى التشيُّع قبل العهد العباسي. ويختم بتأكيده على الأصل العروبي للتشيُّع، وأنّه «لم يكن ردَّ فعلٍ فارسياً على الفتح الإسلامي»(38).

إن ما لاحظناه لدى المؤرخ منير إسماعيل فقدنا جزءاً منه، أو بعضه، مع المؤرخ القطَّار، فقد جمع الأخير بين الأصل «الداخلي» و «الخارجي» للتشيُّع الجنوبي، خصوصاً واللبناني عموماً، فهناك دور لصحابة النبي من أتباع الإمام علي في السواحل والجنوب، وهناك هروبٌ للشيعة من دمشق في زمن معاوية، وهناك كذلك هجرات من الداخل الشامي، وبذلك لا تعود أصول شيعة لبنان مقتصرة على أصل واحد، كما لاحظنا عند معظم المؤرخين السابقين.

لكن المؤرخ القطَّار في وقت لاحق، بعد سنوات قليلة من صدور كتابه الأول، في سنة 2008، قدِّم رأياً متطوِّراً بعض الشيء عن الس

المسار التدريجي في التاريخ السكاني للمنطقة.

حظيت مشاهدات ناصر خسرو القصيرة للمدن الساحلية في لبنان التي دوَّنها في كتابه «سفرنامة» باهتمامٍ وقبولٍ من معظم الباحثين في تاريخ هذه المدن في العهد الفاطمي، وذلك بسبب وضوحها من جهة، وفرادتها من جهة ثانية. فقد كان الداعية الفاطمي، ذو الأصول الفارسية، حريصاً على تسجيل المعطيات المثيرة والغنية في دلالاتها، ناهيك عن أنَّ توقيت هذه المشاهدات، في العام (438هـ/1047م) عملٌ فريدٌ لم يشاركه فيه، على ما يبدو، أحدٌ من الرحَّالة أو الجغرافيين، بل لم يضاهه مؤرخ في هذا المستوى من الوضوح والتدقيق، على الرُّغم من قِصَرِها كما أسلفنا.

ثمَّة مقاربة حديثة لبعض مشاهدات خسرو اختلفت بعض الشيء عن السائد في هذا المجال، هي مقاربة المؤرخ الدكتور تدمري، حيث رأى أن الأكثرية الساحقة في المدن اللبنانية إبَّان العهد الفاطمي «كانت لأهل السنة والجماعة»،(58) وبعد أن ضم الشيعة الإمامية إلى أهل السنة ووصفهما بـ «القاعدة السكانية العريضة»،(59) عمد إلى القول بأن «النتيجة التي نخلص إليها في البحث تُغيّر الكثير من المقولات التي أُطلقت عن أكثرية الشيعة في المدن والمناطق اللبنانية، وبخاصة مقولة الرحَّالة «ناصر خسرو» إن سكان طرابلس كلهم شيعة»(60).

لقد بنى تدمري رأيه على نتيجة إحصائية للقضاة، والمحدِّثين، والمؤلفين، والشعراء، والأدباء في طرابلس خلال تلك الفترة، فمن أصل مائة من هؤلاء استعرض تراجمهم، لم يقف «سوى على اثنين من الأعلام الإسماعيليين، والأكثرية الساحقة من السنَّة، وقليل هم الشيعة الإمامية، ولا تتجاوز نسبتهم العشرة بالمائة»(61). ثم علَّق بالقول بأن «هذه النسبة تعبِّر بطبيعة الحال، عن حقيقة المجتمع السكاني وفئاته الدينية والمذهبية»(62).

لا شك بأن أية نخبة في أي مجتمع تعكس إلى حدٍّ بعيد، وفي الحالات الطبيعية عادةً، صورة هذا المجتمع في قناعاته وتقاليده واتجاهاته، لكن في البحث التاريخي لا يمكن الركون إلى هذه الطريقة، إذا ما توافرت لدينا نصوص صريحة تتعارض مع نتائجها أو حصيلتها، إلا في حال إثبات ضعف أو زيف هذه النصوص. إن الملاحظة على مخالفة المؤرخ تدمري لمشاهدات ناصر خسرو تأتي من كونه اعتمد التحليل والاجتهاد، حيثما يوجد نص جلي وصريح، ومن غير تفضيل منهجي، أو أيَّة أدلة تنال من صدقية الرحَّالة المذكور، أو ضعف مشاهداته. إن الخروج على النص التاريخي، ومخالفة معظم المؤرخين والباحثين، لا يستقيم إلا بنص تاريخي آخر، أو ما هو بمنزلته، ولكن لا يمكن أن يتم بمقاربة تحليلية أو إحصائية، على أهميتها ودلالتها، لأن في ذلك مقارعة للدليل المباشر بغير المباشر، وللنص الصريح بالقرينة الظرفية.

في أي حال، إن الإعتماد على هوية النخبة في تحديد مذاهب العامة، إنما يصلح في الظروف العادية والطبيعية، لكن من المعروف أنه في تلك الفترة من تاريخ بلاد الشام، والمدن اللبنانية بوجه خاص، ثمَّة تحوُّلات سياسية وعسكرية غيَّرت الكثير من الجغرافيا والتوزيع الطائفي للسكان، ومن اللافت في هذا المجال أن حاكم صور وقاضيها في هذه الحقبة، وهو ابن أبي عقيل، كان سنِّياً بينما الأكثرية الساحقة من الصوريين كانوا شيعة إمامية، ولقد تقبَّل المؤرخ تدمري هذه المشاهدة من دون تعديل(63). فلماذا جرى قبول معطيات خسرو في صور، على الرُّغم من مخالفتها للمعادلة المعتمدة للمؤرخ تدمري، بينما تم رفض ذلك لطرابلس؟؟ في أي حال ثمَّة قاعدة أخرى، يمكن الإعتماد عليها في الظروف الإستثنائية وغير العادية ليس لمعرفة مذاهب العامة، بل لمعرفة هوية السلطة، التي تدعم وتشجِّع، عبر التعرُّف على هوية النخبة العلمية والأدبية فيها. ففي الظروف الاستثنائية تنقلب المعادلة لتغدو النخبة صورة عن الجهة المؤثِّرة أكثر من كونها صورة عن المجتمع القائم.

لم تحل مقاربة تدمري هذه دون تمكُّنه من تحقيق آراء متقدمة في تاريخ الشيعة الإمامية في طرابلس إبَّان الفترة اللاحقة، وفي زمن بني عمَّار تحديداً.

فعلى الرُّغم من تحاشي العديد من الباحثين والمؤرخين لمقاربة الهوية المذهبية لبني عمّار في طرابلس، فضلاً عن التوغّل في قيمة إنجازاتهم العلمية مع كونهم مختلفين مذهبياً عن السلطة السياسية، سواء كانت سلجوقية أم فاطمية، فقد كتب المؤرخ تدمري بعبارة واضحة أن بني عمَّار شيعة إمامية(64). ثم عدَّد بعض كبار علمائهم وفقهائهم في طرابلس أمثال: «الحسين بن بشر»، و«عبد العزيز بن البرَّاج»، و«ابن أبي روح»، و«النسّابة»، و«ابن ملقطة العلوي»، والشاعر «ابن منير الطرابلسي»، و«عبد المحسن الصوري»، والفيلسوف «أبو الفتح الكراجكي»(65).

إن ميزة المؤرخ تدمري، هنا، تكمن في عدم تبرُّمه بالحقيقة التاريخية إذا ما لاحت أمامه واضحة وصريحة، وإن كان في ذلك مخالفة للمألوف أو السائد. لقد صدَّق، من دون تردُّد، أنَّ مجد طرابلس التاريخي، في بعض فصوله ومحطَّاته، متأتِّياً من الشيعة الإمامية، حيث تتقارب مذاهب الإسلام في لحظة من لحظات النهوض والتطوُّر العلمي والحضاري. ولقد أشار المؤرخ تدمري إلى واحدة من مميِّزات هذا التقارب والتفاهم، عندما عبَّر عن تقديره لخلوِّ هذه الفترة من أية «حادثة مذهبية، ولا حتى طائفية خطيرة بين سكان «لبنان» في ذلك العصر، رغم أن السلطة تحكم من منطلق ديني ومذهبي»(66).

ولم يكتف بذلك بل انبرى لمدح بني عمَّار، ووصفهم بأنهم «كانوا متحرِّرين ومنفتحين غير متزمتين»(67)، وقد استدلّ على ذلك بأن القيِّم على دار العلم من قبلهم، وهو الفقيه الشيعي ابن أبي روح، كان يوزِّع المخصَّصات المالية على طلبة العلم من السنَّة والشيعة على السواء، وإذا ما غفل عن واحدٍ من أهل السنَّة، وهو الشاعر الدمشقي ابن الخيَّاط، وسمع عتابه في ذلك، سارع إلى الإعتذار منه، و«أدى له من ماله الخاص»(68).

لم يجد تدمري في هذه الإنجازات التاريخية ما يتعارض مع أصالة طرابلس، وتمسُّكها بدينها وعقيدتها، بل وجد فيها واحدة من المحطَّات التاريخية الإسلامية والوطنية التي يحسن الرجوع إليها، والتأسِّي بها في السنين العجاف.

د: الصليبي والمهاجر ودور السلطة والتاريخ في إنتشار الشيعة

أما كمال الصليبي فيذهب بعيداً في انتشار التشيُّع بين القرنين التاسع والعاشر الميلاديين في بلاد الشام، ومن ضمنها المدن اللبنانية، فقد رأى في ذلك موقفاً من أهل المنطقة ضد الحكم العباسي،(69) أكثر من كونه متأثراً بالحكم الفاطمي، وأنه لم يبق لمذهب السلطة العباسية «بين سكان سائر المدن والمناطق من المسلمين إلا جيوب متفرقة»(70).

أما المسلمون في لبنان فكانوا «في جملة المتحوِّلين إلى المذاهب الشيعية...»(71). بذلك يكون الصليبي قد افترض عنصراً سياسياً مختلفاً لإنتشار التشيُّع في بلاد الشام عموماً، والمدن اللبنانية خصوصاً، وهذا ما لم يتوقف عنده المؤرخ تدمري بتاتاً. التشيُّع اللبناني برأي الصليبي، في بعض وجوهه، هو نوعٌ من الإنخراط بالتيّار الجارف الذي تعرضت له منطقة بلاد الشام قاطبةً، وبذلك فإن الصليبي يفترض أصولاً غير تقليدية لنشوء التشيُّع اللبناني، وبالتالي فإنَّ آلية انتشاره، مختلفة تماماً عمَّا ألفناه في الطروحات السابقة، ويعيّن توقيتاً واضحاً له «بعد عهد المتوكل»(72). إذن نحن في صدد بداية لظهور التشيّع اللبناني في أعقاب السياسة التي اعتمدها الخليفة العباسي المتوكل مع المذاهب والأديان المخالفة، ما يعني أن الأصل خارجي، والتفاعل خارجي وداخلي.

يؤيد الصليبي الرأي بأن بني عمّار في طرابلس هم شيعة إمامية إثني عشرية، ويرى الإنتشار الشيعي الإمامي في لبنان في مستهل العهد السلجوقي على الشكل التالي: «والشيعة الإمامية في جبل عاملة، وبلاد بعلبك، وكسروان، ومناطق أخرى يصعب تحديدها، بما فيها بعض مدن الساحل على الأقل...»(73).

لم يحدّد الصليبي، بما يكفي، خريطة الإنتشار الشيعي في المدن اللبنانية في أواسط القرن الخامس الهجري والحادي عشر الميلادي، لكنه فتح مجالاً غير محدود بقوله \"ومناطق أخرى يصعب تحديدها، ما يعني أن هذا الإنتشار مرشّحٌ، من حيث المبدأ، ليكون في معظم نواحي ومدن لبنان، أي معظم محافظات لبنان اليوم، هذا ما نستخلصه من جبل عاملة، وبلاد بعلبك، وكسروان، وبعض مدن الساحل، ومناطق أخرى يصعب تحديدها.

في مقاربته لانتشار التشيُّع يحافظ المؤرخ المهاجر على فرضياته السابقة لينطلق منها، سواء في البقاع والشمال، أو في الجنوب، حيث ستكون مدينة بعلبك مقصداً في الإنتشار الأول، ومدينة طرابلس في الثاني، ومدينة صور في الإنتشار الثالث، وذلك تحت تأثير عوامل اقتصادية، وديموغرافية، وتاريخية متنوِّعة،(74) وفي فترات تاريخية غير متزامنة بالضرورة. بهذه الطريقة تبدو افتراضات المهاجر متناسقة، من دون أن يعني ذلك أنها مستندة إلى معطيات تاريخية واضحة وكافية.

وما بدا أنه أدلَّة غير جازمة في المنطلقات الأولى في البقاع والشمال، غدا سياقاً لازماً في الإنتشار والتوسُّع، حيث أن المؤرخ اعتبر مهمته الرئيسة تكمن في التأسيس وقد أنجزه، أما التطوُّرات اللاحقة فهي متروكة لطبائع الأمور، ومنطق التاريخ.

من هنا فإننا في مرحلة الانتشار فقدنا حتى النصوص الفريدة والنادرة عن العملية الفعلية المفترضة، فقد كان الإنتقال بين مشهدين، أولهما مفترض والثاني موثّق، عملاً خيالياً وعقلياً خالصاً، وخالياً من المصادر التاريخية الوثيقة الصلة، إنها رواية تاريخية منطقية بذاتها، ولكنها ليست سياقاً تاريخياً مدعوماً ومعزَّزاً بالوقائع والحقائق الثابتة.

تبقى إشارة تتعلق بالأثر الفاطمي لتشيُّع أهل طرابلس، فهو يرفض ذلك باعتبار الخلاف المذهبي بين الشيعة الإمامية، سكان طرابلس، والإسماعيلية، مذهب الفاطميين، وأن الصدام الفكري بين المذهبين قائم في تلك الفترة، و«كان يصل إلى حدِّ البطش والقتل»(75)، ثم بسبب باطنية الفاطميين، حيث «أن مذهبهم لم يكن يوماً دعوة تبشيرية»(76).

القول بأن المذهب الفاطمي لم يكن يوماً دعوة تبشيرية لا يعكس الواقع التاريخي، من الناحية النظرية والفكرية على الأقل، ولا يمكن إثبات هذه الفرضية بقلة المنتمين أو الملتحقين بالمذهب الإسماعيلي، فهذا أمرٌ لا يتعلق بالمذهب المعروض أو المطروح فقط، ثم إن المذهب الفاطمي دعوة قبل أن يكون دولة، واستمر على هذا النحو عقوداً، قبل أن تتقدّم الدولة على الدعوة.

هـ: ملاحظات

واستنتاجات ختامية

بخلاف مقاربات الأصول فقد بدت مقاربات الإنتشار أقل تبايناً وأوثق بناءً، فقدإعتمد السيد الأمين على بروز الأعلام الشيعية، ومراسلات السيد المرتضى، ومشاهدات خُسرو، كما بنى على ظهور الدول الشيعية في إطلاق مقولته عن الإنتشار العظيم للشيعة في بلاد الشام. أما حِتِّي وحمادة ومكي فقد استغرقوا بمشاهدات ناصر خُسرو، من دون أن تصل آراؤهم إلى حد التطابق. وإذا كان المؤرخ تدمري قد اختلف بعض الشيء عن أقرانه، لا سيما في رأيه ببعض مشاهدات خُسرو إلا أن حصيلته الإجمالية لجغرافية انتشار الشيعة في لبنان الوسيط بدت متقاربة مع الإتجاه العام للمؤرخين المُحْدَثين.

وفي خصوص مقاربة الصليبي فقد لاحظنا تعليلاً سياسياً لديه ينطلق من سياسة العباسيين، ويشمل بمفعوله معظم مناطق بلاد الشام، وهذا ما يذكِّرنا بمقولة السيد الأمين عن الإنتشار العظيم للشيعة في بلاد الشام بدءاً من أواخر القرن الثالث وحتى القرن الخامس الهجري. تابع الشيخ المهاجر مساره الذي افترضه للشيعة في بعلبك وطرابلس والجنوب وعلى الرُّغم من إفادته من مشاهدات خُسرو، إلاّ أنه بدا متجاوزاً له حيناً، ومستغنياً عنه بعض الأحيان، بفعل فرضياته التأسيسية، ما ظهر وكأن التاريخ يقطع مراحله بصورة تلقائية وطبيعية.

أخيراً يمكن القول بأن هذا العرض المتعدِّد لمقاربات المؤرخين المُحْدَثين لأصول الشيعة الإمامية وانتشارهم في تاريخ لبنان الوسيط، مع هذا الكم من الملاحظات والتعليقات، قد يصلح مادة استطلاعية لأعمال بحثية أوسع مساحة، وأعمق توغُّلاً، في تاريخ الشيعة خصوصاً، وسائر العائلات الروحية اللبنانية على وجه العموم.

الهوامش:

(1) محسن الأمين: خطط جبل عامل، حققه وأخرجه حسن الأمين، دار المحجة البيضاء، الطبعة الثانية، بيروت 2015، ص11.

(2) الأمين: خطط جبل عامل، ص60.

(3) المرجع نفسه، ص62.

(4) المرجع نفسه، ص71.

(5) المرجع نفسه. أما نص الحرّ العاملي فهو على الشكل التالي:«...ثم في زمن عثمان لمَّا أخرج أبا ذرّ إلى الشام، بقي أيَّاماً فتشيَّع جماعةٌ كثيرة، ثم أخرجه معاوية إلى القرى فوقع في جبل عامل، فتشيَّعوا من ذلك اليوم.» الحّر العاملي، محمد بن الحسن (ت.1104هـ/1693م): أمل الآمل، تحقيق أحمد الحسيني، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، بيروت 2010، ص 13.

(6) الأمين: خطط جبل عامل، 72.

(7) المرجع نفسه.

(8) وللمؤرخ حسن الأمين، نجل المرجع الإمام محسن الأمين، رأي في هذا المجال حيث يقول: «إذا كان العامليُّون يتداولون هذا الأمر جيلاً عن جيل، فإنه ليس بأيدينا مستند تاريخي يؤكده، بل ليس لدينا إلا هذه الشهرة الموروثة عن أسلاف العامليين، سلفاً عن سلف، دون الإرتكاز على نص كتابي مدوَّن عنه...».

(9) حسن الأمين: دائرة المعارف الإسلامية الشيعية، المجلد التاسع، الطبعة الخامسة، دار التعارف، بيروت 1995، ص133.

(10) فيليب حِتِّي: تاريخ لبنان، ترجمة أنيس فريحة، مراجعة نقولا زيادة، دار الثقافة، بيروت، د.ت. ص28.

(11) المرجع نفسه، ص314.

(12) محمد علي مكي: لبنان من الفتح العربي حتى الفتح العثماني، دار النهار، الطبعة الرابعة، بيروت 1991، ص56.

(13) المرجع نفسه.

(14) المرجع نفسه.

(15) كمال الصليبي: بيت بمنازل كثيرة، مؤسسة نوفل، الطبعة الثانية، بيروت 1991، ص122.

(16) المرجع نفسه، ص177.

(17) الصليبي: بيت بمنازل كثيرة، ص179.

(18) ومن الأمور التي عبّرت عن الإنسداد العام في مقاربة أصول الشيعة في لبنان ما ذكره المؤرخ حسن الأمين، بطريقة غير مباشرة، عندما قال: «... من هنا فإننا يجب أن نتساءل لماذا احتفظ جبل عامل بتشيُّعه في حين أن التشيُّع زال من طرابلس وغير طرابلس، بدلاً من أن نتساءل متى بدأ التشيُّع في جبل عامل»، حسن الأمين: دائرة المعارف الإسلامية الشيعية، المجلد السادس، ص133.

(19) جعفرالمهاجر: التأسيس لتاريخ الشيعة في لبنان وسورية، دار الملاك، الطبعة الأولى، بيروت 1992، ص21.

(20) المرجع نفسه.

(21) المرجع نفسه.

(22) المهاجر: التأسيس لتاريخ الشيعة، ص21.

(23) المرجع نفسه، ص29ـ30.

(24) جعفرالمهاجر: شيعة لبنان والمنطلق الحقيقي لتاريخه، دار بهاء الدين العاملي للنشر والتوزيع ،الطبعة الأولى، بعلبك 2013، ص42.

(25) اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن واضح (ت. 284هـ/ 897 م): البلدان، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، بيروت 1988، ص86.

(26) إبن فضل الله العمري، أحمد بن يحيى(ت.749هـ/ 1348م): مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، تحقيق كامل سليمان الجبوري ، المجلد الرابع، دار الكتب العلمية، بيروت 2010، ص 185. وقد ورد هذا النص مع إختلاف في عبارة لدى القلقشندي، شهاب الدين أحمد بن علي(ت.821هـ) في كتابيه: صبح الأعشى في كتابة الإنشا، المجلد 1، دار الكتب المصرية، القاهرة 1922، ص328، ونهاية الأرَب في معرفة أنساب العرب، دار الكتب العلمية، بيروت د.ت، ص389.

(27) اليعقوبي: البلدان، ص88.

(28) «وجبل صدِّيقا بين صور وقدس وبانياس وصيدا، ثم قبر صدِّيقا عنده مسجد، له موسم يوم النصف من شعبان، يجتمع إليه خلق كثير من هذه المدن ويحضره خليفة السلطان....» المقدسي، أبو عبدالله محمد بن أحمد (ت.380هـ/990 م): أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، تحقيق محمد مخزوم، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1987، ص162.

(29) المهاجر: التأسيس لتاريخ الشيعة، ص204.

(30) « ...وأهل طبريّة، ونصف نابلس وقدس، وأكثر عمَّان، شيعة...». المقدسي: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ص 153.

(31) المهاجر: شيعة لبنان والمنطلق الحقيقي لتاريخه، ص96.

(32) المرجع نفسه، ص97.

(33) منير إسماعيل: كتابة تاريخ لبنان إلى أين، التكوين السكاني الاجتماعي، بحوث ومناقشات الندوة الدراسية التي نظمتها جمعية متخرجي المقاصد الإسلامية في بيروت نيسان 1993، ص107.

(34) المرجع نفسه.

(35) إلياس القطار: لبنان في القرون الوسطى، الجزء الأول، من الفتح العربي ـ الإسلامي إلى الإحتلال الفرنجي، بيروت 2002.

(36) المرجع نفسه، ص17.

(37) القطار: لبنان في القرون الوسطى، ج1، ص57.

(38) المرجع نفسه، ص57 و98.

(39) المرجع نفسه.

(40) إلياس القطار: أصول الجماعات اللبنانية ودورها في التاريخ القديم والوسيط، بحث ضمن مجموعة أبحاث تحت عنوان، لبنان: التاريخ والجغرافيا والقوى السياسية في لبنان، تيار المستقبل، بيروت 2008، ص21.

(41) القطار: أصول الجماعات اللبنانية، ص21.

(42) سعدون حمادة: الثورة الشيعية في لبنان 1685- 1710، دار النهار، بيروت 2012، ص47.

(43) المرجع نفسه، ص 69.

(44) محسن الأمين، خطط جبل عامل، ص73.

(45) المرجع نفسه.

(46) المرجع نفسه، ص67.

(47) محسن الأمين: خطط جبل عامل، ص75.

(48) المرجع نفسه، ص 75 و76.

(49) المرجع نفسه، ص67.

(50) فيليب حِتِّي، تاريخ لبنان، ص341. ثمَّة نصَّان لناصر خسرو في هذا الشأن أحدهما لطرابلس والثاني لصور على الشكل التالي: «...وسكان طرابلس كلُّهم شيعة...». « وتُعرف مدينة صور، بين مدن ساحل الشام، بالثراء، ومعظم سكانها شيعة...». خسرو، ناصر(ت.452هـ/1060م): سفرنامة، ترجمة يحيى خشاب، دار الكتاب الجديد، بيروت 1983، ص 48 و50.

(51) المرجع نفسه، ص342.

(52) المرجع نفسه، ص498.

(53) المرجع نفسه، ص498.

(54) محمد حمادة: تاريخ الشيعة في لبنان وسوريا والجزيرة في القرون الوسطى، ترجمة محمود الزين وإشراف الشيخ جعفر المهاجر، دار بهاء الدين العاملي للنشر والتوزيع، بعلبك 2013، ص216.

(55) محمد حمادة: تاريخ الشيعة في لبنان وسوريا والجزيرة، المرجع نفسه، ص217.

(56) حمادة:المرجع السابق، ص305.

(57) محمد علي مكي: لبنان من الفتح العربي إلى الفتح العثماني، ص10.

(58) عمر تدمري: لبنان من قيام الدولة العباسية حتى سقوط الدولة الإخشيدية (132-358هـ/750-969م)،جرّوس برسْ، طرابلس 1992، ص142.

(59) تدمري: لبنان من السيادة الفاطمية حتى السقوط بيد الصليبيين (358ـ518هـ/969ـ1124م)، القسم الثاني ـ التاريخ الحضاري، دار الإيمان، طرابلس 1994، ص387.

(60) المرجع نفسه.

(61) تدمري: لبنان من السيادة الفاطمية، ص387. راجع خسرو: سفرنامة، ص 48.

(62) تدمري: المرجع السابق.

(63) المرجع نفسه.

(64) ورد في كتابه نفسه ما يلي « كان العلماء في غالبيِّتهم الساحقة من أهل السنّة والجماعة، مع كثرة الشيعة في صور وأعمالها». عمر تدمري: من السيادة الفاطمية حتى السقوط بيد الصليبيين، ص305، وفي مكان آخر «والملفت أن صور، مع كثرة الشيعة فيها، كان قضاتها وحكامها كلُّهم سُنة، وكذا أكثر العلماء والمحدِّثين والفقهاء» المرجع نفسه، ص394.

(65) عمر تدمري: لبنان من السيادة الفاطمية حتى السقوط بيد الصليبيين، ص389.

(66) المرجع نفسه.

(67) تدمري: لبنان من السيادة الفاطمية، ص389.

(68) المرجع نفسه، ص390.

(69) تدمري: المرجع السابق.

(70) كمال الصليبي: منطلق تاريخ لبنان 634 ـ 1516،الطبعة الثانية، دار نوفل، بيروت 1992 ص59.

(71) المرجع نفسه ص59 و60.

(72) المرجع نفسه، ص60.

(73) الصليبي: منطلق تاريخ لبنان، ص62.«»

(74) الصليبي: المرجع نفسه، ص73.

(75) الشيخ جعفرالمهاجر: شـيعةُ لبنان والمُنطلَقُ الحقيقي لتاريخه، ص80.

(76) المهاجر: شيعة لبنان والمُنطلَق الحقيقي لتاريخه ، ص97.

(77) المرجع نفسه، ص97.

المصادر والمراجع

أولاً المصادر:

ـ ابن فضل العمري، أحمد بن يحيى(ت.749هـ/ 1348م): مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، الفصل المخصّص لقبائل العرب، تحقيق كامل سليمان الجبوري ومهدي نجم، 27 مجلداً، دار الكتب العلمية، بيروت 2010.

ـ الحّر العاملي، محمد بن الحسن(ت.1104هـ/1693م): أمل الآمل، تحقيق أحمد الحسيني، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، بيروت 2010.

ـ خسرو، ناصر(ت.452هـ/1060م): سفرنامة، ترجمة يحيى خشاب، دار الكتاب الجديد، بيروت 1983، ص 48 و50.

ـالقلقشندي، شهاب الدين أحمد بن علي(ت.821هـ/1418م):

- صبح الأعشى في كتابة الإنشا، المجلد 1، دار الكتب المصرية، القاهرة1922.

- نهاية الأرَب في معرفة أنساب العرب، دار الكتب العلمية، بيروت د.ت.

ـ المقدسي، أبو عبدالله محمد بن أحمد(ت.380هـ/990 م): أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، تحقيق محمد مخزوم، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1987.

ـ اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن واضح (ت. 284هـ/ 897 م) : البلدان، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، بيروت 1988.

ثانياً المراجع:

ـ إسماعيل، منير: كتابة تاريخ لبنان إلى أين، التكوين السكاني الاجتماعي، بحوث ومناقشات الندوة الدراسية التي نظمتها جمعية متخرجي المقاصد الإسلامية في بيروت نيسان 1993.

ـ الأمين، حسن: دائرة المعارف الإسلامية الشيعية، المجلد التاسع، الطبعة الخامسة، دار التعارف، بيروت 1995.

ـ الأمين، محسن: خطط جبل عامل، حققه وأخرجه حسن الأمين، دار المحجة البيضاء، الطبعة الثانية، بيروت 2015.

ـ حِتِّي، فيليب : تاريخ لبنان، ترجمة أنيس فريحة، مراجعة نقولا زيادة، دار الثقافة، بيروت، د.ت. حمادة، سعدون: الثورة الشيعية في لبنان 1685- 1710، دار النهار، بيروت 2012.

ـ حمادة، محمد: تاريخ الشيعة في لبنان وسوريا والجزيرة في القرون الوسطى، ترجمة محمود

ـ الزين، إشراف الشيخ جعفر المهاجر، دار بهاء الدين العاملي للنشر والتوزيع، بعلبك 2013.