الحديث عن علماء الشيعة في بلاد بعلبك وكسروان
إعداد الأستاذ السيّد محمد الموسوي
نبذة تاريخيّة في ترجمة
الشيخ أحمد بن معقل الحمصي
هو الشيخ الجليل والفقيه النبيل الحجّة الفذ أبو العباس، وقيل أبو الحسين عز الدين أحمد بن علي بن الحسين بن المْعقِل بن الحسّن بن أحمد بن الحسين بن علي بن عبدالله بن مَعقِل، الأزدي المهلبي، شامي حمصي الأصل والولادة دمشقي الإقامة والوفاة.
أمّا لماذا الشيخ إبن معقل؟
لأنّه علامة فارقة، إمتاز بخصائص مُهمّة جعلته في الطليعة بين الحجج والأقران، فهو من خلال إستقراء سيرته، نقف على طود شامخ وجبل راسخ وعلم واسع الإطلاع أنجبته بلادنا وعاش في ربوعنا اللبنانيّة وهو سابق ومتقدم على الشهيد الأوّل طيّب الله ثراه، وكانت لشيخنا صاحب السيرة صولات وجولات وتنقلات ميدانية في ربوعنا إمتداداً ووصولاً إلى العراق ودمشق وحمص وحلب وبعلبك.
ومَعْقِلٌ في نسبه:
بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف وآخره لام..
مولده: في مدينة حمص سنة سبع وستين وخمس مئة شهد مولد هذا البدر. دخل مدينة بغداد، وقرأ بها العربيّة على الوجيه أبي بكر الواسطي، وابي البقاء عبدالله بن الحسين العكبري وفي مدينة الحلة التي كانت آنذاك مركز ثقل علمي عند الإماميّة ولازم فيها بالمعاصرة والتلمذة عدداً من نجباء الفقهاء وهم ورّام بن أبي فراس عيسى من ذريّة مالك الأشتر النخعيّ صاحب مولانا أمير المؤمنين t، والمحقق الحلّي (رض)، ورافقه في الدراسة الشيخ الأعظم الخواجة نصير الدين محمد بن الحسن الطوسي (رض). وفي مدينة حمص قرأ وتتلمذ فيها على نزيلها إبن الدهان الموصلي (581هـ) وغيره وكذا في مدينة حلب تتلمذ على جماعة ثُمّ في مدينة دمشق حيث لقي أهم أساتذته في اللغة تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي (ت 613 هـ) من كتبه: ديوان شعر، لم يصلنا وما وصلنا من آثاره هو الكتاب المسمى [ الإيضاح والتكملة ] ليس له بل لأبي علي الفارسي فقد نظمه شيخنا الجليل نظماً حسناً أجاد فيه، وعرضه على العلاّمة أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي البغدادي ثُم الدمشقيّ فاستجازه وله شعر حدَّث بأقطاع منه، وحدَّث أيضاً بكتابه «نظم الإيضاح والتكملة». وقد طُبع كتابه هذا إعتمد المحقق في تحقيقه للكتاب على نسخة المؤلف الموجودة في مكتبة «فيض الله» باستنبول وهي الأصل ونسخة ثانية في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة، صدر بتحقيق الدكتور عبد الكريم الأشتر الحلبي والدكتور عبد العزيز بن صالح المانع الأستاذ في كلية الآداب ـ جامعة الملك سعود ـ الرياض في خمسة أجزاء في أربعة مجلدات صدر عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلاميّة عام 2001م...
وأقام شيخنا الجليل جزءاً مُهماً من حياته في مدينة بعلبك، ترك فيها بصمات راسخة واضحة.
وفاته: في ليلة الخامس والعشرين من شهر ربيع الأوّل سنة أربع وأربعين وست مئة توفي الشيخ الفاضل أبو العباس أحمد بن علي بن معقل الأزدي المهلبي الحمصي النحوي في مدينة دمشق، ودفن في الغد بسفح جبل قاسيون.
من آثاره وإنجازاته:
من أبلغ تلاميذه هو إبن أخته، الصفيّ أحمد بن علي بن حمْيَر البعلبكي. كان شاعراً من أماثل أهلها. وله جدة، وعنده مكارمة وكان غالياً في التشيّع. مات في عشر الخمسين.
ومن تلامذته أيضاً التقي، مبارك بن حامد بن أبي الفرج الحداد، الشيعي ببعلبك توفي وهو في عشر السبعين. ورثاه إبن مقبل ـ معقل الحمصي، وكان عنده دين وأمانة وتقيٌّدٌ بمذهبه. من وفيات سنة أربع وسبعين وستماية. وبالتالي يكون هذا ابن مقبل إبن من صُلب الشيخ أحمد بن علي بن معقل الحمصي فتبيّن ولاحظ..
ومن آثاره ونتاجه أعني الشيخ ابن معقل وبقية عقبه لصُلبه في مدينة بعلبك نقرأ إسم أحد العلماء الشوامخ الشيخ نور الدولة، أبو الحسن، علي بن أحمد بن العُقيب العامري البعلي، كان رجلاً فاضلاً في النحو إشتغل على إبن معقل الحمصي، وفيه ديانة وشرف نفس، وله شعر جيد، توفي ليلة الخامس والعشرين من ربيع الأوّل سنة أربع وسبعين وستمائة، ودُفِنَ من الغد بمقابر باب نحلة.. من مروياته عن شعره بلسان بدر الدين بن زيد البعلبكي. ومن عُدّة هؤلاء العلماء نقيب السادة الأشراف بمدينة بعلبك السيد فخر الدين أبو محمد، الحسن بن علي بن الحسن بن ماهد بن طاهر بن أبي الجنّ الحسينيّ كان نقيب الأشراف وابن نقيبهم ببعلبك، وكان عالماً نسّابة توفي سحر ليلة الأحد تاسع ربيع الأوّل سنة أربع وسبعين وستماية. وحُمل إلى دمشق فدفن بسفح جبل قاسيون ومولده سنة ثمان وستماية... وهو من أعقاب السيد إسماعيل الأعرج ابن مولانا حضرة الإمام أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق o، وأمّا المراد بالجن بالسيد علي وعقبه كان في دمشق ولا زال وبالعراق منهم بيت الزكي وفي بعلبك كان منهم السيد علي بن العباس قاضي بعلبك. أنظر عمدة الطالب ص 240.
ومن عدَّتهم أخوه السيد الشريف مؤيد الدين أبو عبدالله، الحسين بن الشريف نظام الدين علي بن الحسن بن ماهد بن طاهر بن أبي الجن الحسينيّ، كان شاباً حسناً، دمث الأخلاق، كثير الإحتمال، من أعيان الأشراف، ووُلي والده النقابة، مات يوم الأربعاء سادس ربيع الآخر سنة سبعين وستماية بقلعة بعلبك ودُفن بمقبرة باب سطحا ولم يبلغ الأربعين من العُمر (رحمه الله سبحانه). ومن عُدّتهم الأمير سيف الدين، عيسى بن ناصر الدين موفق بن الزهر مبارك التنوخي، كان من أعيان أمراء الجبال، كثير الخير والمروءة، صادق اللهجة لا يذكر أحداً بسوء، كثير البّر بأصحابه ومعارفه. توفي ليلة الأحد خامس شهر صفر سنة اثنتين وسبعين وستماية في مدينة بعلبك، وحُمِلَ إلى قرية بحوشية من قرى البقاع البعلبكي، وهي شمالي كرك نوح، فدفن بها عند أهله؟ وهو في عشر السبعين.
ومن عدّتهم أخوه الأمير نجم الدين، محمد بن موفق بن الزهر مبارك التنوخيّ، كان عنده ديانة ومكارم، وحُسن صُحبة، وأدب، وغُلّو في التشيع، توفي ليلة السبت سابع عشر رجب سنة اثنتين وسبعين وستماية بقرية بحوشية عند أهله؟ وبها دُفن، وهو في عشر الستين.
جزء من أحوال
علماء أسرة آل الأحواضي
غنيٌ عن التعبير سبقنا في التعريف بالأسرة الجليلة بيت الأحواضي أهل بلدة حراجل، البلدة الكسروانيّة المشهورة لوقتنا بفارق واحد هو حصول تبدّل ديني سببه عوامل وافرازات خمسة قرون ونيف وصاعداً.
والأسرة الجليلة كريمة، أبناؤها ذوو نجابة ونباهة، ويمتد عالي نسبها الشريف الطاهر إلى الحارث بن الأعور الهمدانيّ رضوان الله عليه من أصحاب مولانا الإمام عليّ بن ابي طالب t.. فيقال لهم تعريفاً به بالحارثي قاله غير واحد من النسّابين. منهم مفيد الدين، محمد بن الشيخ جمال الدين أبي صالح عبدالله بن أبي أسامة الحلبي الجبلي؟ بن الأحواضي، كان مُفًنناً يعرف المنطق والفلسفة، أبوه شيخ الشيعة والمقتدى به عندهم مات في حياة والده توفي ليلة الجمعة رابع جمادى الأولى سنة أربع وسبعين وستماية في قرية حراجل من جبل الجرديين (كسروان). وعندي أن إسمه أحمد وأخاه الثاني الملقب بشمس الدين هو محمد ويأتي ومن عدّتهم الشيخ الجليل شمس الدين محمد بن الشيخ جمال الدين أبي صالح عبدالله بن ابي أسامة الحارثي ـ الأحواضي.
كان شاهداً تحت الساعات في مدينة دمشق وهي وظيفة قيّمة تولاها شيخنا المومى إليه إنتقل إلى رحمة ربّه في يوم الإثنين الثالث والعشرين من شعبان سنة ست وسبعمائة وهو في عشر السبعين وكان شيخاً من شيوخ الشيعة وكذلك أخوه المفيد...
وانفرد بفائدة لم أرها مقروءة عند أحد من المؤرخين القدماء ولا المعاصرين بإستثناء أحدهم وهذه الفائدة:
أنّ الشريف زين الدين بن عدنان هو إبن أخت علمائنا الاجلاء آل الأحواضي الحارثيين الهمدانيين. وبالتالي يكون قد ظُلِمَ السيد زين الدين q عدّة مرات. أولى باتهامه في إنقلابه على مذهب أجداده كما توهمه شيخنا الآقا بزرك الطهراني (رض).
وادعاء كاتب بند في السجل الإرسلاني أنّه تزوج سيدة تنوخيّة وزّوج أخته من أمير تنوخي؟
أيضاً سياق النسب الموجود في السجل المذكور يتضمن جُملاً بموضع نسب السيد زين الدين عدنان. حيث رفعوه إلى السيد زيد الشهيد (رض) بينما نقباء دمشق السادة بني عدنان سادة منقذيون أعرجيون...
ومنهم والد الأحواضي:
قدِمَ علينا دمشق الشيخ أبو اسحاق إبراهيم بن الشيخ القدوة محمد بن عبدالله الظاهري المتولد بحلب سنة سبع وأربعين وستماية وقرأ عليه من الأعلام جمّ غفير كتاب عوالي الحارث بن أبي أسامة بروايته عن يوسف بن خليل حضوراً في أوّل سنة من عُمره. إنتهى.
وبالعودة إلى إسم وسيرة سيدنا نقيب السادة الأشراف بمدينة دمشق زين الدين بن عدنان، وباستطلاع الفارق في نسبه بين ما هو في البحور والجرائد والمشجرات والمبسوطات وبين ما هو مدون في السجل الإرسلانيّ، نميلُ ميلاً مؤكداً إلى ما هو مدّون في البحور والجرائد ومشجرات ومبسوطات كتب أنساب الطالبيين وعن ورود إسمه بشكلٍ كبير وعلى نطاقٍ واسع بين أسماء من جاؤوا مع الحملة المملوكيّة على كسروان، نعلم علم اليقين أنّه حضر إلى زعماء وقادة الحملة بعد مرور خمسة عشر يوماً من بدء الحملة... بالتالي عدم مشاركة سيدنا إبن عدنان في التخطيط والتنفيذ وهو أمرٌ ظاهر بارز عيِّن وتعرّضه لمؤامرة وخدعة وهو إنما صَعَدَ جبل كسروان لزيارة بيت أخواله آل الأحواضي في بلدة حراجل بالتالي ظلمه بعض علمائنا ، ظنّاً منهم ـ في مشاركته القوم، وهو بريءٌ من ذلك كل البراءة...
ولو شئنا أن نبحث وندوّن تاريخ ساداتنا بيت عدنان الحسينيين، فإن بيتهم مداده الأفلاك وسماكة الأرض، علماء أجلاء، فضلاء ذوو فخار وسؤدد، ملأت سيرهم وأنسابهم كتب أنساب السادة الطالبيين، نقباء دمشق أباً عن جد، مشتركون في هذا الطرز الفخيم مع ساداتنا بيت أبي الجن وبيت المنتوف أعقاب عمنا السيد إسماعيل الأعرج إبن مولانا الإمام الهمام أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادق سلام الله عليهما.
وسلام الله على أصلهم الطيب الفخيم... وبيتهم قديم في دمشق وكانوا قبلها في الحجاز في مدينة طيبة مدينة جدهم سيد سادات العالمين رسول الله w، وتوالوا على استلام أشرف المناصب والوظائف لدأبهم على الخير من مثل كتابة بيت المال وكتابة السر ونحوهما من الوظائف إضافة لنقابة الأشراف. وأمّا اليوم فلم يعد لهم وجود بين ظهرانينا، على رغم المتابعة والبحث الطويل، وجُلّ ما علمناه عنهم هو نزول ذيل منهم إلى القرن التاسع وبعدها إنقراض أعقابهم مع شديد الأسف ـ [أنظر المشجرة] ودفنوا في خارج مقبرة باب الصغير بمدينة دمشق، وفي زماننا الحاضر إندرست مقابرهم مع الأسف الشديد وَطُمست على ما تبيّن عندي بالسؤال والبحث والمتابعة، ولا حول ولا قوة إلا بالله...