حُبُّ أهل السُنّة لآل البيت وللإمام الحسين i

4/1/2016
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم: الشيخ الدكتور محمود بن سليم اللبابيدي (1) 

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقِّ، فجاء رحمة للعالمين وسراجاً منيراً للمهتدين والمسترشدين، هدى الله به الأُمة وكشف به الغُمّة وأخرج به الناس من الظُلمات إلى النور فجزاه الله خير ما جزى نبياً عن أُمته.

أما بعد، يقول الله عز وجل:} إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً { سورة الأحزاب، 33.

لقد أكرم الله آل بيت النبيّ الأعظم صلوات الله وسلامه عليه منـزلة عظيمة وقرابة زكية فاخرة، وجعل منهم الأئمة الكرام والعلماء الأعلام فكانوا للناس مصابيح هداية يضيئون وسط ظلام الفتن وطغيان الفساد ويذودون عن حياض الشريعة الغراء باللسان والسنان، قائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يخافون في سبيل الله لومة لائم، لُيوثاً في مواطن الحقِّ والجهاد وبحوراً في العلم والدراية ورثوا من علوم جدّهم المصطفى w، ما يسعدهم في الدنيا والآخرة وساروا على هديه ودربه فجزاهم الله عن أُمة نبيه خيراً عظيماً.

وها نحن إذ نعرض للكلام عن أهل البيت الطاهرين الكرام نتناول البحث في مآثر شخصية كبيرة فذّة من كبار رجالات آل البيت الصالحين، الإمام الشهيد الحسين بن عليِّ (رضي الله عنهما).

مولده الميمون ونسبه المصون:

في السنة الرابعة من الهجرة المباركة وهناك على أرض يثرب التي طابت وتنّورت بقدوم الرسول الأكرم، وُلِدَ سبطا رسول الله w الحسنان الشهيدان وجاءت ولادة الحسين بعد أخيه الحسن بسنة أو عشرة أشهر على الأشهَر، وُلِدَ ذاك الإمام العظيم أبو عبد الله الحسين بن عليِّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي خامس أهل الكساء، السند الشريف والسيد العفيف الكرار بن الكرار، من أُم تقية طاهرة مباركة هي فاطمة الزهراء بنت سيد المرسلين الأعظم w ففرح لولادته القلب وقرّت به العين كما قرّت بأخيه من قبل، وحظي بحبِّ كبير من جدّه رسول الله w مع ما ناله من البركة والخير حيث إن الرسول w عَقَّ عنه وعن الحسن كبشاً كبشاً ووزنت له أمه شعره وشعر الحسن وأم كلثوم فتصدقت بزنته فضة، واختار له الرسول عليه الصلاة والسلام هذا الاسم اللامع كما اختار اسم أخيه

الحسن من قبل؛ فقد أخرج الطبراني بسنده عن سالم عن أبي الجعد قال: قال عليّ (رضي الله عنه): كنت رجلاً أحبُّ الحرب فلما وُلِدَ الحسن هممت أن أُسميه حرباً فسماه رسول الله w، الحسن، فلما وُلِدَ الحسين هممت أن أسميه حرباً فسماه الحسين.

وقد ذُكِرَ أن اسم الحسن والحسين لم يكونا معروفين في الجاهلية حتى سمى بهما رسول الله سبطيه الحسنين كما ذكر ابن الأثير في «أسد الغابة» وغيره.

ذكر شيء من صفتهt:

كان الإمام الحسين رضي الله عنه سيداً وسيماً جميلاً فصيحاً عالماً عاقلاً رزيناً مُحتشماً جواداً كريماً كثير الخير ديّناً وَرِعاً كبير الشأن عظيم القدر يشبه بخِلقته جَدَّه رسول الله w؛ فعن عليّ (رضي الله عنه) أنه قال: الحسين أشبه برسول الله من صدره لقدميه، وعن عبيد الله بن يزيد قال: رأيت الحسين بن علي أسود الرأس واللحية إلا شعرات في مُقدِّم لحيته، وروي أنَّه كان يصبغ شعره بالوسمة وهي نبت يختضب به وكان مع ذلك طويل الشعر يضرب أحياناً إلى منكبيه.

جملة من مناقبه وفضائله العظيمة:

لقد كان سيدنا الحسين رضوان الله عليه إماماً عظيمًا وسيداً سنداً جليلاً، سيفاً من سيوف الحقِّ وجبلاً يمشي على قدمين كريم الأصل شريف النسب ذا مرتبة عالية ورفعة بالغة، تعلَّم وسمع من جدّه الرسول عليه الصلاة والسلام فحدّث عنه وعن أبويه (رضي الله عنهما)، وحدَّث عنه ولداه عليِّ وفاطمة وابن أخيه زيد بن الحسن وبنته سكينة والشعبيّ والفرزدق الشاعر وغيرهم، وكان عالماً مُبجِّلاً وسيداً مُعظماً مُحترماً يَجلّه الناس وكبراء أصحاب النبيّ w، كأبي بكر وعُمر وعثمان وغيرهم من طليعة القوم، ويعرفون ما للحسين من قدر ومقام؛ فقد وردت في شأنه الفضائل وتعددت فيه المكارم فكان صفوة من الرجالَ وخِيرةٌ من القوم عابداً زاهداً خاشعاً كثير العبادة، فاضلاً يكثر من الصلاة والصيام والحجِّ حتى قيل إنَّه حجَّ خمساً وعشرين حجة ماشياً، وكان كريماً كثير الصدقات يرحم المسكين ويعين الضعيف، شملته دعوة جده الرسول الأكرم w، لما جلله هو والحسن وفاطمة وعليِّ بكساء ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً».

إن رجلاً أحبَّه الرسول w جدير أن يكون بهذه الصفات وبهذه المكارم العالية، كيف لا وهو الحِبُّ أخو الحِبّ كما دلّت على ذلك الأخبار وشهدت بذلك النقول الصريحة والآثار؛ ففي جامع الإمام الترمذي أن النبيِّ w، دعا للحسن والحسين فقال: «اللّهم إني أحبهما فأحِبًّهما».

وفي المسند عند أحمد والطبراني وغيرهما عن أبي سعيد مرفوعاً: « الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة » وعن ابن عمر (رضي الله عنهم) قال: قال رسول الله w: « هما ريحانتاي من الدنيا » رواه البخاري وفي السنن عند الترمذي: «الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا ».

إن رجلاً هذه منـزلته عند رسول الله w، حري به أن يكون عظيم الصلاح فيحبه الناس ويجلّوه، حتى إن سيدنا عُمر (رضي الله عنه) كان جعل للحسين مثل عطاء الإمام عليِّ خمسة آلاف وكان يكرمه ويوقره؛ فقد ذكر الذهبي في السير عن حمّاد عن مُعمّر عن الزُهري أن عُمر كسا أبناء الصحابة ولم يكن في ذلك ما يُصلح للحسن والحسين، فبعث إلى اليمن فأُتي بكسوة لهما فقال: الآن طابت نفسي، وفي أثر آخر عن أبي المهزم قال: كنا في جنازة فأقبل أبو هريرة ينفض بثوبه التراب عن قدم الحسين ومعلوم أن سيدنا أبا هريرة كان يجلُّ الحسنين ويحترمهما ويحبُّهما حباً برسول الله w، وقد حدَّث مرة فقال: كان الحسين عند النبيِّ w وكان يُحبَّه حباً شديداً فقال: « اذهب إلى أمك» فقلت: أذهب معه؟ فقال: «لا » فجاءت برقة فمشى في ضوئها حتى بلغ إلى أمه. رواه الطبراني.

وفي حديث صحيح رواه الترمذي أن رسول الله w، قال: «حسينٌ مني وأنا من حسين »، معناه محبتي له كاملة ومحبته لي كاملة، مودتي له كاملة ومودته لي كاملة.

وفي حديث عند الحاكم أن رسول الله w، قال: «من أحبّني فليحبَّ حُسيناً ».

استشهاده t:

كان لإستشهاد الإمام الحسين t، مع أشقائه وأهل بيته وأصحابه الكرام الأثر الحزين في قلوب المسلمين عامّة وأهل السُنَّة والجماعة خاصّة عبر القرون والأجيال. وخير مثال على ذلك ما أوثر عن الإمام مُحمّد بن إدريس الشافعي من شعر في محبّة أهل البيت وفي رثاء الإمام الحسين بن عليِّ (رضي الله عنهم أجمعين). [« عن كتاب « ينابيع المودة » للحافظ إبراهيم بن سليمان القندوزي الحنفيّ قال الإمام الشافعي (رضي الله عنه):

[« تـأوَّبَ هـمّي والفـؤادُ كئيـبُ

وأرَّق نومي والرّقـادُ غَريبُ

فمن مُبلغ عني الحُسـين رسـالةً

وإن كرهتها أنفـسٌ وقُـلوبُ

قَتيـلٌ بـلا جُرمٍ كـأن قميصـهُ

صبيغٌ بماء الأرجوان خضيبُ

وللسّـيف أعـوالٌ وللرّمـح رنةٌ

وللخيل من بعد الصّهيلِ نَحيبُ

تَـزلزلـت الـدّنيـا لآل مُحمَّـدٍ

وكادت لهم صُمُّ الجبالِ تذوبُ

وَغارت نُجومٌ واقشـعرت كواكبٌ

وَهُتَّكَ أسـتارٍ وشـقّ جيوبُ

يُصلى على المبعوثِ من آل هاشم

ويغزى بنـوه إن ذا لعجيـبُ

لئـن كـان ذنبي حُـبُّ آل مّحمَّد

فذلك ذنبٌ لسـت عنه أتـوبُ

هم شـفعائي يوم حشري وموقفي

إذا ما بدت للنّـاظرين خُطوبُ»(2)]

دمعة سُنيِّ على الحسين (رضي الله عنه)

والعلاّمة الكبير الشيخ عبدالله العلايلي صنّف ثلاثة كتب عن الإمام الحسين (رضي الله عنه)، كما كان يحاضر في بيروت وفي سائر الحواضر الإسلاميّة في العالم مُعلناً محبته لأهل البيت وللإمام الحسين (رضي الله عنهم أجمعين)، ومن قصيدة قالها في رثاء الحسين (رضي الله عنه)، تحت العنوان الآنف الذكر:

[« نُحَيّي الكرامةَ في شخصِها

نحيّي البطولةَ في ذا العَلم

نحيّي الحقيقة في نُبلها

نُحَيّي الفِداء نحيّي الحُطم

نحيّي ضميراً سما طُهْرُه

نحيّي ضحِيّة حقٍّ غُرِم

نُحَيّي الطهارة في بيتها

إطار الطهارة قدسٌ ودم

نحيّي نبيلاً أبى نُبْلُه

قَراراً وتلك تطل الحُرَم

وتهتضم الحقَّ لا ترْعَوي

إذا الحقُّ أنَّ بصوت الدِّيم

نحيّي فؤاداً تأبّى العَفا

تأبّى الفضيلة ان تَنْحطم

تأبّى الهجوع وصوت الحقو

ق يدوّي إليَّ إليَّ الحَكَم

نحيّي مِثالاً أجاب الندا

فكان فِداءً كرمز الحرم

أجاب ويا روعة للجوا

ب إذ قال مَرحى بسكنى الرُجَم

وفيه افتداء حقوق غدت

تئِنُّ بليل إذا ما اعْتَرَم

وفيه نداءٌ يفُلُّ قوى

ظلوم غشوم إذا ما احْتَكَم

وفيه نداء أيا الظالمين

رُوَيْداً رويداً فللحقِّ يوم

وفيه هَزيمٌ كصوت الرعو

د ويوم الحقيقة يوم حُسم

ويُذكي شعوراً يخيف الظلو

م ويَحمي الحقوق فلا تَنْهَضم

ويُذْكرنا المجد كيف السبيل

وكيف ينال إذا ما اخترم

إلا إنما بالدما وحدها

يردُّ اعتداء عدو خصِم

فما طُلَّ دَمُّ جرى في الثرى

يصيح مدى الدهر يا للهمم

يصيح بصوت رعود رعوب

يهز قرار النفوس الركم

ينبِّه في النشء أمجاده

لرد تُراث ولو في الأُجُم

فطَرَّبتُ لما فهمت الرمو

ز وأرسلتُ دمعيَ فوق الرمم

«أبازيتَ » مجد أحييكم

ونِعم الخشوعُ بذكرى العَلَم...(3)»].

والحمد لله رب العالمين.

 

الهوامش:

(1) عضو تجمع العلماء المسلمين والقائم بمقام مفتي فلسطين في لبنان والشتات.

(2) كتاب «شعائر عاشوراء عند الشيعة الإماميّة»، للقاضي الدكتور الشيخ يوسف محمد عمرو، ص 66 ـ 67.

(3) نفس المصدر، ص 22 ـ 23 ـ 24. يقول العلاّمة الشيخ العلايلي في الهامش: أبا زيت وهي كلمة من وضعنا الجديد، وهي جمع بزيت. ومعناه الثائر لذكرى تأريخيّة. راجع مقدّمة لدرس لغة العرب، ص 254. وهذه القصيدة أجريناها على راي عروض لنا، راجع مقدّمة لدرس لغة العرب، ص 46 إلى 52.