ملحق ثقافي عن أهل البيت (ع) الإمام (ع) عند المفكرين والأدباء المسيحيين

15/11/2018
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم القاضي الدكتور الشيخ يوسف محمد عمرو(1)

الحديث عن الإمام عليِّ (ع)، عند المفكرين والأدباءِ المسيحيين في لبنان والعالم العربيّ والعالم الغربيّ، هو حديث عن المعرفة الإنسانيّة والحضارة الإسلاميّة، وهو حديث عن الصدق في الإيمان والعمل والحرب والسلم، وهو حديث عن النزاهة والعدالة مع الصديق والعدو، وهو حديث عن الزهد في الدنيا وحطامها، وهو حديث عن الفصاحة والبلاغة والحكمة والفلسفة، وهو حديث عن مرجعيّة الإمام عليّ (ع)، في فنون الإسلام ومعارفه وثقافته، بل هو حديث عن رحلة هؤلاء الأحرار إلى عالم المعرفة والإسلام والّذين كان ديدنهم قول الشاعر اللبناني إيليا أبي ماضي:

حُرٌّ ومذهبُ كُلَّ حُرٍّ مذهبي

ما كنتُ بالغاوي ولا المُتعصبِّ..

مع بولس سلامة

لقد تكلَّم القاضي والأديب اللبنانيّ الكبير عن السبب الذي دعاه لنظم أول ملحمة شعريّة في التاريخ العربيّ تحت عنوان (عيد الغدير) وأنَّ ذلك كان بتشجيع من سماحة الإمام السيّد عبد الحسين شرف الدين في أعقاب خريف سنة 1947م. ثُمَّ عقّب على ذلك بقوله: [« ورَبَّ مُعترض قال: ما بال هذا المسيحيّ يتصدى لملحمة إسلاميّة بحتة؟

أجل إنني مسيحي ولكن التاريخ مُشاع للعالمين.

أجل إني مسيحيّ ينظر من أُفق رحب لا من كوة ضيقة، فيرى في غاندي الوثني قديساً، مسيحي يرى (الخلقَ كلهم عِيالُ الله)، ويرى أنَّ (لا فضل لعربيّ على أعجميّ إلاّ بالتقوى). مسيحي ينحني أمام عظمة رجل يهتف باسمه مئات الملايين من النّاس في مشارق الأرض ومغاربها خمساً كل يوم. رجلٌ ليس في مواليد حواء أعظم شأناً منه، وأبعدَ أثراً، وأخلد ذكراً. رجلٌ أطلَّ من غياهب الجاهليّة فأطلت معه دنيا أظلها بلواء مجيد كُتِبَ عليه بأحرف من نور: لا إله إلاّ الله! والله أكبر.

قد يقول قائل، ولم آثرت عليّاً (ع)، دون سواه من اصحاب مُحمّد w، بهذه الملحمة؟. ولا أُجيب على هذا السؤال إلاّ بكلمات، بالملحمة كلها جواب عليه، وسترى في سياقها بعض عظمة الرجل الذي يذكره المسلمون فيقولون (رضي الله عنه وكرّم وجهه، وعليه السّلام)، ويذكره النصارى في مجالسهم فيتمثّلون بحكمه ويخشعون لتقواه، ويتمثّل به الزهاد في الصوامع فيزدادون زُهداً وقنوتاً، وينظر إليه المفكر فيستضيءُ بهذا القطب الوضاءَ ويَتطلّع إليه الكاتب الألمعي فيأتمُّ ببيانه، ويعتمده الفقيه المدرك فيستشهد بأحكامه (2)»].

ويقول الأستاذ رشاد بولس سلامه

عن حياة أبيه:

بل ترسّم بولس سلامه نهج الإمام عليّ (ع)، فخشع لتقواه، وَغضِبَ لغضبته، وانتصر لحقِّه، وأيدَّ عدله وأكبر حلمه، وتمثل به، وراح يأتمُّ ببيانه، ويسترشد بأحكامه، ويقتدي بتعاليمه، ويتأسى بآلامه التي احتلت مساحة حياته\"، منذ تفتحت عيناه على النُورِ في الكعبة، حتى أغمضهما على الحقِّ في مَسجدِ الكوفة (3)»].

وممّا جاء في ملحمته في عيد الغدير بعد ذكره شعراً رجوع النبيِّ w، وللمسلمين من حجّة الوداع، ونداءُ النبيّ w، لهم عند مُفترق الطُرق للحجيج في مكان يُدعى غدير خم وخطبة النبيّ w، في ذلك المكان. وقول النبيّ w، في حقِّ عليِّ حينذاك « من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه».

كما تكلّم أيضاً شعراً عن أمر النبيّ w، للصحابة ولنسائه بمبايعة عليٌّ (ع)، بإمرة المؤمنين وعن غير ذلك ممّا جرى في غدير خم إلى أن قال:

عَفُوك السمحُ يا عليٌّ عن الحُسْـ

سادِ فالعُميُ حُسَّدٌ للبصيرِ

ينثرونَ السهامَ للنسر طعنّا

وحبوبَ الطعام للعصفور

يُرهَبُ الليثُ آجمّا والضعيفُ الـ

هرُّ يغدو مُنعَّمّا في الدور

كلَّما حاول الكريمُ عبوراً

وقفَ الشؤمُ دونَهُ في العبور

لا تكادُ العيونُ تلمحُ ظلَّ الـ خيرِ

حتى تجوزَ بحرَ شرور

إنما الخيرُ فلذةٌ من ضياءٍ

كفَّنتها الأهواءُ بالديجور

أنزلَ اللهُ آيةً عقبَ ذاك الـ

يومٍ ختمّا لدينه المبرور

كانَ وهجُ الشروقِ يومَ حِراءٍ

وجلالُ المغيبِ يومَ الغديرِ (4)»].

ثُمّ يقول في آخر ملحمته:

يا أمير الإسلام حسبيَ فخراً

أنَّني منكَ مالئٌ أصغَريّا

جَلجَلَ الحقُّ في المسيحيِّ حتى

صَارَ مِن فَرطِ حُبِّهِ عَلَويّاً

أنا مَـن يَعشقُ البطولةَ والإلــ

هامَ والعدلَ والخلاقَ الرَضِيّا

فإذا لم يكن عَلــيٌّ نَبيّاً

فَلَقَد كانَ خُلُقَهُ نَبوّيّا (5)»].

مع جورج جرداق

والأديب اللبناني الكبير الأستاذ جورج جرداق والّذي صنّف موسوعته الأدبيّة في خمسة أجزاء حول الإمام عليّ (ع)، في عام 1958م. تحت عنوانالإمام عليّ صوت العدالة الإنسانيّة». في هذه الموسوعة شرح بعض كلماته وخطبه ومواقفه (ع)، حسب ما جاء في نهج البلاغة وسائر المصادر الإسلاميّة الأخرى مُقارناً بين تلك المواقف والكلمات وما بين مواقف كثير من العظماء في العالم كالمسيح ومُحمّد o، وسقراط وفلاسفة الثورة الفرنسيّة وغيرهم. وممّا جاء في شرحه لبعض تلك الكلمات:[«وثاني الأمرين أنّ عليِّ بن أبي طالب من الأفذاذ النادرين الّذين إذا عرفتهم على حقيقتهم بعيداً عن الصعيد التقليديّ الذي درجنا على أساسه ندرس رجالنا وتاريخنا، عرفتَ أنّ محورَ عظمتهم إنّما هو الإيمان المطلق بكرامة الإنسان وحقه المُقدّس في الحياة الحُرّة الشريفة، وبأنّ هذا الإنسان مُتطوّر أبداً، وبأن الجمود والتقهقر والتوقّف عند حالٍ من أحوال الماضي أو الحاضر ليست إلا نذيرُ الموتِ ودليلُ الفناء.

وقليلٌ جداً من عظماء التاريخ الأقدمين هم الّذين يبذرون في عقلك ويُلقون في نفسك مثل هذه القاعدة الأصل من قواعد التطور وكأن عليّاً ينزعُ بها عن لسان الطبيعة وقلب الحياةلا تُقْسِروا أولادكم على أخلاقكم فإنّهم مخلوقون لزمان غير زمانكم!».

وقليلٌ جداً من عظماء الأقدمين هم الّذين يبذرون في عقلك ويُلقون في نفسك مثل هذه القاعدة العظيمة التي تطال المسلك الإنساني بكامله فتوجّه كل نشاط وتراقب كل عملمن تساوى يوماه فهو مغبون». وما يريد ابن أبي طالب بذلك إلاّ التصريح بأنّ الغبن لا يلحق الجماعة من النّاس إلاّ إذا استوى حاضرهم وأمسهم، وبأنّ الغُنم هو أن يكون حاضرهم خيراً من أمسهم، ولا يتمُّ ذلك إلاّ بالانسياق مع تيار الحياة الذي لا يهدأ.

وقليلٌ جداً من عظماء التاريخ الأقدمين هم الّذين يبذرون في عقلك ويُلقون في نفسك موازين العدالة الكونيّة تنبثق عن نفسها وبنفسها تقوم، مكتشفين بُذور العبقريّة أن «من أساء خُلقَه عذّب نفسه!».

وقليلٌ جداً من عظماء التاريخ الأقدمين هم الّذين وعَوا أن «الاحتكار جريمة » وأنّه «ما جاع فقير إلاّ بما مُتِّعَ به غنيّ». وأنّ «الذنب الذي لا يُغفر هو ظلم العباد بعضهم لبعض» ثُمّ راحوا يخلقون القوانين وينظّمون الدساتير على أساس هذا الوعي الكريم!...(6)»].

ويقول أيضاً:[« وأمّا أقواله وأعماله فواحدة لا تتناقض ولا تتعارض بل تنبع من معين واحد كما تنبع المياه من الأرض، لا يتبدل طعمها بين ليل ونهار! وهي لا تتجزأ، ولا يُفَسَّر بعضها إلاّ ببعض»... إلى أن قال: «أنَ شخصيّة عليّ (ع)، الفريدة تأتي مشابهة للسور في القرآن الكريم حيث أنّها تشدُ بعضها بعضاً وتؤيد بعضها بعضاً، ولا يفسر بعضها إلاّ البعض (7)»].

مع توفيق جرداق

وأمّا الشقيق الأكبر للأستاذ جورج جرداق الأديب والشاعر توفيق جرداق فقد كان في كل خطب وعارض يلّمُ به يجعل من الإمام عليّ (ع)، وسيلته إلى الله تعالى، في دعائه وصلواته، وفي سرّه وعلانيته طالباً إلى الله عزّ وجل الإستجابة، وكان الله تعالى، يستجيب له ببركة عليّ (ع)، وَيُغدِقُ عليه العطاء داعياً النّاس للسير على نهج عليّ (ع)، قائلاً:

كلَّما بي عارضُ الخطبِ ألَمَّ

وصَمَاني من عَنَا الدهرِ ألَمْ

رحت اشكو لعليِّ عِلّتي

وعليٌّ ملجأُ من كل هَمْ

وأنادي الحقَّ في أعلامه

وعليٌّ عَلمُ الحقِّ الأشمَ

فهو للظالم رَعدٌ قاصفٌ

وهو للمظلوم فينا مُعتصم

وهو للعدل حمىً قد صانهُ

خُلقٌ فَذٌ، وَسَيْفٌ، وقلم

مَنْ لأوطانٍ بها العسفُ طغى

ولأرضٍ فوقها الفقرُ جَثَمْ

غيرُ نهجٍ عادل في حُكمِهِ

يرفعُ الحَيفَ اذا الحيفُ حَكَمْ (8)»].

مع الفيلسوف اللبناني الدكتور

شبلي شميل

ويقول الفيلسوف والطبيب اللبناني الدكتور شبلي شميل المتوفى سنة 1917م.: «الإمام عليّ بن أبي طالب، عظيم العظماء، نسخة مُفردة لم يرَ الشرق والغرب صورة طبق الأصل قديماً ولا حديثاً(9)»].

والدكتور شميل له مؤلفات كثيرة، مثل رسالة (الحقيقة) و (شرح أرجوزة ابن سينا) و (الحبُّ على الفطرة) و (فلسفة النشوء والإرتقاء) وغيرها من كتب وبحوث. ورأي هذا المفكر المسيحيّ لم يأت نتيجة لموقف عاطفي وإنّما جاء من دراسة موضوعيّة لسيرة الإمام عليِّ (ع)، ولكلماته.

مع الأديب اللبنانيّ

جبران خليل جبران

وعندما يتحدث حكيم لبنان وكبير أدبائه عن الإمام عليِّ (ع)، وعن جوهر ذاته وعن إنسانيته التي استطاعت أن تكتنف جراح كلّ المعذّبين في الأرض وهو (ع)، الذي فقد حياته من أجلهم، ومن اجل أن تُشرِق الأرض بنور ربّها عدلاً وحريّة ومساواة يقول:[« (مات عليٌّ) قبل أن يُبلِّغَ العالم رسالته كاملة وافية. غير أنني أتمثله قبل أن يغمض عينيه عن هذه الأرض.

مات (عليٌّ) شأن جميع الأنبياء والباصرين الّذين يأتون إلى بلد ليس بلدهم وإلى قومهم ليس بقومهم وفي زمن ليس بزمنهم ولكن لرَّبك شأن في ذلك وهو أعلم (10)»].

مع الفيلسوف اللبنانيّ

أمين الريحانيّ

وكبير أدباء لبنان وفلاسفته، الرحالة الشهير أمين الريحانيّ المتوفى في بلدته الفريكه ـ قضاء المتن الشمالي سنة 1940م. عندما كان الريحاني في الولايات المتحدة الأمريكيّة في مطلع القرن العشرين فقد عقد العزم على كتابة مسرحيّة تتناول سيرة وشخصيّة الإمام عليّ (ع)، وتبحث وتناقش المفاصل المُهمّة في مسيرة حياته (ع)، وقد استشار الأستاذ (الريحانيّ) صديقه جبران خليل جبران بشأن هذا المشروع الثقافيّ فأشار إليه جبران بالمضي قدماً في ذلك مُشجّعاً.

كما قد إقترح الأستاذ الريحانيّ على صديقه الشاعر أمين نخله في أحد لقاءاته معه أن تتمَّ ترجمة كتاب نهج البلاغة إلى كل اللغات الأوروبيّة وذلك لأنّ ترجمته ستبهر الغربيين وتذهلهم، وبشكل خاص الإنكليز(11)»].

وإنطلاقاً من هذه الرواية فيكون الأستاذ أمين الريحانيّ أوّل مُفكر عربي حاول كتابة مسرحيّة عن حياة وسيرة الإمام عليّ (ع)، وسعى لترجمة نهج البلاغة للغات الأوروبيّة ولكن عمره القصير وحدوث الحرب العالميّة الثانيّة حالا دون إرادته ورغبته. كما أنّه زار النّجف الأشرف وكان له لقاء ثُمّ مراسلات ومراجعات بعد ذلك اللقاء مع الإمام المرجع الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء.

مع خليل فرحات

وقد قارن شاعر لبنان الكبير خليل فرحات ما بين شخصيّة السيّد المسيح وشخصيّة الإمام عليّ عليهما السّلام، في العطاء والمثل العُليا للأخلاق، وفي المحبّة والتسامح حيث قال عن السيّد المسيح (ع).

وقيلَ مسيحُ الحب ضاق بحبّه

وَكَرَّ على الرائين بالسوط والزَّجرِ

وَصَاحَ: دعوا بيتي... دعوني فإنما

سواكم أنا، والبيتُ شردتم قِطري

لقد شيدَ بيتي للتعبُّد والهدى

فحوَّلتموه للتلصًّص والفجر

وكَمْ داسَ أرزاقاً وَعَفْرَّ أوجُهاً

وَأغرقَ عبَّاد الدوانقَ بالسُّخْرِ

وخاطب عليٌّ (ع)، بقوله له:

وأنتَ وسعتَ النّاسَ دوماً برحمةٍ

وقد أمطروك الوِتر في آثرِ الوترِ

عَلوتَ وكنتَ النفس أكبرِ قادرٍ

على قهرها، تلك المليئة بالكبر

وقصَّرَ عقلُ النَّاسِ عن قهر ميلِهم

فبوركت قهَّاراً على النفسِ يستجري(12)»].

والصواب هو: أنَّ موقف عليٌّ (ع)، من اليهود في خيبر الّذين كادوا لله تعالى ولرسوله w، وتنفيذه لأمر رسول الله w، بطردهم من الجزيرة العربيّة. كان تماماً كموقف السيّد المسيح (ع)، من اليهود عندما شاهدهم في بيت المقدس وقد أقاموا به سوقاً للاعتداء على أموال الفقراء بواسطة الإحتكار والربا والغش والقمار وأعمال السحر والشعوذة والدعارة، وعليه فلا تناقض بين الموقفين أبداً.

مع الدكتور جورج شكور

وقد نظم الأستاذ في الجامعة اللبنانيّة ملحمة من الشعر العربيّ بإسمملحمة الإمام عليّ (ع)، جاء فيها عن صراع الإسلام مع اليهود في مدينة خيبر وكانت من أعظم معاقل اليهود وحصونهم في بلاد الحجاز:

كانت بِخَيْبَرَ لليَهُودٍ مَعَاقِلُ

فيها حُصُونٌ كالجِبالِ تَخايَلُ

وبها تُدَبَّرُ للنَّبيِّ مَكايدٌ

وتُحاكُ أَشْراكٌ لَهُ وحَبائلُ

ومُؤامَراتٌ تَشْتَهيهِ وصَحْبَهُ

ومَخاتِلٌ يَسْعَى بِهِنَّ أَسافِلُ

هَتَفَ النَّبيُّ بِصَحْبِهِ: هُبُّوا، فقد

حانَ الجِهادُ، وللجِهادِ فَصائلُ

قُمْ، يا عَليُّ، فأنتَ سَيِّدُ يَعْرُبِ

ما قامَ مِثْلَك في القتال مُقاتِلُ

جِبْريلُ \"يَخطِرُ عن يَمينكَ ناصراً

وبكَفِّه سَيْفُ المنيَّةِ مائِلُ

سَتَفُوزُ بِالجَنّاتِ شُرِّعَ بابُها

إنِّي لِفَوزِكَ بالجِنانِ لَكافِلُ

أهْواكَ وَحْدَك أنْتَ تَحْمِلُ رايةً

في حَمْلها، مِنْ قَبْلُ، أَخْفَقَ حامِلُ

ما رابَني رَمَدٌ بِعَيْنِكَ عائقٌ

رَمَدُ العُيُونِ، إذا لَمَسْتُكَ، زائلُ

فغداً، تَكُرُّ، ولا تَفِرُّ، مُناضِلاً

وأَتَى غَدٌ، فَمَضَى (عليُّ) يُناضِلُ (13)»].

إلى آخر الأبيات...

مع الأستاذ سليمان كتاني

الأديب اللبنانيّ الكبير الأستاذ سليمان كتاني هو من أكثر الأدباء المسيحيين كتابة وتأليفاً وتصنيفاً عن أهل البيت (ع)، وممّا جاء في كلماته:[« فعليّ بن ابي طالب، هو ركيزة الأساس، وهو بالنسبة للرسالة كل الرسالة في تأسيسها وفي طريقة المحافظة عليها في نشرها وفي مجالات الدفاع عنها... وأنّ له أطول سلسلة من النعوت الكريمة يتحلى بها، فهو قوة وإرادة وشجاعة وبطولة وعقل، ومعرفة وحقُّ وعدالة ومثال وكمال».

وعندما يتحدث الأستاذ (كتاني) عن الإمام عليِّ (ع)، كرمز للحقِّ والعدل، والكمال، فإنّه لا يكتفي عند هذه الأوصاف التي استفاض بشرحها والتعليق عليها إلى أن يقولويمكن إيجاز هذه الخلاصة بتأكيد السيّد (كتاني)، على أنّ دستور الحياة هو دستور عليٌّ (ع)، ونهجه، لأنّ الدنيا برمتها أصبحت ترجع إليه عند كل سانحة تشعر فيها بأنّه قد غصَّ بها الطريق، فعليٌّ بن ابي طالب (ع)، هو دستور الوجود وهو مرجع الإنسانيّة الوثيق(14)»].

مع الدكتور أنطوان بارا

وللأديب الكبير الدكتور أنطوان بارا كتاب نفيس إختاره من كلمات وقصائد المفكرين المسيحيين في الإمام الحسين (ع)، تحت عنوان «الحسين في الفكر المسيحي» حيث ذهب إلى أنَّإنسانيّة الإمام عليّ (ع)»، هي معجزة الأجيال على مرِّ العصور والدهور وعلى الذي يريد معرفة الكثير من علوم أهل البيت (ع)، ومن عليّ خصوصاً، ما عليه إلاّ أن يغوص في بطون الكتب التي أوردت مئات الأحاديث النبويّة الشريفة التي تكشف عن خصيص مكانتهم وعلو مقامهم، وقد ذكر الأستاذ (بارا) قول الرسول الكريم w: «أنا وأهل بيتي شجرة في الجنّة، وأغصانها في الدنيا، فمن تمسك بنا اتخذ إلى ربّه سبيلاً». وقد علّق على هذا الحديث بعد أن ذكره مباشرة، بقوله مؤكداً على أنّ في هذا الحديث دلالة كافية على حتمية التمسك بالشريعة التي هي السبيل البيّن إلى فهم الحياتين وتحقيق الذات وتأكيدها إيجابياً في الدارين. وبالطبع، فإنّ التمسك بالشريعة يكون من خلال التمسك بها عملياً عبر الإمتثال الكامل والفهم الواعي لتعاليم أهل البيت (ع)، ومبادئهم المحصلة، هم تراجمة وحي الله ومحل سرِّه وحجّته على خلقه. وهم حقاً كما وصفهم رسول الله w، رسول الحقّ إلى سره وحجته على خلقه، بقولهبي أُنذرتم ثُمَّ بعليّ بن أبي طالب اهتديتم، } إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ{ سورة الرعد، الآية 7.

وبالحسن أُعطيتم الإحسان وبالحسين تُسعدون، وبه تُشفون».

واعتبر الأستاذ (بارا) أنّ وصايا الإمام عليّ (ع)،الخالدة لأبنائه ولعماله وولاته على البلدان والأمصار هي دلالة الكمال في شخصيّة الإمام عليّ أمير المؤمنين (ع)، المتربعة على عرش الكمال الإنساني (15)»].

مع الأستاذ سعيد عقل

وللأديب اللبناني سعيد عقل عدّة قصائد عصماء في الإمام عليّ (ع)، ومن قصائده قوله:

يَذود عن الذِّمَّات ليس يُبيحها

به الشرقُ مَدَّ الصوتَ فالتفتَ الغربُ

حَببتُ عَليّاً مُذْ حببتُ شمائلي

له اللغتانِ: القول يشمخُ والعضبُ

بهذاك يُعليها، بهذا يُزيدها

أيكبو؟ولكن الأصائل لا تكبو!

لأشرفُ من قاسى، وأسمح من سخى

تقول على رمل البوادي له حَدْبُ

بلاغتُه اللبلاءُ أسُّ أريكةٍ

فكيف بما أبلى الذي وثبهُ الوثبُ؟ (16)»].

مع جوزيف الهاشم

الوزير الأسبق والأديب اللبناني جوزيف الهاشم يُلّخص وجهة نظره بعليّ (ع)، ويراه دستور السماء الخالد الّذي تزول أمامه كل الدساتير والوثائق والتوصيات الأرضيّة الأخرى حيث يقول:

كأنَّ دونك دستور الوجود، فما

زلت شرائعهُ في دنيوّيته

هو الفتى، نبويُّ العَبْقِ، محتده

(كالملح في الأرض)، فاذكر بعض قصّتهِ

وكي يؤكد لنا الأستاذ الأديب جوزيف الهاشم أن دستور عليّ (ع)، ليس فقط لجيل دون جيل، وليس لأتباع دين دون أتباع دين آخر، بل هو للإنسان عموماً أينما كان وكائناً من كان، فقد قال:

ليس الإمام فتى الإسلام وَحْدَهمُ

وليس وقفاً على أبناء شيعته

من كان بالشِّيمِ الغرّاء مُعتصماً

بالبرِّ، بالرفق، بالتقوى، بخلْته

بالنُبل، بالحقّ، بالأخلاق مكرمةً

وبالشموخ فهذا إبن بَيْعَتهِ»].

وهذا يعني بالنسبة للأديب والشاعر جوزيف الهاشم أنّه ما على الذي يريد أن يكون إنساناً حقيقياً جامعاً لصفات النُبل والأخلاق، إلاّ أن يتخذ من أمير المؤمنين عليّ (ع)، إماماً له وأن يُسرع إلى مبايعته على ذلك حتى ولو كان ذلك الشخص مسيحيّاً أو غير مسيحيّ(17)».

مع المستشرقين!

مع توماس كارليل

ويقول الكاتب والفيلسوف الإنكليزي توماس كارليل المتوفى سنة 1881م. وله كتاب «الأبطال» وكتاب «التنظيمات الحضاريّة في الامبراطوريّة الإسلاميّة»:[«أمّا ذلك الفتى عليِّ فلا يسعك إلاّ أن تحبّه، رَكَّبَّ الله في طبعه النُبل منذ الحداثة، وَتَجلّى في خلاله الكرم طوال عمره، ثُمّ طبعه على العمل ونفاذ الهمة وصراحة البأس، وأتاه الفروسيّة وجرأة الليث، وكل أولئك في رقة قلب، وَصدقٍ وكرم فعّال تليق بالفروسيّة المسيحيّة (18)»].

مع المستشرقة كارين آر مسترونغ

والتي قالت في كتابها « الإسلام في مرآة الغرب»:«أنّ الرسول الكريم w، قد أعلن أنّ الإمام عليَّاً (ع)، هو الوصيِّ والوليِّ على كل المسلمين منذ انبثاق الخيوط الأولى لفجر الرسالة الإسلاميّة، وذلك في ما يُعرف تأريخياً ببيعة الدار حيث عرض الرسول w، دعوته الجديدة على المدعويّن قائلاًأمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصييّ وخليفتي فيكم؟. ولما ساد الصمت المربك، وقف الإمام عليّ (ع)، وقال بجرأة وثبات وإيمان كامل: أنّا يا نبيَّ الله أكون وزيرك عليه». وبعد أن تذكر الباحثة «آر مسترونغ» هذا الحدث بدقة وأمانة، نراها تستمر في عرض المشهد الاخير من ذلك الحدث، وهو المشهد الذي يصّور النبيّ الكريم w، يقف بجانب الإمام عليّ (ع)، ويقول على مسمع من الجميعإنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا(19)»].

مع المستشرق الأمريكي (ميرسيا إلياد)

المولود في بوخارست سنة 1907م. وأستاذ مادتي الميثولوجيا وتأريخ الأديان في جامعة شيكاغو، والمتوفى سنة 1986م. وهو أكبر علماء الميثولوجيا والأديان المقارنة دقة وتصنيفاً، وقد ترك أكثر من أربعين كتاباً في العلوم الآنفة الذكر.

ويعتقد (إلياد) أنّ الرسالة الإسلاميّة مبنية حقاً على دور الوحي الإلهيّ في تبليغ محتوى هذه الرسالة السماويّة إلى النبيّ مُحمّد w، من خلال كتاب مُقدّس هو القرآن الكريم، يرى (إلياد) أيضاً أنّ أوّل شخصين ذكر وأنثى آمنا بالرسالة الإسلاميّة هما خديجة زوجة الرسول w، والإمام عليّ (ع)، إبن عمه».

ويتحدّث العلاّمة (إلياد)، بصدق وصراحة عن إيثار الرسول w، لإبنته فاطمة الزهراء u، ولولديها الحسن والحسين o، ويتحدث أيضاً بنفس الوقت عن موقع الإمام عليّ أمير المؤمنين(ع)، بالنسبة لكلّ المؤمنين. إذ إنَّ موقعه موقع الوسيط بين التعاليم الإلهيّة الشاملة وبين أولئك المؤمنين، فهو خليفة الرسول w، يكمل عمله ويستأنف مَهامّه، ومسؤولياته. وقد علّق (إلياد) على هذه النظرة الإسلاميّة الشيعيّة لمفهوم الإمام بقولهوهذا المفهوم جريء وأصلي لأنّه يترك مستقبل التجربة الدينيّة مفتوحاً (20)»].

مع يوهان غوته

ويرى الفيلسوف والشاعر الألماني(غوته) أنّ الشخص الذي لعب الدور الأعظم في نشر الرسالة الإنسانيّة العالميّة التي جاء بها مُحمّد المصطفى w، وتهيئة الجّو المناسب لها هو الإمام عليّ(ع)، وزوجته فاطمة الزهراء u، إبنة الرسول مُحمّد w، صاحب الرسالة وسيّدها. وقد أوضح (غوته) رأيه هذا بالإمام الأعظم عليّ أمير المؤمنين (ع)، من خلال مسرحيّة كتبها خصيصاً لهذا الغرض وقد أطلق عليها إسم (تراجيديا مُحمّد) ويرى الفيلسوف غوته أنّ دور الإمام عليّ (ع)، في نشر الإسلام يتجلى من خلال أخلاقه الساميّة، أي عن طريق توسيع نطاق الرسالة الإسلاميّة التي جاء بها المصطفى w، وتحويلها بالتدريج إلى دين عالمي غني، بالمعاني الإنسانيّة الراقيّة، وإلى دين بعيد عن لغّة الدماء والسيوف (21)»].

مع جرهارد كونسلمان

ويرى المفكر والباحث الألماني الآخر (جرهارد كونسلمان) في كتابه «سطوع نجم الشيعة» أنّ الإمام عليّاً (ع)، كان دائماً وابداً موضع سر الرسول w، ومحطّ ثقته الكاملة، وأنّه الإمام الذي سعى منذ ولادة الرسالة الإسلاميّة إلى أن يكون الفدائيّ الأوّل في الإسلام حيث يكون مُستعداً في كل وقت لفداء الرسالة والرسول بروحه ودمه وبأعز ما يملك في هذا الوجود، ولكي تستمر هذه الروح الفدائيّة معه من أجل رفع لواء الحقِّ حتى بعد رحيل الرسول w، وإلتحاقه بالرفيق الأعلى، حيث يقوم عليّ (ع)، كما يقول كونسلمان «بترتيب بيت النبيّw، مباشرة بعد موت النبيّ المفاجىء، فقد كانت وريقات من القرآن مُبعثرة على الموائد والرفوف وقد أحسَّ عليٌّ بأنَّهُ مسؤول عن ترتيب وتأمين هذه الأوراق ولم يعرف أنّه في بيت آخر كانت تتخذ قرارات سياسيّة (22)»].

مع المستشرق الفرنسي

هنري كوربان

ويرى هذا المستشرق أنَّ منصب الإمام الخاص بأئمة أهل البيت (ع)، هو منصب يمكن أن يلّقب صاحبه وحامله بإسمالمكتمل الحكمة والعقل، أو المطلق الذي يشمل أربعة عشر الأفضلين، أي في النبيّ مُحمّد w، وإبنته فاطمة u، والأئمة الاثني عشر» وغني عن القول أن المستشرق (كوربان) يرى أنّ مفهوم الإمام متلازم مع مفهوم الولاية، ولهذا فقد أراد من ذكر السيّدة الزهراء فاطمة u، هنا تثبيت عصمتها باعتبارها أحد أفراد البيت المحمديّ المنّزهين من كل رجس والمطهّرين تطهيراً حسب النص الإلهي الأقدس (23)»].

خاتمة المطاف!

وفي خاتمة المطاف وبعد إستعراضنا لأراءِ ثلاثة عشر مُفكراً وأديباً مسيحياً عربياً، وستة من أعلام أهل الفكر والاستشراق في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكيّة في سيرة أمير المؤمنين عليّ بن ابي طالب (ع)، وهديه ونهجه لا يسعنا إلاّ أن نقول ونردد مع بولس سلامه في عليّ (ع):

هو فخر التاريخ لا فخر شعبٍ

يدّعيه ويصطفيه وليَّاً

لا تقل شيعةٌ هواةُ عليِّ

إن كُلَّ مُنصفٍ شيعياً(24)»]..

سائلين الله تعالى أن يُوّفق بعض المُبدعين من محبيّ الإمام عليِّ (ع)، للقيام بترجمة نهج البلاغة إلى اللغات الأوروبيّة وغيرها من لغات عالميّة كالصينيّة، واليابانّية، والسواحل الأفريقيّة، وأن يؤلف بعض المسرحيات، والأفلام السينمائيّة عن سيرته ومواقفه (ع)، تحقيقاً لأمنية الفيلسوف اللبنانيّ أمين الريحانيّ وغيره من أعلام الشرق والغرب.

الهوامش:

(1) نشر رئيس التحرير هذه المقالة له كملحق للعددين (35 ـ 36)، بمناسبة إعلان رئيس بلدية جبيل المهندس وسام زعرور في إفطار شهر رمضان ليلة 27/ 1439هـ. الواقع فيه مساء 11/6/2018م. «جبيل عاصمة للحوار بين الأديان»، نقلاً عن مجلة «نور الإسلام» العددان (133 ـ 134) السنة الثانيّة عشرة تموز ـ وآب 2009م. بتصرف.

(2) «مآثر الإمام عليّ (ع)، والإمام الحسين (ع)»، تحقيق واخراج رشاد بولس سلامه، ص 11ـ 12.

(3) نفس المصدر، ص 7.

(4) نفس المصدر، ص 105.

(5) نفس المصدر، ص 330.

(6) «الإمام عليّ صوت العدالة الإنسانيّة» لجورج جرداق، ص 14 ـ 15.

(7) «الإمام عليّ في الفكر المسيحي المعاصر» لراجي أنور هيفا، ص 179.

(8) نفس المصدر، ص 236.

(9) نفس المصدر، ص 252 ـ 253.

(10) نفس المصدر، ص 252 ـ 253.

(11) نفس المصدر، ص 569 ـ 570 بتصرف.

(12) نفس المصدر، ص 251 ـ 252.

(13) « ملحمة الإمام عليّ (ع)»، للدكتور جورج شكور، ص 54 ـ 55 ـ 56.

(14) «الإمام عليّ في الفكر المسيحي المعاصر» لراجي أنور هيفا، ص 212 ـ 213 بتصرف.

(15) نفس المصدر، ص 212 ـ 214.

(16) نفس المصدر، ص 569.

(17) نفس المصدر، ص 259، بتصرف.

(18) «لا فتى إلاّ عليّ» للشيخ عليّ حسن غلوم، ص 170.

(19) «الإمام عليّ في الفكر المسيحي المعاصر» لراجي أنور هيفا، ص 673 ـ 674.

(20) نفس المصدر، ص 678 ـ 679.

(21) نفس المصدر، ص 193 بتصرف.

(22) نفس المصدر، ص 193 ـ 194.

(23) نفس المصدر، ص 233 ـ 234. وبعد قيام هنري كوربان بدراسات وبحوث كثيرة اعتنق الإسلام في عام 1945م. كما تكلّم عن ذلك موضوع الغلاف في مجلة «إطلالة جُبيليّة».

(24) نفس المصدر، ص 260.