العلاّمة السيّد علي فضل الله يتحدث عن: بلاد جبيل وفتوح كسروان وهموم الوحدة

8/01/2010
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

أجرى الحوار عضو هيئة التحرير: محمد علي رضى عَمرو

كان للرحيل المفاجئ لسماحة آية الله العظمى السيّد مُحمّد حسين فضل الله، الأثر الكبير على الساحة الإسلاميّة بشكل عام، وعلى الساحة اللبنانيّة بشكل خاص. وقد تكلّمت هذه المجلة في عددها الأوّل عن الآثار الحزينة التي تركها ذلك الرحيل، وعن الأصداء العالميّة لذلك المصاب الجلل. مصداقاً لقول الأديب اللبنانيّ المغترب عماد قاروط، وكأنّه يتحدث عن مصابنا في بلاد جبيل وفتوح كسروان وحزننا حيث قال:

 

رَحلَ الإمامُ حَبيبُنا وعزيزنا

فَصباحُ هذا الكونِ مثلُ مسَاءِ

أبكيْتَنا يا سيّدي بفُجَاءَةٍ

تَبّاً لها في الدهْرِ منْ أنباء

كُنَّا على جُرْحِ اْغترابٍ نَشْتكي

أَلمَاً يُعَدُّ اليومَ في السَّراءِ

ما أوحَشَ الدنيا بدونِكَ سيّدي

الآنَ أصبَحْنا مِنَ الغُرَبَاءِ.

وقد توجهت مجلة -إطلالة جبيليّة- لنجله العلاّمة العلم السيّد عليّ بوصفه يحمل أنفاس والده العظيم بين جنبيه، والرفيق الأمين له منذ أكثر من ثلاثين عاماً بالأسئلة التاليّة في دارته في حارة حريك من ضاحية بيروت الجنوبيّة، حيث كان الحوار التالي الذي أجراه مع سماحته عضو هيئة التحرير الأستاذ محمد علي رضى عَمرو وبحضور رئيس التحرير. 

س1: كان لغياب سماحة آية الله العظمى المرجع الديني العلاّمة السيّد محمد حسين فضل الله، الأثر الكبير والحزين على الساحة الإسلاميّة بشكل عام، والساحة الشيعيّة بشكل خاص، فما هي توجيهاتكم لمقلدي سماحته؟

ج1) بداية لا بُدَّ من كلمة تقدير لرئيس تحرير هذه المجلة، ولهذا العمل الإعلاميّ بمنطقة جبيل وكسروان، والتي لها دورها على الساحة الإسلاميّة والمسيحيّة، والتي سيكون لها دور مهم في التواصل والوحدة الوطنيّة، إذ يتصور البعض أنّ هذه المنطقة يعيش أهلها التنافر بينهم بينما الواقع ليس كذلك، ونحن نتطلع إلى مجلتكم لتنقل الصورة الصحيحة عن هذه المنطقة. لأنّ خيارنا في هذا البلد هو التواصل، والتعاون، والتلاقي، والحوار الذي يجب أن يبقى مفتوحاً بين أصحاب المواقع في هذا البلد، والعمل الدائم لأجل اللقاء والتعاون بين الإسلام والمسيحيّة، والتعاون لأجل بناء لبنان.

نتحدث إلى جميع الذين عايشوا سماحة السيّد، ونقول لهم: إنَّ سماحة السيّد، الذي عاش معكم المسؤوليّة وحرّك الفكر، وبنى كل القواعد التي تُساهِمُ في جعل الإنسان يفكر بالصورة التي كان يفكر فيها سماحته، أعتقد أنَّ النّاس لا تستطيع العودة إلى الوراء في الجانب الفقهيِّ، أو حتى في أسلوب التعامل  مع الجانب الفكريّ أو قضايا الحياة، وأصبحت ترى أنّ هذا المسار الفكريّ والعلميّ لسماحة السيّد، هو الذي يُقدِّم صورة الإسلام الأصيل، الإسلام الذي يستطيع أن يعيش هذا العصر، لأنّه لا يمكن لإسلام مُنغَلق على ذاته، ولا ينفتح على قضايا العصر ولا ينفتح على العلم، أن يستمرّ في الحضور الفكريّ في هذا العصر، وإلا تحوَّل إلى دين تقليدي هامشي، لا يكون الإسلام له هذا الحضور، إلاّ من خلال عيش أسلوب سماحته العلميّ والفكريّ في عمليّة الإنفتاح. لا بُدَّ أن يتعاون الجميع من حملة فكر سماحته، لأجل ملئ الفراغ كما أنّ رغبة الكثيرين من مقلديه متابعة تقليده، لأنَّ مرجعيّته عاشت العصر وسعت هذه المرجعيّة أن تُعطي صورة جديدة لفهم جديد لأنّه، كان يلتزم بجميع ما جاء في كتاب الله تعالى، وسُنّة رسوله مُحمّد وأهل البيت(عليهم أفضل الصلاة والسّلام)، ولم يأتِ بشئ جديد، وإنّما إختلف عن الآخرين بفهمه المنفتح للإسلام وغير المتجمد على النصوص، حيث كان يدخل إلى العمق وإلى الأهداف التي يسعى إليها الدين وأشار إليها الله تعالى ورسوله وأهل البيت(عليهم أفضل الصلاة والسّلام).

لذلك نقول لمقلديه، أنّ المجال مفتوح لكم للبقاء على تقليده، إنسجاماً مع فتاوى العلماء الذين يجوّزون البقاء على تقليد الميت بل أنّ بعض العلماء يوجبون البقاء على تقليد الميت إن كان الميت هو الأعلم.

ولا بُدّ لمقلديه أن يحافظوا على الصورة التي حافظ عليها سماحة السيّد، وهي المحبة مع كل النّاس الذين كان يلتقي معهم، وأمّا الذين كان يختلف معهم فكان يؤكد على لُغة الحوار معهم.

س2) لقد كنتم من أقرب المقربين لسماحة والدكم، وقد ترك سماحته، الكثير من المؤسسات الثقافيّة والخيريّة في لبنان وخارجه، فهل أنَّ هذه المؤسسات سوف تستمر بالعطاءِ كما كانت أيام سماحته(رضوان الله تعالى عليه).

هذه المؤسسات سوف تستمر إن شاء الله تعالى لأنّ سماحة السيّد، لم يُرَّبِّ أتباعاً يتبعونه بل رَبّى أُناساً يفكرون معه ومسؤوليّة الّذين تربوا على يديه العمل على إبقاء هذه المؤسسات تماماً كما كان يريدها، من محافظة على تطورها الدائم والمُستمر.. إذ أنّ هذه المشاريع لم تكن مشروعاً خاصاً، أو لخدمة عائلة أو لخدمة مشروع سياسيّ وإنّما كانت لوجه الله تعالى ولنقل صورة الإسلام الصحيحة في الحياة لجميع النّاس.

وقد وجدنا عطف النّاس بعد وفاة سماحة السيّد على هذه المؤسسات أكثر من عطفهم عليها أيام حياته، فالمطلوب متابعة العمل بهذه المؤسسات والمحافظة عليها وتطويرها.

س3) لقد كانت الوحدة الإسلاميّة في العالم الإسلاميّ بشكل عام والوحدة الوطنيّة قي لبنان بشكل خاص من الهموم الكبرى لسماحة والدكم، وقد لاحظنا تحملكم لهذه الهموم من خلال خُطب الجمعة التي صدرت عنكم في حياة سماحته وبعد وفاته (رضوان الله تعالى عليه)، فما هي توجيهاتكم لمقلديّ سماحته أمام هذه الهموم؟

ج3: لقد كان سماحة السيّد، حريصاً على الوحدة الإسلاميّة وإعتبرها أنّها تمثل دين الله تعالى، ولا يمكن للمسلمين أن يحافظوا على إسلامهم ويواجهون التحديات التي تواجههم ويكون لهم موقع في هذا العالم دون أن يتحدوا وذلك حرصاً منه، على تلبية نداء الله تعالى في قوله تعالى: -إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ- سورة الأنبياء، آية:92.

وقوله تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ سورة آل عمران، آية:103.

وقوله تعالى: وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِين سورة الأنفال، آية:46.

وقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ الحجرات، آية:10.

وقول رسول الله في حجة الوداع:.. فلا ترجعن بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ....

كما كان أمير المؤمنين الإمام عليّ ، رائداً للوحدة الإسلاميّة عندما تقدّم عليه من تقدم في الخلافة فقال: لأُسالمنَّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن بها جور إلاّ عليّ خاصة.

وكذلك كان الإمام جعفر بن مُحمّد الصادق ، رائداً للوحدة الإسلاميّة إذ أنَّ جامعته التي أظلت بظلالها جميع أئمة المذاهب في أيامه ودرسوا عليه ونهلوا من علومه كانت رائدةً ورمزاً للوحدة الإسلاميّة بين جميع المسلمين.

كما أنّه :أمر الشيعة بالوحدة في أقوال كثيرة له في هذا الباب، منها قوله : صلّوا جماعتهم وعودوا مرضاهم وشيعوا جنائزهم حتى يقول النّاس رحم الله جعفراً فقد أدبَّ أصحابه. كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا.

فمسؤوليّة الوحدة الإسلاميّة جعلها الله تعالى على عاتقنا لهذا ندعو المسلمين للتأكيد على الوحدة الإسلاميّة لا سيما في هذه المرحلة، وأنّ قوتهم تكون من خلال وحدتهم، وأنّ قوة هذا الوطن لا تكون إلا من خلال الوحدة الإسلاميّة والتي تساهم مساهمة كبيرة في الوحدة الوطنيّة.

ونقول لمُقلديّ سماحة السيّد أن يتابعوا هذا العمل الوحدويّ.

س4): ما هو رأيكم في فتوى شيخ الأزهر الأخيرة التي يحترم فيها الشيعة ومذهب أهل البيت .. وما هو رأيكم في فتوى مرشد الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة الإمام السيّد علي الخامنئي ، حيث حرّم بها سَبَّ نساءِ النبيّ، ورموز أهل السُنّة؟.

ج4: نحن نثمن هذه الفتاوى المباركة والرشيدة ونحترمها وكان سماحة السيّد، قبل أكثر من عشر سنوات أصدر فتوى يُحرِّم بها سبَّ أمهات المؤمنين إحتراماً لرسول اللهوإقتداءً بعمل أمير المؤمنين الإمام عليِّ بن أبي طالب مع السيّدة عائشة في حرب الجمل، حيث لم يقابلها، إلا بالإحترام فبعد الهزيمة التي مُني بها أهل الجمل في البصرة أرسل، شقيقها مُحمّد بن أبي بكر ليرعاها ويقوم بشأنها وليأمر بالتالي بإرجاعها إلى منزلها في المدينة المنوّرة مع النساءِ مُعززة مُحترمة وذلك إحتراماً لرسول الله .

س5): ما هو رأيكم في الإفطار الصباحي الّذي دعا إليه الرئيس الإيرانيّ الدكتور محمود أحمدي نجاد لزعماءِ الطوائف الدينيّة في لبنان في فندق فينيسيا صباح يوم الخميس في:14/10/2010م؟ 

ج5): إنَّ هذا اللقاء الروحي والوطني مطلوب في لبنان، وفي العالم الإسلاميّ لدرء الفتنة. كما كانت زيارتنا لطرابلس ولسماحة مفتي طرابلس لدرءِ الفتنة وللتواصل بين المسلمين، بما يؤكد وحدتهم ويدفع بالفتنة وبالأحقاد بعيداً..

وقد إقترحت أن يكون هناك في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة مجمعاً لحوار الأديان إلى جانب مجمع المذاهب الإسلاميّة  الموجود منذ مدّة في طهران.

س6): لقد كان للمسلمين في منطقة الفتوح وبلاد جبيل وشمال لبنان النصيب الأوفر في قلب سماحة والدكم، من العناية والإهتمام ولإقامة بعض المراكز الإسلاميّة بين ظهرانيهم والتي هم بحاجة إليها، وأهمها كان مشروع المركز الإسلاميّ في مدينة جبيل، فما هي توجيهاتكم تجاه تطلعات أبناء هذه البلاد، والذين ينتظرون منكم المزيد من العطاءِ؟

ج6):لقد كان لهذه المنطقة النصيب الأوفر في قلب سماحة السيّد، ومن قبله كان لها النصيب الأوفر في قلب والد سماحته آية الله المُقدس السيّد عبد الرؤف فضل الله(رضوان الله تعالى عليه)، وستبقى مدينة جبيل وفتوح كسروان في عيون كل من يتابعون مسيرة سماحة السيّد.

وسوف نبحث عن الحاجات وسنعمل على تأمينها ضمن الإمكانيات التي ستتوفر لدينا إن شاء الله تعالى.

نعتقد أنّ هذه المنطقة التي عاشت الحرمان ولا زالت تعانيه، فإنَّ قضاياها الإنمائيّة هي مسؤولية جميع المسؤولين في شتى المواقع، وفي قلب كل منهم. لذلك سوف نبقى في خدمة هذه المنطقة وسنتابع ما بدأ به سماحة السيّد، إن شاء الله تعالى.

س7): لقد أطلعتم على العدد الأوّل من مجلة إطلالة جبيليّة، فما هي كلمتكم التي تتوجهون بها لهذه المجلة ولهيئة تحريرها ولقرائها؟.

ج7): كما أشرنا آنفاً نحن نُقدّر هذه المُبادرة، إذ إنّها تقدّم صورة جميلة عن بلاد جبيل وفتوح كسروان، وعن الإنفتاح الإسلاميّ في هذه المنطقة، وسوف تكون هذه المجلة إن شاء الله تعالى الصوت الذي يأد الفتنة في هذه المنطقة أو من يريدها، وكذلك في هذا الوطن، وسوف تقدّم هذه المجلة الإسلام كما سوف تقدّم المسيحيّة بصورتيهما المشرقتين النابعتين من تعاليم الله تعالى، والأنبياء، والرسل. لأنَّ الله تعالى هو مصدر المحبة والرحمة والّذي يأمرنا عزّ وجل بذلك.

نحن نقدّر هذا الجهد المبارك، وسوف يكون لهذه المجلة دور أساسي في تعزيز هذا التواصل بين ابناء الوطن وسوف تكون صورة مُشرقة جميلة عن هذا البلد إن شاء الله تعالى، كما نُقدر دور كل الّذين يعملون في هذه المجلة وعلى رأسهم العلاّمة الشيخ يوسف عَمرو، والّذي هو صاحب مبادرات طيبة لخدمة أبناء هذه المنطقة، كما كان له دور في الجانب الفكريّ، والثقافيّ، والفقهيّ، ونعتقد أنّ هذه المجلة سوف تكون رائدة على مستوى المجلات، وسوف تكون رائدة في هذا البلد الذي هو بحاجة إلى من يعملون لتقديم الكلمة الطيبة للنّاس، مصداقاً لقوله تعالى:-أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء- سورة إبراهيم،آية:24.