السيدة مريم (ع): مسيرة إسلاميّة مسيحيّة في عيد البشارة

24/5/2012
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

مسيرة إسلاميّة مسيحيّة في عيد البشارة

إنطلقت مسيرة مسيحيّة ـ إسلاميّة عصر يوم الثلاثاء في 20 آذار من مقر رئاسة الرهبانيّة المريميّة المارونيّة في إتجاه جامعة سيدة اللويزة، برعاية الرهبانيّة، وبدعوة من جمعيّة «أبناء مريم ملكة السلام» إحياء لعيد بشارة مريم العذراء. بعنوان «مريم العذراء وروحانيتها في الإنجيل المُقدس والقرآن الكريم».

ضمَّ اللقاء الرئيس العام للرهبانيّة الأباتي بطرس طربيه، والأباتي سمعان بو عبده، ومطران الكنيسة الكلدانيّة في لبنان بطرس قصارجي ممثلاً بالشماس سليم طرابلسي، والشيخ فؤاد خريس ممثلاً العلاّمة السيّد علي فضل الله والقاضي الدكتور الشيخ يوسف محمد عمرو والعلاّمة الشيخ حسن حلاّل، والعلاّمة الشيخ محمود فوعاني في حضور رئيس جامعة اللويزة الأب وليد موسى، ورئيس مركز الدراسات المريميّة الأب عبده انطوان، إضافة إلى طلاب مدارس جمعيّة المبرّات الخيريّة الإسلاميّة.

بعدما رحبت عريفة الحفل باتريسيا دكاش بالحضور، وصف رئيس الجمعيّة المحامي حسين جابر الأخوة الدينيّة بـ»أعمق أنواع الأخوة» لما تتضمنه من «تسامح ومحبة، وبراءة، وتآزر وتحسس آلام الحرمان في حياة النّاس»، لافتاً إلى أنَّ «الدين تجربة مستمرة في حركة الإنسان أمام التحديات، والأوضاع المعقدة والصعبة والقوية، ولا سيما تلك من أعداء الله» مشيراً إلى أنّ القضيّة «قضيّة عطاء إلهي يتحرك في الدائرة الخاصة التي يحددها الله لعباده، حيث الإيمان بالعذراء مريم يحدد المسار العملي الذي يتحرك فيه كل فرد منّا أياً كان الدين الذي ينتمي إليه.. والعذراء مريم المُقدّسة أصبحت قاعدة التلاقي بين هاتين الديانتين السماويتين المسيحيّة والإسلام».

ودعا إلى «السير معاً على الطريق المشترك، فنزرع روح المحبة والتسامح بين النّاس، ونؤسس معاً عيشاً مشتركاً حقيقياً في وطننا لبنان». وكشف في ختام كلمته عن «القيام بوضع حجر الأساس لـ «حديقة مريم» في النبطية.

العلاّمة السيد فضل الله

وفي كلمة رئيس جمعيّة المبرّات الخيريّة الإسلاميّة العلاّمة السيّد علي فضل الله، والتي ألقاها نيابة عنه الشيخ فؤاد خريس، أكدّ أنّ «مريم هي عنوان للقاء والتواصل والمحبة والخلاص، ليس على المستوى المسيحيّ والإسلاميّ فحسب، بل على مستوى العالم أجمع»، هذا العالم الذي بات «يتخبط بالمادة فينسى الروح ويمعن في القتل والإغتيال، متناسياً ما بشرت به الرسالات من قيم المحبة وإحترام الآخر واحترام النفس البشريّة، ما بشرت به المسيحيّة من محبة والإسلام من رحمة».

وأشار إلى أنّ «مريم البتول والنور والطهر والعفة تنادينا مسلمين ومسيحيين كي نسلك العفة والسماح للحياة، وتلحُّ علينا ألا نبتعد عن تعاليم السماء، وتريدنا أن نعيش معاً بمحبة».

وخنم كلمته مجدداً الدعوة إلى السير معاً بالقول:» لا نريد لهذا الشرق أن يكون مسرحاً للتقاتل. لنتمرد على الحقد بالمحبة، وبتواصلنا على مشاريع التفرقة والإنقسام، ولنبن معاً بلداً يضجُّ بالمحبة والرحمة وينعم بالسلام».

المطران قصارجي

من جهته، تحدّث رئيس الطائفة الكلدانيّة في لبنان المطران ميشال قصارجي في الكلمة التي ألقاها الشماس سليم طرابلسيّ بالنيابة عنه، عن مكانة العذراء  مريم عبر التاريخ.

الآباتي طربيه

أمّا الآباتي طربيه فأشار إلى «أننا نحتفل اليوم بعيد وطنيّ له وزنه الديني، عيد بشارة مريم العذراء، ولسنا في صدد الحوار من أجل المداهنة والمراوغة وإرضاء الخواطر، بل من أجل أن يكتشف كل منّا وجه مريم كما يراه هو، من خلال خبرته الروحيّة ـ الدينيّة، فنسعى للعيش معاً، نتصالح على الأرض بشفاعة مريم ملكة السلام، ومن هنا أود أن أؤكد أن لقاءنا هذا ليس ضرباً من الإندماج الدينيّ، يحتمُّ تنازلات ومساومات منّا للدين الآخر».

وقال «أن كلاً منّا يفرح بكونه مسلماً أو مسيحياً، لكننا نقف هنا كي نتأمل وجه مريم الذي يجمع بيننا رغم التمايز الجوهري بين الديانتين، ويحفز فيها التوق إلى ما يجمع، وما يحيي».

 

السيدة مريم (ع)

 

هي مريم، البتول، الطاهرة، العفيفة، النقية...

هي مريم المباركة، العابدة، القانتة لله تعالى، هي مريم المحِبّة الصالحة، الخيّرة، المصطفاة على نساء العالمين...

}وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ{ [آل عمران:42]، وهذا الاصطفاء لمريم بدأت معالمه منذ أن كانت في بطن أمها، يومها نذرت أمها ـ وهي زوجة نبي الله عمران ـ ما في بطنها لخدمة بيت المقدس: }إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم{ [آل عمران:35 ]...

إذ شاءت أم مريم أن يكون الولد ذكراً، ولكن الله شاء أن تكون مريم.. ليكون لها هذا الدور الكبير، ولتكون بعد ذلك أماً لنبي المحبة عيسى المسيح(ع): }فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا{ [آل عمران:36 ـ 37]...

هي مريم الطاهرة في المنبت الحسن، وفي الاصطفاء، وبعد ذلك في بشارة الملائكة لها بعيسى المسيح(ع): }وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ{ [ آل عمران:45 ]...

ولأنها مريم بكل هذه الصفات فهي عنوان اللقاء والتواصل والمحبة والخلاص، ليس على المستوى المسيحي الإسلامي فقط، بل على مستوى العالم كله.. وما أحوج هذا العالم الذي يتخبّط بالمادة فينسى الروح، ويُمعن في القتل والاغتيال، متناسياً ما بشّرت به الرسالات من قيم المحبة واحترام النفس البشرية.. ما أحوجه لقيمة ونموذج كمريم(ع)، وكم هو بحاجة إلى ما بشّرت به المسيحية من محبة، وبشّر به الإسلام من رحمة...

أيها الأحبة.. أن نجتمع في رحاب مريم(ع)، ففي ذلك خيرٌ وصفاء نيّة، ولكن المسألة لا تنتهي هنا.. إن المسؤولية التي تجمعنا تحت ظلال هذا الاسم الرسالي الكبير تقول لنا: حذارِ أن تعودوا إلى بيوتكم ومواقعكم طائفيين أو متمذهبين، أو متعصبين، أو متناحرين...

أن نجتمع في رحاب القيمة الرسالية الكبرى التي تمثلها مريم الطهر، أن نكون طاهرين، أن لا نحمل في قلوبنا حقداً، أو ضغينةً ضد الآخر الديني، أو الآخر السياسي.. لأن مريم البتول المحبّة التي تمثّل قيمةً إنسانية ودينية عظيمة تقول لنا كما قال النبي محمد(ص): «لا ترجعنّ بعدي ضلالاً يُكفّر بعضكم بعضاً، ويضربُ بعضكم رقاب بعض»...

إن مريم البتول والطهر والعفة تنادينا، مسلمين ومسيحيين، كي نسلك طريق العفة والطهر والسماح في الحياة، وتلحّ علينا ألا نبتعد عن تعاليم السماء، وتريدنا أن نعيش أجواء المحبة، فيما بيننا فيرحم أحدنا الآخر، وينفتح عليه بالحوار الذي يعترف فيه للآخر بكل خصوصياته، ويدعوه إلى مسيرة مشتركة للبحث عن الحقيقة، وللسير أبداً في اتجاه الحقيقة المطلقة المتمثلة بالله تعالى:}قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ{ [آل عمران:64 ]...

تعالوا إلى الكلمة السواء، مسلمين ومسيحيين، لنزرع بذور المحبة في كل البقاع، وخصوصاً في هذا اللبنان الذي مزّقته الفتن، وحاصرته الأحقاد، وقسّمته السياسة، سياسة التجزئة والتفتيت التي انطلقت بها ذهنيات مغلقة من هنا وهناك...

تعالوا إلى الكلمة السواء في هذا الشرق، الذي أُريد له أن يكون مسرحاً للتقاتل والتباغض، بسبب لعنة النفط وبسبب إسرائيل ومن خلال سياسة الإدارات الغربية وغيرها، حتى باتت الهواجس تعصف بالجميع حول المستقبل الذي ينتظر المسلمين والمسيحيين، والذي يراد له أن يكون مُظلماً قاتماً يشعر فيه الجميع بالقلق والخوف والضياع...

أيها الأحبة.. تعالوا للتمرّد، لنتمرّد بمحبّتنا على الحقد، وبتواصلنا على مشاريع الافتراق والانقسام، وباجتماعنا على خطط التجزئة والتفتيت...

تعالوا لنرسم المستقبل كما رسمه المسيح(ع)ومحمد(ص)، وكما أرادته مريم البتول مستقبلاً يضجُّ بالمحبة والرحمة، مستقبلاً يستريح فيه الجميع من شرور أنفسهم ومن أحقاد ذواتهم.. مستقبلاً نجتمع فيه مسلمين ومسيحيين، مستقبلاً يتسع للجميع، لأولادنا وأحفادنا...

أيها الأحبة.. لقد جرّبنا التمزّق وذقنا طعم الانقسامات، فهلاّ نجرّب التوحّد.. هلاّ نعبر الطريق إلى السلام.. ليكن هذا اليوم هو البداية، وحذارِ من الانهزام أمام عثرات الطريق.. إنها الانطلاقة التي ترسم آفاق الخلاص، فحذارِ من التراجع أمام ضغط الكلمات والهمسات والإشارات...

والحمد لله رب العالمين

(ع)