آية الله الشيخ حسن طرّاد وهوية جبل عامل العلميّة

11/10/2012
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

في لفتة قيمة راقية وغير اعتيادية، في لبنان، قامت جامعة المصطفى العالمية ـ فرع لبنان ـ ومعهد السيدة الزهراء(ع) العالي للشريعة والدراسات الإسلامية إلى جانب معهد الرسول الأكرم (ص) بتكريم آية الله الشيخ حسن طرّاد العامليّ (81 عاما). حضر حفل التكريم حشد كبير من العلماء، يتقدمهم وفد من مكتب المرجع آية الله العظمى السيّد السيستاني}، في بيروت ووفد من المجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى في لبنان برئاسة المفتي الجعفريّ الممتاز الشيخ أحمد قبلان، والعلاّمة الشيخ محمد يزبك، وممثلون عن رئيس مجلس النواب نبيه برّي وسماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وعن دولة الرئيس ميشال عون، وحضرت شخصيات من السفارة الإيرانية في سوريا وفاعليات دينية واجتماعية ودبلوماسية واعلامية ووفود حزبية وسياسية من حركة أمل وحزب الله. وقد أقيم هذا الاحتفال برعاية وحضور ممثل الإمام الخامئني ورئيس جامعة المصطفى العالمية سماحة آية الله الشيخ علي رضا أعرافي، وذلك عصر يوم الخميس الواقع في 3 أيار 2012م. في قاعة الجنان ـ بئر حسن ـ الغبيري.

العلاّمة طراد: عاملي المولد والهوى

إستهلَّ الاحتفال بقراءة آيات بيّنات من القرآن الكريم، تلاه شريط وثائقي قدّم للحضور نبذة عن تاريخ آية الله الشيخ طرّاد وعن دوره الريادي في المسيرة الإسلامية. حيث ولد العلاّمة الشيخ حسن طرّاد في العام 1931 في بلدة معركة جنوب لبنان. كان صغير أخوته من عائلة مؤلفة من ستة صبية وفتاتين، دفعه حُبُّ والديه للعلم الديني إلى التوجه لطلب العلم والتفرغ لتحصيله. تلقى علومه الأولية على يد العديد من علماء جبل عامل. تعرّف العام 1952 على الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين{ وقد وجد الإمام لدى سماحته رغبة جامحة في طلب العلم، فحثّه على الاستمرار في هذا الطريق. سافر سماحته في العام 1954 إلى النجف الأشرف حيث تتلمذ على أيدي كبار المراجع في الحوزة الدينية، ومنهم زعيم الحوزة العلمية آية الله العظمى السيد الخوئي، وآية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدر الذي حضر عليه بحث الخارج في الأصول لمدة 13 عاما. وللشيخ أربعة مؤلفات كبار تعدّ من أهم المصادر لدى طلاب الحوزات في العصر الراهن، ولديه كتاب خامس تحت الطبع حول علم الأصول.

الشيخ خازم: مولاي مفتاح كرامتي كنت.. وأنت لي في الدجى مصباح

الكلمة الأولى كانت من نصيب عضو مجلس الأمناء في تجمع العلماء المسلمين الشيخ علي خازم، بصفته أحد تلاميذ العلاّمة طرّاد، ومما جاء في كلمته:» ثمة شهادة لا يجوز لي كتمانها وقد تشرفت بخدمة أستاذنا العلامة الشيخ حسن طرّاد فضلا عن كوني أحد تلامذته بأن صرت أمين سر اللجنة المؤسسة لحوزتي الرسول الأكرم (ص) ومعهد السيدة الزهراء. فكان بمثابة العلّة في الحدوث والبقاء لهما، وإن كان التكريم إعلاناً بذلك لكنه يحتاج إلى مزيد من التوثيق لجعله في متناول الباحثين والمؤرخين للمدارس العلمية في لبنان. فكم أضعنا من هذا التاريخ لانعدام التوثيق على أكثر من صعيد».

وتابع الشيخ خازم:» تهيبت كثيراً للكلام عن سماحته، وبمحضره خصوصاً، لسببين أولهما ما يروى عن النبيّ محمّد (ص) في قوله لمن أثنى على رجل عنده «ويلك قطعت عنق أخيك، من كان منكم مادحاً لا محالة فليقل أحسب فلاناً والله حسيبه كذلك». وقد قدَّمت أني في معرض الشهادة فلا يجوز لي الامتناع عنها ولا كتمانها وإن تضمنت مدحاً هو أقلُّ ممّا يستحقه. والثاني معرفتي بتأثير سماحته الذي يتسع عن الإحاطة به في مثل هذا الوقت في صناعة مفاصل مُحكّمة في حركة الأمّة الإسلاميّة علماء وعلماء شهداء وطلبة شهداء وشهداء. فمن المرجع الشهيد آية الله العظمى السيد محمد صادق الصدر { الذي قرأ على شيخنا الأستاذ الفقه أيام النّجف الأشرف، إلى الإستشهادي تلميذ حوزة الرسول الأكرم الذي حضر دروسه الأخلاقية الشيخ أسعد برّو، والذي أحرجني عندما استدعيته للتنبيه على غيابه المتكرر عن الحوزة بقوله:» غداً تفرح مني وتعذرني».

وتابع الشيخ خازم تحت عنوان «عاملية الشيخ» قائلاً: «عرفت حوزة النجف الأشرف طلبة عامليين، ولدوا لأُسر علمية مقيمة هناك، لكن سماحته كان من أوائل العامليين الراحلين إلى النّجف طلباً للعلم. وهو بذلك أسس لعائلة علمية كان منهم أخوه المرحوم سماحة الشيخ محمد علي طرّاد. ومن هذه العائلة الشريفة إخوة له وأبناؤه جميعاً.. ومما يلاحظ في حياة سماحته رغم امتداد إقامته النّجفية فإنّه لم يعدل في كلامه عن اللهجة العاملية ولم تشبها إلا الفصحى.. ختاما لقد أوفيت يا مولانا بحقنا فكنت كاملاً في تطبيق وصية الإمام زين العابدين (ع) في رسالة الحقوق فجزاك الله عنّا خير جزاء المحسنين ولقد صنعت منّا رجالاً شرّفوا بكرامة العلم..مولاي مفتاح كرامتي كنت.. وأنت لي في الدجى مصباح.. هذه الشهادة باسمي وباسم أكثرنا كنا في ظلالك كما كان موسى(ع) مع العبد الصالح، لم نستطع صبراً لكن تكلّفناه كي نتعلّم مما عُلّمت خبراً فكنت أباً بل أحنى..».

السيد محمد الغروي: الشيخ طرّاد كان التلميذ الدؤوب المجتهد والأستاذ النجيب المتفقه

كلمة أصدقاء المكرّم ألقاها سماحة السيّد محمد الغروي. ومما جاء فيها:

«نجتمع لتكريم علم من أعلام الإسلام.. وعندما نتحدث عن سماحة الحجة الشيخ طرّاد يجب علينا أن نتذكر النّجف الأشرف والحوزة العلمية فيه ومرجعية السيد الحكيم والأستاذ الكبير السيد أبو القاسم الخوئي وأستاذنا المفكر الشهيد السيد محمد باقر الصدر.. سماحة الشيخ حسن كان في النّجف وأتذكر بأنه كان في مدرسة البروجردي M على مقربة من الصحن الشريف. وكان هذا الرجلُ مُجِّداً في طلب العلم والتحصيل. أذكر ما شاهدته بعيني، هذا الانسان الجميل العالم كان مشغولاً بطلب العلم والتعليم وكان يكتب الدرس ويبتعد عن السهرات والمجالس التي لا فائدة علمية فيها.. كنت أتردد على مدرسة البروجردي وكنت أراه في أيام الحر الشديد جالساً على باب غرفته إتقاء الحّر الشديد ويكتب.. وكنت أراه في درس السيد الخوئي ويكتب وكان يحضر بحث سيدنا الصدر على جانبه الأيمن ويكتب.. وكان أكثر الطلاب المعروفين في النّجف بالجدية والاجتهاد.. فكل الطلاب الإيرانيين والعراقيين كانوا ينظرون إلى هذا الرجل بعين إكبار واحترام.... وبعد ذلك جاء إلى لبنان ودعمنا بالتوجيه والإرشاد هذه هي سيرة علمائنا وهذا من السلف الصالح ومن العلماء الذين بذلوا أيامهم في إرشاد الناس والتعليم والتأليف.. نسأل الله أن يطيل عمره ويوفقنا جميعا لخدمة الإسلام والمسلمين».

الشيخ قبلان: الشيخ طرّاد كان بصمة الصلة لتاريخ الشيعة المظلوم

كلمة نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ألقاها ولده المفتي الممتاز الشيخ أحمد قبلان وجاء فيها:» إن الانقياد للعالم لغة العقل والمنطق ولأن العالم من العالم كحبات السبحة فقد قال النبي (ص):»الفقهاء قادة والجلوس إليهم عبادة»... من هنا تبدأ قصة مولانا العلاّمة الشيخ طرّاد، ففي العام 1931 في بلدة معركة العاملية كانت حكاية الحروف الأولى لنفس سكنت طين الدنيا بروح ما زالت تترشح فردوس أبدها وحنين وطنها الأعلى المغروس على أطياف العالم العلوي مذ برأ الله كلمتها من عالم الميثاق فتفتقت يقيناً وهي تسارع إلى مفخرة اعتقادها فقالت «بلى ربي الله». وعلى الأثر بدأت رحلة العلاّمة الفقيه الشيخ حسن مع السيد عباس أبو الحسن ثم منه إلى الشيخ خليل ياسين والشيخ عز الدين والشيخ خليل مغنية وسط ترحال عبرت به إلى أكتاف طيردبا الجنوبية ثم لتزفّ حناياه إلى غاية دربه ومهجة قلبه النّجف الأشرف حيث طيب الولاية فكان أن عبر في العام 1954 إلى النّجف الأشرف بترحال عالم عابد ليحلّ على فقهاء الحرف وعلماء المعاني.. فكان أن نهل منها بفطنة فقيه يفك طلسم الحرف والمعنى..

وما بين هذه الحقبة وتلك شكلّ سماحة العلاّمة الفقيه الشيخ حسن طرّاد بصمة الصلة لتاريخ الشيعة المظلوم، ففي العام 1931 كنا رقماً مُلغى في التشريع السياسي واللوح الحقوقي في لبنان رغم أن دم أجيالنا الماضية سقى هذه البلاد ما أحياها. وفي الأرشيف الفرنسي شيء مُذهل من الإسقاط لهويتنا الإسلامية والعربية ولمثلنا وقيمنا، فيما الفترة العثمانية كانت قد جلبت رؤوس أمتنا وأتلفت أرواحاً حلت من الشرف عيناً أمثال الشهيدين الأول والثاني فأتى الشيخ حسن ليشكِّل رابطة التاريخ الموصول بالمذبحة العثمانية ثم الإلغاء الحقوقي الشرس ظلَّ يلاحقنا في الفترة الفرنسية وما بعد فترة الاستقلال لدرجة أن ميثاق 1943 لم يلحظ وجودنا إلا كجزء مكمل دون وزن أو آثار، رغم أن ظاهرة التسوية كانت لبنانية، ولأنه الشيخ حسن فقد أحسن السير الدؤوب فأحيا الحرف فأصدقته الكلمة بابها فعجن الأصول والفقه ليبرز فقيهاً مُفوهاً.. ومع عودته من النّجف إلى لبنان أصّل فكرة قيادة الفقيه العالم للأمة إرشاداً وتدبيراً ليؤكد بذلك صناعة الأجيال وكانت الأرض اللبنانية عطشى لمثل وجوده.. وكان له الدور المشهود في تكوين الشخصية المجاهدة الذي ما زال لُغزاً يحير واشنطن وحلفائها.. فنعم القلب قلب الشيخ حسن ونعم الحرف الذي غرسه آية على أعتاب الأولين فأحيا بعد موت وأيقظ بعد غفلة..».

آية الله أعرافي: الحوزة العلمية أنجبت العلماء الذي قدموا للبشرية أرقى العلوم

وكانت لراعي الاحتفال ممثل الإمام السيد علي الخامئني ورئيس جامعة المصطفى سماحة الشيخ آية الله علي رضا أعرافي كلمة تحدث فيها عن الأثر التاريخي الكبير للحوزة العلمية في تاريخ الأمة الإسلامية ومما جاء فيها: نتبرك في هذا المجلس بوجود آية الله الفقيه العلاّمة الشيخ حسن طراد ونثمن جهوده العلمية، ونعتزُّ أن اجتمعنا لنكرّم هذا الرجل العظيم والشخصية الفذة ونبتهل للمولى أن يطيل بعمره الشريف.. وأستأذنكم لأستغل هذه الفرصة لألقي ضوءاً على الحوزة العلمية ودورها في ترشيد الأمة. فقد أتت الحوزة أُكلها، وسماحة العلامة طرّاد يعدُّ واحداً من أُكلها الطيبة. فالحوزة لها تاريخ عريق وتراث عظيم..فالحوزة المختصة بالتعليم العالي للعلوم الإسلامية لها تاريخ مجيد وعلى أبناء الحوزة أن يعتزوا بهذا التاريخ..المكوّن الأوّل والمميز أن الحوزة قد جمعت في منهجيتها بين العقل والنقل، وركزت الحوزات على الاجتهاد الفقهي العميق طيلة هذا التاريخ الإنساني الطويل، فاستفادت من الوحي وعلومه ولكن من منهجية عقلية متكاملة، مواكبة للعصر وملبية لمتطلباته المتطورة تباعاً.

وثانياً الحوزة العلمية رغم تشعبها وتعددها في البلدان والأمصار المختلفة حافظت على هوية واحدة موحدة منسجمة ومتواصلة عبر التاريخ.. فنحن اليوم أبناء الحوزات نعتزُّ بأن لها تاريخاً يفوق الألف سنة ولم يحصل إنقطاع في رسالتها أبداً عبر مرور العقود التاريخية وذلك بفضل جهود العلماء العظيمة المتواصلة التي لعبت دوراً بارزاً في صيانة هوية الأُمة وتاريخها الإسلامي. وثالثاً الحوزة تتميز باستقلاليتها التامة عن الحكومات وسياستها إلى جانب استقلالها الفكري والاقتصادي، فقد كانت مستندة وما تزال إلى العلماء ودروهم التاريخي فيها. ورابعاً علماء الحوزات كانوا متميزين بتواصلهم مع الشعوب وتواجدهم بين أوساط الناس على اختلاف مللهم، فلم ينقطعوا عنهم أبداً.. وخامساً تميزت الحوزات باتقان اللغات المختلفة حيث كانت متواجدة في البلد الذي تختلف لغته عن البلد الأخر. فالمعارف الإسلامية فوق الجنسيات واللغات فهي لا تفرقها بل تجمع بينها. وسادساً هذه الحوزات قادت الأُمّة البشرية بعلومها خصوصاً عندما أرسى الشهيد الصدر دعائم الإستقراء المنطقي. وأخيراً انبثقت من هذه الحوزات ثورات إنسانية عظيمة أدت إلى خدمة الأمة في بلدانها، فعلماؤنا السلف كانوا مجاهدين ومدافعين عن الإسلام والمسلمين ومواجهة الكفر والفساد والاحتلال الأجنبي.. وفي الختام أقدم تحياتي للشيخ الحجة آية الله الفقيه حسن طراد أطال الله بعمره الشريف وأثمن جهوده المباركة وعطاءه الكثير لأبناء بلده الحبيب..».

في الختام ألقى الشيخ علي سليم كلمة المكرّم العلامة آية الله الشيخ حسن طرّاد، حيث شكر المُكرّمين والحضور الحاشد. وقدمت الهيئات المُكرِّمة هدايا ودروعاً تذكارية للعلاّمة طرّاد.

مدير التحرير المسؤول