أمـتـنــــا في مواجهة تحديات العصر

18/1/2013
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم يسري عبد الغني عبد الله(1)

عصر العلم والمعرفة

إن العالم الذي نعيش فيه الآن هو عالم العلم والمعرفة، وبمعنى آخر نحن نعيش الآن ثورة النبوغ العلمي والمعرفي، ومما لا ريب فيه أن قابلية العلم والنبوغ متوافرة في شبابنا العربي المسلم الذين إذا ما توافرت لهم الأسباب المادية والمعنوية سوف يتحولون إلى مبدعين نابهين نابغين على المستوى العالمي، وليس فقط على المستوى المحلي.

وقد كان أسلافنا من علماء الأمة الإسلامية على هذا المنوال من النبوغ، ودليلنا على ذلك تلك الأسماء التي لا تزال كتبها تذكر وتبحث في جامعات الغرب، وقد ترجموها إلى اللاتينية ثم الإنجليزية والألمانية والفرنسية وغيرها من اللغات الأوروبية، وكل اسم مرتبط بفنه أو علمه الذي نبغ فيه، وكتبه التي خلدت اسمه: أبو بكر الرازي أبو الطب الإسلامي وطبيب الدولة الإسلامية الأول، والشيخ الرئيس الطبيب الفيلسوف ابن سينا، والحكيم الفيلسوف الكنْدي، والبيروني الفيزيائي الفلكي الجغرافي، والجراح الطبيب الزهراوي الأندلسي، والحسن بن الهيثم عالم الضوء والبصريات، وجابر بن حيان رائد الكيمياء، وابن النفيس مكتشف الدورة الدموية، ومحمد بن موسى الخوارزمي رائد عِلْمي الجبر والتفاضل.. ونذكر أيضاً: ابن زهر عبد الملك، والبتاني، والزرقاني، والمجريطي، وابن يونس المصري، والبطروجي.. وغيرهم، وغيرهم من علماء المسلمين الذين أسهموا في كل فن وعلم، وكانوا بحق سادة علماء الدنيا في عصورهم، نقول هذا لأن الغرب نفسه اعترف بذلك، وأقرَّ به أهل الإنصاف منهم.

إن قابلية العلم بل قابلية النبوغ والإبداع والتفوق لا تزال كامنة في أمتنا حتى العصر الذي نحياه الآن، حيث يوجد ثلاثة من كبار علماء العالم ورواده في تخصصاتهم التي لم يجارهم فيها أحد شرقاً وغرباً، وهم من العرب: حسن كامل الصباح وهو لبناني، توفي منذ سنوات، وهو عالم فيزياء، وأحمد زويل الذي حصل على جائزة نوبل في الكيمياء، ومجدي يعقوب رائد جراحة القلب وزرع الأعضاء.

ونحب أن نقرّ هنا أن الولايات المتحدة الأمريكية بمدنها المختلفة مناطق جذب للشباب المسلم والعربي في كثير من ميادين السبق والتقدم، وهناك إحصائيات تؤكد أن الطلاب العرب والمسلمين من المبعوثين يحتلون مكان الصدارة والتقدم على نظرائهم من الأمريكيين الذين جأروا بالشكوى لعدم استطاعتهم مجاراة المبعوثين العرب والمسلمين الذين كانوا في المتوسط حوالى 1500 مبعوث في أوائل السبعينيات من القرن العشرين، حصلوا جميعاً على درجة الدكتوراه كل في تخصصه، ولم يعد إلى أرض الوطن منهم إلا عدد يتراوح بين الـ 200 والـ 250، أما الـ 1300 (تقريباً)، فقد فضلوا البقاء في البيئة العلمية التي يسرت لهم النبوغ والابتكار، وأمدتهم بالعون المادي والمعنوي، وهم الآن يحتلون مكان الصدارة في الجامعات الكبرى التي يعملون فيها، أو في مراكز البحث العلمي المنتشرة في الولايات الأمريكية كما أنهم يتولون المناصب العليا التي طوروها بنبوغ وجدارة.

التعزيز والتشجيع

مطلوب منا أن نعزز التعاون الثقافي والعلمي بين جميع البلدان الإسلامية، وكذلك تشجيع النبوغ العلمي والمعرفي، وإذا تسلحنا بالعلم والمعرفة فلن نخشى العولمة أو الكوكبية أو العالمية تلك الظاهرة التي لها أهداف غير خافية، وهي لن تنتظر الخامل أو الكسول أو الجاهل، وحتى لا يفرمنا قطار أو فلنقل مكوك الفضاء السريع علينا أن نستيقظ من غفلتنا ونسعى إلى العلم الذي هو أساس النهضة والتقدم، واضعين في الاعتبار عالمية الإسلام التي هي حقيقة واقعة، والإسلام نفسه دين العلم والمعرفة والتحصُّن.

نقول: إنه لا تخلو دولة من دول المعمورة الأرضية من المسلمين الذين يوحدون الله، ولا يوجد ركن من أركان الأرض إلا وفيه مسجد يُعْبَدُ فيه الله عز وجل.

وفي إمكاننا تحقيق عالمية الإسلام إذا قمنا وبشكل علمي، جاد، متزن، منظم، بعيداً عن المغالاة والتهويل، إذا قمنا بتوضيح المعجزات الكونية والعلمية التي تضمنتها آيات القرآن الكريم، وإشاعة ما كتب عنها بين الناس على اختلاف أوطانهم وأجناسهم، وقد كتب في ذلك الكثير والكثير، وعلينا أن نحسن اختيار ما يقدم للناس.

وهنا نقرر أنه عن طريق التحقق من حدوث هذه المعجزات، يمكن وكما حدث من قبل مراراً وتكراراً، دخول الكثيرين من الناس إلى الإسلام عن اقتناع تام.

ومن الأهمية بمكان ترجمة الأبحاث والدراسات التي تناولت المعجزات الكونية والعلمية التي وردت في القرآن الكريم، كذلك بثها كاملة أو موجزة عبر شبكة الإنترنت.

وفي اعتقادي أنه من الواجب إبراز القيم الإنسانية والأخلاقية التي يزخر بها الإسلام، واستخراج مبادئه الداعية إلى الحب والأمن والسلام والتسامح وقبول الآخر والحق والخير والجمال والمشاركة.. وليتنا نبدأ بذلك ونقدمه للآخرين كي ندحض تلك الشبهات التي تتهم الإسلام والمسلمين بالتعصب وضيق الأفق والدموية وعدم قبول الحضارة والمدنية.

وليس من شك أن ازدياد عدد النابغين من علماء المسلمين في العلوم الدنياوية كالطب والفلك والكيمياء والفيزياء والفضاء والرياضيات، وما شاكلها هو خير ما يقدم للناس كدليل وبرهان على عالمية الإسلام.

ومعنا شاهِدٌ على ذلك، لعلنا نتذكره، ألا وهو الدوي العالمي والواسع الذي حدث إثر إعلان اكتشاف العالم العربي / أحمد زويل (للفمتو ثانية)، وقد حرص زويل في كل مناسبة على أن يعلن أنه: عربي/ مسلم، وإن كان يحمل الهوية الأمريكية.

وهنا يأتي دورنا في ضرورة تشجيع العلم والعلماء، وتشجيع الإبداع والابتكار والتحديث والتطوير، ولن يتأتى ذلك إلا بإعادة النظر في مناهجنا وسياساتنا التعليمية على كل المستويات، وضرورة دعم البحث العلمي بكل الامكانات.

أما العولمة أو العالمية وما يثار حولها فلا خوف منها، طالما أننّا استيقظنا من غفلتنا، ووعينا بأن الله لا يُغَيِّرُ ما بقومِ حتى يغيّروا ما بأنفسهم.

البعض يقول أن العولمة ظاهرة طارئة مفتعلة لا ينبغي لمسلم أن يخافها لأن وجودها واستمرارها يجافي سُنَّة الكون التي خلقها الله تعالى، والتي سَوّى البشر عليها، وسنة الله أبقى من المخلوقين الفانين.

وهذا كلام لا غبار عليه، ولكن حبذا لو اتجهنا إلى العلم والبحث العلمي، وإلى التحديث والتطوير والإبداع والتخطيط السليم من أجل أن ننهض مما نحن فيه لنحتل مكاننا تحت شمس الحضارة كما كنا في الماضي.

ويقول آخرون إنه: يصعب تحقيق العولمة، وإن حسب بعض الناس تحقيقها بسهولة ويسر، فالكون يتألف من أمم مختلفة، وشعوب متباينة، وأعراق متفاوتة، ولغات متباعدة.

وهذا كلام قيّم، ولكن لنضع في الاعتبار أن الله تعالى خلقنا شعوباً وقبائل لنتعارف، لنتفاهم، لنتحابب، لنتعاون ونتضامن، لنتبادل الأفكار والآراء والخبرات والتجارب والمنافع، من أجل واقع أفضل لنا ولذوينا.

الحفاظ على تراثنا الثقافي والحضاري

وفي ظل الكلام عن العالمية أو العولمة وتجلياتها، نرى أنه من الضروري أن نسعى للحفاظ على تراثنا الثقافي والحضاري، أو بمعنى آخر: الحفاظ على التراث الثقافي والحضاري للأمة الإسلامية.

والدين إحدى الركائز الأساسية في التراث الثقافي، ويكون الحفاظ عليه بممارسة شعائره، والالتزام بأحكامه، والتأدب بآدابه، وفهمه برحابة أفق بعيداً عن الانغلاق والجمود والتعصب، والتصدي بالتي هي أحسن وبالحوار الواعي مع من يعتدي على ثوابته.

وفي ما يتصل باللغة علينا المحافظة على لغتنا العربية سليمة من العجمة، بريئة من العامية والألفاظ السوقية المبتذلة، واجبنا أن نقدم للناشئة لغة سليمة سهلة غير مهجنة ولا مُشوّهة ولا قاصرة، ولا من خلال نماذج مريضة من الأدب.

وختاماً: بهذا يمكن لنا القول أن عالمية الإسلام حقيقة واقعة، ورغم القول بأن العولمة طارئة لا خوف منها، فعلينا أن نعتبرها ناقوساً يدق لنا كي نقوم إلى العلم والمعرفة والتطوير والتحديث والإصلاح من الداخل، قبل أن يفرض علينا ما يُسمّى بالإصلاح من الخارج.

والله وليّ التوفيق

يسري عبد الغني عبد الله