ميثاق الأخوة والوحدة الوطنيّة في جبيل

20/4/2013
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

لقد كانت بلاد جبيل وكسروان السبَّاقة دائماً للعيش المشترك وللوحدة الوطنيّة بين عائلاتها الروحيّة في القرن العشرين وفي مطلع القرن الواحد والعشرين. وما حدث بين عائلتي آل سيف الدين من بلدة لاسا وآل خليل من بلدة حراجل ومن أهالي البلدتين الكريمتين ورجال الدين والمخاتير ورئيسي البلديتين في القريتين الآنفتي الذكر ومواقف الرئيس العماد ميشال عون وكتلة نوابه في قضاءي جبيل وكسروان وموقف سماحة الأمين العام لحزب الله العلاّمة السيّد حسن نصر الله وموقف اللقاء العلمائي في جبل لبنان وشماله لهو خير دليل على ما نقول. غير أنّ أبناء المنطقة أرادوا ترجمة ذلك كتابة وتدويناً كلما سمعوا طبول الحرب والفتنة تقرع عند اخوانهم في المناطق اللبنانيّة الأخرى. كما حدث في توقيعهم لميثاق عنّايا الشهير في 21 أيلول 1975م. بسعي من المحامي الأستاذ جان حوّاط والحاج محمود جعفر المولى وبإرشاد وتوجيه من الإمام السيّد موسى الصدر ومفتي بعلبك الشيخ سليمان اليحفوفي والعميد ريمون إده والدكتور انطوان الشاميّ والمطران عبد الله نجيم وتوقيعهم لميثاق آخر يؤكد الميثاق الأوّل في منزل الرئيس أديب علاّم في عين الدلبة ـ جبيل في 27 شباط 1976 حيث كان من أبرز الموقعين عليه: الرئيس أديب علاّم والرئيس عبد الله حمود ناصر والرئيس وفيق الحساميّ والشيخ رفيق الخازن والعميد سيمون سعيد والدكتور فيليب متى وأسعد جرمانوس والمحامي اميل يزبك وغيث خوري وسامي الهاشم ولويس القرداحي والسيدة نهاد سعيد وجورج بطرس كرم والمحامي محمد حيدر أحمد والمحامي السيّد عصمت الحسينيّ وحسن المقداد المعروف بأبي طعّان وعادل ابراهيم عوّاد وغيرهم من الفعاليات الجُبيليّة الكسروانيّة.

وقد تكلّمت عن الميثاقين الآنفي الذكر بالتفصيل في مجلة «إطلالة جُبيليّة» في عددها الرابع الصادر في تموز (يوليو) 2011م.

كما قامت لجنة المتابعة لبلاد جبيل والتي انبثقت عن إجتماع حسينيّة برج البراجنة في عام 1976م. بترجمة الميثاقين الآنفي الذكر على الأرض برئاسة العلاّمة الشيخ حسن عوّاد وعضوية: الحاج علي محمود عوّاد والنقيب الحاج حسين برّو والدكتور محمود عوّاد والمحامي مُحمّد علي خليل حيدر أحمد والحاج حسن محمود المقداد والأستاذ علي إبراهيم وغيرهم.

كما قام العام الماضي العلاّمة الشيخ محمد حسين عمرو رئيس اللقاء العلمائي في جبل لبنان وشماله بالتعاون مع سيادة المطران ميشال عون ومفتي بلاد جبيل وكسروان العلاّمة الشيخ عبد الأمير شمس الدين وإمام المركز الإسلاميّ في جبيل الشيخ غسّان اللقيس والعلاّمة الشيخ حسن حلاّل رئيس دائرة التبليغ في مؤسسة العلاّمة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله{، وقاضي جبيل الشرعيّ الجعفريّ الدكتور الشيخ يوسف محمد عمرو بالدعوة إلى لقاء وطني روحي للدفاع عن المُقدسات في جبيل في قاعة «أنطش مار يوحنا مرقس» جبيل في 28 أذار2012م. وإصدار بيانٍ تاريخيّ نتيجة ذلك الإجتماع. وقد تكلّمت «إطلالة جُبيليّة» في عددها السابع الصادر في 15 أيار (مايو) 2012م. عنه.

«العيش المشترك: خيار ومسؤوليّة»

نظمت «الجمعيّة المسيحيّة للشابات فرع جبيل بالتعاون مع مؤسسة «أديان» والمجلس البلدي لمدينة جبيل ومؤسسة السلام، إحتفالاً وطنياً بعنوان «العيش المشترك خيار ومسؤوليّة، في قاعة الإحتفالات في مجمع «إده ساندز» حيث وقع «ميثاق الأخوة والوحدة» لممثلي الطوائف الروحيّة، شارك فيه راعي أبرشيّة جبيل المارونيّة المطران ميشال عون، إمام المركز الإسلاميّ في جبيل الشيخ غسّان اللقيس، المفتي الجعفريّ لبلاد جبيل وكسروان العلاّمة الشيخ عبد الأمير شمس الدين. حضر الإحتفال جمع من الشخصيات السياسيّة والدينيّة والإجتماعيّة يتقدمهم قاضي جبيل الشرعيّ الجعفريّ الدكتور الشيخ يوسف محمد عمرو، قائمقام جبيل نجوى سويدان فرح، عقيلة وزير الداخليّة ليندا شربل، عميد حزب الكتلة الوطنيّة كارلوس إده، النائب السابق السيدة نهاد سعيد، رئيس حزب السلام اللبنانيّ المحامي روجيه إده، رئيس بلدية جبيل زياد حوّاط، رئيس جمعيّة «أديان» الأب فادي ضو، وغيرهم من الشخصيات.

بداية النشيد الوطنيّ ثُمّ كلمة عريف الإحتفال الإعلاميّ ماجد بو هدير، ثُمّ ألقى الرئيس الفخري للجمعيّة المحامي روجيه إده كلمة أكدَّ فيها أن «هدف الجمعيّة هو التنميّة والخدمة الإجتماعيّة والتوعيّة» وقال:» كفانا إقتتالاً وتشرذماً علينا أن نكون قادرين أن نرتقي شكليات الدين والمذهب والعرق واللون ونلتقي بإنسانيتنا فإن خلت قلوبنا من الإيمان بالله نتقاتل حينئذ على كل شيء بإسم الله فتعالوا نتواصل كلنا في درب الرسالة والعمل في منطقتنا وقرانا على تعزيز العيش المشترك بمسؤوليّة ونبذ كل بذور الطائفيّة والمذهبيّة».

بعد ذلك ألقى الأستاذ زياد حوّاط كلمة أكدَّ فيها أنَّ: «العيش المشترك هو خيار وقدر ومسؤوليّة في آن، إنّه العبور إلى مستقبل ينقذ الوطن» وقال: «يأتي هذا الإحتفال في زمانه المناسب ليؤكد من جديد على مدى وضرورة التزام اللبنانيين بالثوابت بين كافة الطوائف. ليس بثوابت العيش المشترك فحسب بل بما يتجاوزه ويثبته إلى حياة مشتركة تحتضن القيم الروحيّة والأخلاقيّة والمعاني الفلسفيّة وتطلعاتنا المجتمعيّة».

أضاف:«نداؤنا، وصرختنا المدوية، من جبيل بيبلوس، ومن وحي تاريخ وحضارة هذه المدينة العريقة، نعلن أن عيشنا المشترك هو خيار وقدر ومسؤوليّة في آن إنّه العبور إلى مستقبل ينقذ الوطن».

ثُمّ ألقى الأب فادي ضو كلمة ذكَّر فيها بما قاله قداسة البابا الراحل الطوباوي يوحنا بولس الثاني والبابا المستقيل بنديكتوس السادس عشر عن دور لبنان كنموذج للعالم في العيش معاً بين المسلمين والمسيحيين وبأنّه وطن الرسالة في الحرية والتعدديّة للشرق والغرب وبما دعا إليه أيضاً رئيس الجمهوريّة العماد ميشال سليمان من على منبر الأمم المتحدة إلى إعتماد لبنان مركزاً عالمياً للحوار بين الأديان والحضارات».

ثُمّ ألقى فضيلة الشيخ غسّان اللقيس كلمة أكدَّ فيها أنّ:» العيش المشترك هو المنقذ الأوحد للبنان» وسأل:» هل العيش المشترك هو حالة يمكن الإستغناء عنها أم هو مصير لا يمكن الإستمرار بدونه؟ هل هو وسيلة كي تقوي كل طائفة وجودها حتى إذا ما سمحت لها الفرصة انقضت على مثيلاتها أم هو ضمانة لبقاء لبنان قوياً شامخاً عالي الجبين؟ أكثر من ذلك أقول هل العيش المشترك أكذوبة يستقوي بها الضعفاء ويبطش بها الأقوياء، أم هو واقع وحقيقة ومصير ونظام حياة يجمع اللبنانيين ويساوي بينهم ليصبحوا من خلاله كحزمة عيدان يعجز العدو عن ليِّ واحد منها أو كسره».

وتابع:» آن الآوان أن نوحد نحن أبناء هذا الوطن الأهداف والمشاعر وأن نجعل من لبنان بلداً للجميع يتساوى فيه الجميع ولا يتعالى فيه بعض على بعض. إنّه القدر الذي جمعنا الله فيه وما جمعه الله لا يفرقه إنسان. جبيل التي أحببناها جميعاً عاش فيها الأجداد ثُمّ الأباء كل كان متمسكاً بمبادئه ودينه والكل كان راضياً بما قسمه الله له فيه. ها نحن اليوم نجتمع لنجدد العهد على أن العيش المشترك هو منهاجنا ولنقول للعالم بأسره بأنّ أحداً لن يفرقنا عن بعض وأنّ أحداً لن يبعدنا عن بعض. وبأن أحداً لا يستطيع أن يهزمنا وبأننا أقوياء بمحبتنا لبعضنا البعض وبسواعدنا التي يقوي بعضها بعضاً».

وكانت كلمة للمفتي الشيخ شمس الدين لفت فيها الى «أهمية التعاون لما فيه خير لبنان بالشركة الفاعلة والايجابية لاستمرار لبنان وطناً حاضناً لكافة عائلاته الروحية»، وقال: «بما ان احتفالنا الوطني هذا يحمل عنوان «العيش المشترك: خيار ومسؤولية» فانني أرى بأن خير ما يعبر عن هذا العنوان هو كلام صادر عن رائد العيش المشترك والوحدة الوطنية، رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الامام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين حيث يقول: ومن الامور التي نركز عليها موضوع العيش المشترك وهذه المقولة هي الاساس في تكوين الشعب اللبناني وتكوين لبنان باعتباره وطناً لجميع بنيه ومن دون هذا العيش المشترك لا يمكن ان يوجد لبنان، هذه حقيقة راسخة لا يمكن ان يستمر لبنان من خلال مشروع خاص للمسلمين كل المسلمين أو أي طائفة من طوائفهم كما أنّه لا يمكن أن يوجد لبنان من خلال مشروع للمسيحيين كل المسيحيين أو أي طائفة منهم».

أضاف: «حكاية المجتمع المسيحي أو أمن المجتمع المسيحي حكاية باطلة كما لو كانت مقولة مجتمع اسلامي أو أمن مجتمع إسلامي وخصوصية مجتمع اسلامي ـ لبنان يتكون من هاتين المجموعتين الكبيرتين، ونحن لا ننظر الى لبنان كمجموعة أقليات، لبنان يتكون من مجتمع سياسي واحد ومن مجتمع أهلي متنوع، المجتمع الاهلي فيه مسيحيون وفيه مسلمون، المجتمع السياسي بعيد بعض الشيء أو أننا نعمل على أن يكون هذا المجتمع بعيداً عن كونه مسلماً أو مسيحياً بالمعنى السياسي، فاللبناني ينتمي الى دينه بالمعنى الأهلي الإنساني، لكن بالمعنى التنظيمي السياسي هناك مجتمع سياسي ينتج دولة ومؤسسات وهذا يكون مجتمعاً واحداً، فالتنوع هو تنوع ديني وليس تنوعاً سياسياً، ونحن نصرُّ على الا يؤثر التنوع الديني في الانتماء السياسي، ونركز على أن يكون الانتماء السياسي انتماء مجرداً، وهذا المفهوم انما يتوقف على العيش المشترك وعلى أن يكون الحوار الإسلامي المسيحي حواراً مفتوحاً ودائماً ويومياً، فلا ينحصر في إطار كنيسة أو مسجد أو كاهن أو شيخ أو مجموعة من هنا ومجموعة من هناك يتحاورون في قاعة مغلقة، لأنّ الحوار الإسلامي المسيحي يعتبر حواراً بمعنى أن تكون العملية الحوارية منطلقة من حياة النّاس اليومية بحيث يألفون بعضهم بعضاً ويقبلون بعضهم بعضاً كما هم ومن دون أية شروط».

وختم كلامه قائلاً: «إنَّ التطرف مهما تنوعت مبرراته يشكل عائقاً أمام حل أية مشكلة، ولا بد أن يكون اللبنانيون قد عرفوا أن السلم الأهلي والوحدة الوطنيّة هما من أقدس المقدسات الوطنيّة، إن السيادة والاستقلال في لبنان متلازمان تلازماً كاملاً مع السلم الأهلي والوحدة الوطنيّة، وقد اختبر اللبنانيون في تجربة الحرب ـ الفتنة أنّ أي إنكسار في الوحدة بين المسلمين والمسيحيين يجرُّ إنكسارات متتالية داخل كل طائفة ومذهب قد يؤدي الى تفتيت لا نهاية له. لذلك فإنّ أمن أي طائفة أو مذهب، وحماية مصالحهما يبدأ من حماية الوحدة الوطنية وتدعيمها وليس من نقضها أو إضعافها، ولا أمن لأي جماعة طائفية خارج أمن الوطن واستقراره ووحدته».

بدوره ألقى المطران ميشال عون كلمة أشار فيها إلى أن «بلاد جبيل عرفت منذ إندلاع الحرب اللبنانية عام 1975 أن تحافظ على مبدأ العيش المشترك والعيش معاً بفضل العقلاء من أبنائها المسيحيين والمسلمين ووعيهم لأهمية أن يكون لبنان وطناً نهائياً لجميع أبنائه، فسعوا الى المحافظة على حوار حقيقي يرتكز على الإحترام المتبادل والعمل معاً على حفظ العدالة الإجتماعية والقيم الأخلاقية والسلام».

وقال: «ولأننا نعيش اليوم واقعاً سياسياً يغلي على مستوى بلدان الشرق الأوسط وفي حالة تتفاقم فيها النعرات الطائفيّة التي بدأت تتحول الى حروب حقيقية مدمرة تحت شعار الربيع العربي، ولأنّ هذا الغليان بدأنا نشعر بوطأته الكبيرة على الساحة اللبنانية وبالخطر المحدق بنا من انعكاسات ما يجري في سوريا وبسبب اصوات متطرفة تتعالى من هنا وهناك بالرغم من سياسة النأي بالنفس التي اتفق عليها سابقاً أركان الدولة اللبنانية برعاية فخامة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال سليمان، باركنا وشجعنا هذا اللقاء الوطنيّ الجبيليّ الجامع لمكونات مجتمعنا الدينيّ والاهليّ والسياسيّ لنؤكد أن صوت الإعتدال وإرادة العيش معاً يجب أن ينتصرا على أصوات التطرف وشحن النفوس».

أضاف: «في ذلك نحن نتلاقى مع ما قاله السعيد الذكر الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني في الإرشاد الرسوليّ « رجاء جديد للبنان « عندما ذكر المسلمين والمسيحيين بأنهم عاشوا طوال قرون مديدة جنباً الى جنب، حيناً في سلم وتعاون وحيناً في صراع ونزاع ، وبأنهم مدعوون الى أن يجدوا في الحوار المسؤول سبيلاً لا بُدَّ منه للعيش المشترك، وبناء المجتمع اللبناني، بروح التجرد من أجل الصالح العام، لا المصالح الفرديّة، ولمستقبل أفضل محافظين على القيم الاخلاقيّة والعدالة الاجتماعيّة والسلام والحريّة ودفاعهم عن الحياة والعيلة والعمل على رفع شأنها».

وختم قائلاً: «نحن اذاً نفرح بهذا اللقاء الذي يزيدنا قناعة واصراراً على تحقيق دور لبنان بأن يكون رسالة لكل العالم وجواباً على كل تطرف بأن إرادة الله تكمن في أن نعيش معاً ونشهد معاً للقيم المشتركة التي تكون مجتمعنا الواحد. ونجدد الشكر للجمعية المسيحيّة للشابات ولمؤسسة أديان على هذه المبادرة الجميلة التي جمعتنا مسلمين ومسيحيين لنؤكد لأبنائنا في جبيل ومنطقتها وللبنانيين كافة إرادتنا برفض كل تطرف والعمل الدائم والسعي الى توطيد العيش المشترك لما فيه خير الجماعة والافراد». بعد ذلك وقّع سيادة المطران عون وصاحبا الفضيلة المفتي الجعفريّ الشيخ شمس الدين والشيخ اللقيس ميثاق الأخوة والوحدة الوطنيّة الذي تجد منه نسخة مصورة على غلاف هذه المجلة.