اللقاء في «انطش-مار يوحنا - مرقص» جبيل

24/5/2012
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بدعوة من راعي ابرشية جبيل المارونية المطران ميشال عون، عقدت القيادات الروحية الاسلامية والمسيحية في قضاءي البترون وجبيل لقاء حضره راعي أبرشية جبيل، راعي ابرشية البترون المارونية المطران منير خيرالله، المطران بولس اميل سعاده، مفتي بلاد جبيل وكسروان الشيخ عبد الامير شمس الدين، قاضي جبيل الجعفري الشيخ الدكتور يوسف محمد عمرو، مفتي المسلمين في قضاء جبيل الشيخ غسان اللقيس، رئيس المؤسسة الخيرية لأبناء كسروان وجبيل الشيخ حسين شمص، رئيس اللقاء العلمائي في جبل لبنان والشمال الشيخ محمد حسين عمرو، النائب الابرشي المونسنيور جو معوض، القيم الابرشي الخوري فادي الخوري، منسق العلاقات مع الاديان في البطريركية المارونية الاب فادي ضو، عضو الهيئة الإداريّة في تجمع العلماء المسلمين الشيخ ماهر مزهر، امام مسجد كفرسالا الشيخ جمال كنعان  وإمام بلدة راشكيدا ـ البترون الشيخ رضا أحمد. رئيس دير سيدة المعونات الاب شربل بيروتي، رئيس انطش جبيل الاب الياس العنداري.

كما حضر اللقاء الاب بولس جبور عن طائفة الروم الارثوذكس، الاب عميد معاز عن طائفة الروم الكاثوليك، الاب خاتشيك ميسريان عن طائفة الارمن الارثوذكس، الاب باسم الراعي، محامي ابرشية جبيل المارونية المحامي اسكندر جبران، الخوري انطوان عطاالله وعدد من المشايخ والكهنة.

بدأ اللقاء بالنشيد الوطني اللبناني، فكلمة ترحيبية للقيم الابرشي اعتبر فيها ان هذا اللقاء هو «من اجل ترسيخ الروابط بين اللبنانيين والجبيليين خاصة دون أي بُعد سياسي او حزبي بل من أجل المزيد من التواصل والتفاعل الوطني».

ثُمّ ألقى المطران عون كلمة أعلن فيها: رفضنا لكل أشكال التعدي على المقدسات وكل أشكال الفتنة التي تطلُّ برأسها من هنا وهناك. فالدين في أصله دعوة للتقارب بين الناس. ونحن في المسيحية لا يختلف عندنا حب الله عن حب القريب، إذ إن المسيح أقام بين الاثنين وحدة لا تنفصم. وهذا ما أعرفه في الإسلام أن «أحبكم عند الله أتقاكم» وأن الإنسان «إما أخ في الدين أو نظير في الخلق». فالدين في صميمه دعوة إلى الأخوة البشرية وإلى تغليب القربة على الفرقة أو العنف.

 ثُمَّ ألقى المفتي الجعفريّ الشيخ شمس الدين كلمة متوجهاً بها إلى المسؤولين قائلاً:» ان الوفاق الوطني على نهائية الكيان اللبناني والايمان بأن لبنان وطن سيد حر مستقل، وطن نهائي لجميع ابنائه مسيحيين ومسلمين يستوجب بأن توضع المناهج التربوية المشتركة بين الدينين السمويين العظيمين المسيحية والإسلام وبذلك يمكن ان يتحقق شعار «الشركة والمحبة» الذي اطلقته القيادة الروحية الواعية المتمثلة بغبطة البطريرك بشاره الراعي. ذلك الشعار الذي طالما نادى بما يحقق مضمونه الامام المغيب السيد موسى الصدر والإمام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين وغيرهم من المصلحين الرساليين». كما قال:» إنّ المساحات المشتركة بين الديانتين تنتمي إلى الوحي الإلهي وعليهما أن ينطلقا في الحوار من هذا القدر المشترك بينهما بحيث يؤدي الحوار إلى تكوين نظرة موحدة إلى قضيّة الإنسان والمجتمع والحضارة يترجمانها في هذا العصر إلى عمل يتوجهان به نحو العالم لتصحيح مسار الحضارة».

وبعده تحدّث جبور فاشار إلى أنّه» في زمن التقلبات والانقلابات، يوقن أهل جبيل ان السبيل الوحيد سبيل التفاهم والحوار، والتعاون لمجابهة الصعوبات ومفاجآت الغد وغيومه، وللتغلب على أي رياح قد تعصف عداوة بقوم قرروا الاعداد لمستقبل مشترك. ان احلال السلام والعدل في مجتمعنا، وتوثيق التضامن بين فئاته، والتنديد بالمظالم وصيانة الطبيعة والبيئة ومواجهة التقنيات الجديدة، قضايا تهمنا جميعا. فلنسع معاً ولنفكر معا ولنقرر معا ولننفذ معا».

وبعده تحدّث الشيخ اللقيس فدعا إلى «توجيه نداء الى اللبنانيين «بضرورة شبك الايادي ورص الصفوف والتعالي على الجراح».

كما دعا إلى مد يد العون والمساعدة إلى النازحين السوريين إلى لبنان.

وتحدث الأب معاز عن ثلاث فئات مشتركة بين المسيحيين والمسلمين: الفئة الاولى فئة لا يعنيها أمر الدين، الثانية هي فئة المؤمنين الملتزمين، الثالثة: هي فئة المتعصبين. وقال: اذا اردنا ان نعيش بسلام علينا اقصاء هذه الفئة وعدم السماع لها ولتعاليمها التي تسيء الى الانسان والقيم الانسانية وتبيح لنفسها قتل الناس».

ثُمَّ تحدّث القاضي الدكتور الشيخ عمرو فوصف اللقاء بالعيد، مستذكرا زيارة الامام موسى الصدر لهذه القاعة منذ اكثر من أربعين عاما، مُحذرا الجبيليين واللبنانيين من «المخططات التقسيمية والطائفية التي أريدت للبنان آنذاك من قبل العدو الصهيوني الطامح والطامع بالمياه اللبنانية وبتوطين الفلسطينيين في لبنان».

أما الاب خاتشيك ميسريان فقال ان «الحوار يعزز التنوع الثقافي في المجتمعات ويساهم في الاحترام والتفاهم المتبادل وفي قبول الآخر». وقال: «بما ان لا وجود للبنان من دون العيش المشترك، فإن ابناء الطائفة الارمنية هم لبنانيون اولا ومن اصل ارمني منذ ان وطئت اقدامهم الارض اللبنانية. هم متساوون في المواطنية مع باقي الطوائف اللبنانية ويتمتعون بالحقوق والواجبات التي يتمتع بها اي لبناني. وان لبنان قد عرف منذ عقود بالعائلة الجامعة لجميع الطوائف. عائلة تكافح في سبيل القيم الاخلاقية، وفي سبيل العدالة وحقوق الانسان».

 

وفي الختام اصدر المجتمعون بياناً استنكروا فيه التعرض للمقدسات الإسلامية والمسيحية بعد حوادث حرق القرآن الكريم والاعتداء على الكنائس، وهم يعتبرون أن من يقوم بهذه الأفعال خارج عن حقيقة الدين الذي هو دعوة إلى التآخي والسماح والمحبة.

وجددوا التأكيد على أن هذه المنطقة تميزت عبر التاريخ، حتى خلال الأحداث الدامية التي شهدها، بالعيش معا بين المسيحيين والمسلمين وغيرهم من الديانات والجماعات الثقافية، وأسطع دليل على ذلك طبيعة المجتمع اللبناني التي تكرست في صيغة العيش الواحد التي اختارها اللبنانيون أساسا لدستور الدولة اللبنانية. من هنا يدعو المجتمعون اللبنانيين إلى التمسك بهذا الاتفاق الإنساني والحضاري المميز ولعب دور رسل هذه التجربة الفريدة بين الدول العربية الأخرى، خصوصا تلك التي تشهد تغيراً في أنظمتها السياسية، حتى تنشأ في تلك الدول دولة المواطنة والقانون والديمقراطية والحرية.

واعتبر المجتمعون أن الاستقرار السياسي والأمني في لبنان مسؤولية الجميع. ويرحبون بالإجماع الذي لقيه الدور الوطني للجيش اللبناني ويثمنون المهمات التي قام بها على الحدود وفي ضبط الأمن في الداخل، متيقنين من أن اللبنانيين سيبرهنون بإجماعهم على دور الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية الأخرى على أنهم متمسكون بالدولة خياراً نهائياً وحيداً.

وأعلنوا رفضهم لأي تدخل من صديق أو غريب في شؤون بلادنا أو استغلال لثرواتها. كما يرفضون اي ارتهان يؤدي إلى تنافر الجماعات في ما بينها.

وأسفوا على وقوع ضحايا في سوريا ويناشدون الإخوة أن يحتكموا إلى لغة العقل والحوار للوصول إلى الإصلاحات المنشودة، وللحفاظ على وحدة بلادهم والنسيج الاجتماعي المتعدد، لكي لا تدخل البلاد أتون أزمة مفتوحة لا يعرف أحد إلى ما ستنتهي إليه.

وأهاب المجتمعون بقادة الدول العربية والمرجعيات الدينية أن يتحملوا مسؤولياتهم التاريخية في الحفاظ على وحدة أوطانهم وعلى العلاقة الأخوية بين الدول العربية المختلفة، نابذين الفرقة والفتنة، وأن يقفوا موقفاً تاريخياً في وجه كل ما يؤجج النعرات حتى يخرج العالم العربي معافى مما يمر به.

وتمنى المجتمعون أن تعمل الهيئات الدولية والإنسانية والروحية بما يقتضيه ميثاق حقوق الانسان وتقتضيه العدالة الدولية على فضَّ النزاعات القائمة والحفاظ على الوجود المسيحي والاسلامي وعلى المقدسات ومواجهة حملات التهجير التي يتعرض لها المسيحيون والمسلمون من مدينة القدس ومن دول عربية أخرى.

رحبوا أخيرا بالقمة الروحية الإسلامية-المسيحية التي عقدت في الصرح البطريركي في بكركي، وهم يضمون صوتهم إلى صوت المرجعيات الدينية بضرورة عقد قمة إسلامية مسيحية على مستوى العالم العربي لوضع وثيقة تاريخية لترسيخ العيش الواحد المشترك بين الديانتين.