مع خليل قبلان (أبو حسين) في ذكرى رحيله

4/1/2016
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم: الأستاذ يوسف حيدر أحمد

قال إمام البلغاء والمُتّقين عليّ بن أبي طالب t: لا يُعرفُ الحقُّ بالرجال، بل يُعرفُ الرجال بالحقِّ، أعرف الحقَّ تعرف أهله\".

لا ينظر الإمام t، هنا إلى الإنسان كقيمة مادّية تملك المال والسلطة والجاه وبهرج الحياة وزينَتها، إنّما ينظر إليه كقيمة معنويّة، فمثّله بالقيم والمبادئ والمُثُل الإنسانيّة الخالدة التي ينطوي عليها العالم الأكبر.

ومضت هذه الحكمة البليغة في فكري. وخاطري، وأنّا أتذكر سيرة المرحوم خليل قبلان (أبو حسين).

تذكّرتُ هذا الرجل العصامي الطيّب الذي عَرَفْتهُ منذ ما ينوف على ثلاثة عقود من الزمن.

عرفت فيه الإلتزام بقيم الحقِّ والإستقامة وصلابة الموقف والأخلاق الفاضلة، منهجاً ومساراً في حياته العمليّة. ما التقيتُهُ يوماً إلاّ واستقبلتني إبتسامته المتلالئة على وجهه الصبوح، ولأنّها رسُولٌ أو مرآةُ صافية يرسُمُ على صفحتها الشفّافة ما يجول في قلبه من طيبة وبراءة وحُب تجاه الآخر.

وكنت أشعر بلذَّة حديثه الذي كان يُؤَيِّدهُ بحركات يديه. وكانت عنده ميزة الحِرصِ على إحترامِ وأدب التعاطي مع الآخرين، فلا يغتاب، ولا يُسيء لأحد بقول أو فعل، بل كان يُقرِّبُ بيّن المتخاصمين تماهياً مع الحديث الشريف القائل: «يسروا ولا تعسروا، قربوا ولا تنفِّروا».

وكم كان يُعجبني فيه عنفوانه وإباؤه اللذان إشتهرت بهما عائلات بلدته حجولا (2)، فتراه لا يتزلّف ولا يُحابي بل يقول ما في قلبه على لسانه بثقةٍ وشجاعة وجرأةٍ لا يخاف الموت معها.

لم تسنح له ظروف طفولته أنّ يأخذ قسطاً من العلم إلاّ قليلاً، إقتصر على قراءة القرآن وحفظ بعض سوره لكنه عوّض عن ذلك بمعرفته شؤون الحياة وصداقته للنّاس، ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم، وطنيتهم وإنسانيتهم.

وكثيراً ما كان يزور الأقرباء والأصحاب في بلدة كفرسالا العمشيتيّة ـ المقابلة لمنزله المُتّكئ على تلة وطى بلدة إدّه ـ وكان يَعْرُجُ على مسجدها لأداء الصلاة إذا حان وقتها.

عَمَلَ في سكَّة الحديد ردْحاً من الزمن، ثم في مستشفى الروم في بيروت. كافح وجاهد بهمَّة لا تعرفُ الكسل من أجل مستقبل أولاده الذين درجوا على خُطاه في الإندفاع والإستقامة ومحبّة النّاس وعمل الخير.

لم أرهُ يوماً شاكياً رغم قساوة الدهر عليه، ورغم المرض الخبيث الذي لازمه في أيامه الأخيرة، فكان صبوراً قانعاً بحكم الله وقضائه، يحمده ويشكره ويُصلّي، لأنّ قلبه كان مُفعماً بالتقوى والإيمان.

ورحل أبو حسين بصمت، مستودعاً الله الذي لا تضيع ودائعه، تاركاً بين أهله وأصحابه ومُحبيه مسحة من الحزن والأسى ممزوجة بعطر المحبة والصيت الحسن.

 

وغادر هذا العالم الترابي مُطمئناً ومُطبقاً حكمة الإمام عليّ الإجتماعيّة القائلة:« } خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ { (3)». رحمك الله يا أبا حسين، وغفر لك وجزاك ثواب المحسنين.

الهوامش:

(1) جاء في ورقة النعي ما يلي: توفاه الله تعالى يوم الجمعة في 18 أيلول 2015م. وَنُقِلَ جثمانه الطاهر إلى بلدته حجولا حيث صًلّي عليه عصراً في جامع البلدة ودفن في مقبرتها.

أرملتاه: غالية ضاهر شمص. المرحومة آمنة نسيب رباح

أولاده: حسين، قبلان، فؤاد

بناته: شريفة، اكرام زوجة حسين حسن قبلان

اشقاؤه: المرحوم محمد، المرحوم اسماعيل، الحاج حسن، الحاج محمود

الآسفون: آل قبلان وشمص وعموم أهالي حجولا

(2) حجولا: Hjula تعني الدّوار والجوّال، أو مكاناً للبائع المُتجوّل، هي من جزر

(حجل) ويفيد الطواف والإحاطة بالشيء. وقد تكون بمعنى المستدير

والمُدور.

أنظر: أنيس فريحة، مُعجم المدن والقرى اللبنانيّة، مكتبة لبنان ـ بيروت، طبعة

ثانيّة 1972، ص 54.

وتُعتبر حجولا من قرى بلاد جبيل الوسطى ترتفع عن سطح البحر 850م. عدد

سكانها ألف نسمة، عدد بيوتها مئة بيت، زراعتها: كروم العنب والتين والتفاح.

يحدّها شرقاً بلدة مشمش، غرباً: بركة حجولا وبنتاعل، شمالاً: هابيل وكفون

والكفر، جنوباً: بشتليده وعنايا.

من آثارها القديمة: الأسماك المُتحجرة التي ربما تعود إلى عهد طوفان نوح

t، أو غيره من العهود والعوامل، وفيها مقام الخضر t.

عائلاتها: أبي ناصيف، قبلان، عيسى، إبراهيم، ومهدي، وشبلي، وأبي رعد،

وحمادة، رباح.

وهذه العائلات ثريّة بالنخب المثقفة والمتخصصة من أطباء ومهندسين

وضباط واساتذة ورجال فكر وأعمال وشخصيات وطنيّة.

(3) نهج البلاغة، دار المرتضى ـ بيروت، ط. 2003م. ج. 4، ص 625.