الحاج عبد الوهّاب شقير عاد إلى عذوبة الأيَّام والصَّباحات الحانية

25/3/2019
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم مستشار التّحرير الدكتور عبد الحافظ شمص (1)

الموت ليس مرضاَ، وإنّما هو الحدُّ الفاصل بين الحياة الدُّنيا والهجرة إلى الله تعالى حيث البقاء والخلود... والموت لغة الحياة اليوميّة ولا تبحث عن شيءٍ في فراغ ولا عن مخلوق إلاّ في الصّميم... والإنسان لا يتمكّن من مقاومة تسللُّ فكرة الموت إلى وعيه إلاّ بكثير من الإيمان والإرادة الصّلبة...

فيا أَيُّها السَّائرون في دروب الحياة على نَدَباتِ الخواطر وعلى ضآلةِ المسافة. ها هو المرحوم الحاج الفاضل عبد الوهّاب شقير قد رَحَلَ كما كُتِبَ له، وتقدّم مَنْ سَبَقهُ نحو الحياة الفُضْلى بإيمان كبيرٍ وطَاعةٍ وَتَواضُع... ويا أيُّها الموت. يا سَطْوةَ الباغي على الجسد، لقد كَسَرتِ المناحةُ أحلامنا، مخترقةً جدران الصّمت مُتمترسةً بخدقات الوجوه استولت على وجودنا وأحاطت بتحرّكاتنا.. وبين الحين والآخر ينقص منَّا واحد.

وَجْهُهُ الصَّافي q، منارةَ الوجود في هذه المنطقة مُنذ وجوده وإلى جانبه إخوته الأَكارم الّذين تحدَّروا من أَرومةٍ صالحة مُؤمنة وَمُحبّة للخير وللبناء... ولنا فيها أصدقاء ومحارم...

رحلتهُ لها معانٍ كثيرةً وفلسفة أعمق... فلا فناء له ولا حدود فأَعماله باقيّة نبراس نورٍ تُضيء القلب وتسكب العاطفة في العقول إنّهُ q، يستحق التكريم بقَدْرِ ما كان يهتمُّ بتكريم الآخرين من مُحبيّه وَمُريديه كما كلّ مَنْ يلوذُ به ويتعرّف إليه في حياته المملوءة بالوعي والإدراك والسَّماحة...

تكريمُهُ هو إيمان بالتجدُّد الطالع من الأَصالة... والمشهد الذي كُنّا نعيش معه، بعد صدور عددٍ جديد من مجلّتنا العزيزة «إطلالة جُبيليّة» والذي كان يزيدنا إيماناً بوعيٍ وإدراكٍ لما يجري على أرض الواقع وَيُترجمه كتابةً يدعو فيه إلى تقويم اعوجاج وتحسين وضع سياسيّ واجتماعيّ واقتصادي وتربويّ؛ ولا غرو، فهو ابن بيئةٍ حافظت على منطقة عزيزة من لبنان، كما في غيرها من المناطق...

أَصيلٌّ في انتمائه، باركتِ الحياةُ مَجيئهُ وضمنت كرامَتهُ وانسانيّتَهُ ومسيرتَهُ الشاقّة والشائقة في آن...

إنّ مرآة القلب التي كان ينظر بها المرحوم الفاضل الحاج عبد الوهّاب شقير هي وَهْجُ محبَّة نَقَشَها وجدانُه واختزنتها ذاكرتُه في مسيرةِ عُمر مجيدة يُسْتَنار بِهَدْيِها وهي باقية بقاء الدَّهر...

وإنَّ كلْ مجلّة أو مطبوعة، تبتكر لنفسها فضاء «إطلالة جُبيليّة» التي كانت تُزيّن صفحاتها المشوّقة بمواضيع مختلفة والتي كانت تأخذ طريقها إلى النّشر دون أيّ مراجعة أو تعديل أو حذف كلمة من جانب صاحبها ورئيس تحريرها سماحة القاضي الشيخ الدكتور يوسف محمد عمرو أو منيّ شخصيّاً كمستشار تحرير، لعلمي الأكيد أنّ الحاج عبد الوهّاب لا يُخطئ في ما كان يراه ويشعر به ويترجمه مقالةً يملأ فيها صفحته الحرّة.

تقف الآهات صامتة، تُراقب رهبة الموقف ورعشة الصْمت وتتهيّأ لرسم حروفها على صفحات الزمن، معبرّة عن لوعة الأسى بفقد عزيز، وتسكب في حِضْن الحروف مشاعر الحزن وآهات الألم وأَنهار الدَّمع.

ففي رحاب الله أيُّها الرّاحل الكبير. أَنتَ الآن تُصلّي وتتهجّد وتسمع وشوشات الملائكة المقرّبين السُّعداء لمقدمك وبحضورك، في جنّةٍ تجري من تحتها الأنهار أُعِدَّتْ للمؤمنين الصّالحين ولمن أتى اللهَ بقلبٍ سليم...

وإنني إذ أكتبُ له وعليه، لَهُوَ أمرٌ شاقٌ، معناه أَني اخترتُ المسلك الصّعب للوصول إلى حقيقةٍ تقتربُ في تعاريفها منه، وفيها الحياة الأبديّة، وأنثرُ مشاعري ورثائي، لا يسعني إلاَّ أَن أُعبّرَ عن محبّتي وعما يجيش في نفسي ودهشة الوداع وَحَيْرَةِ الأَلم وخوف النّهايات..

لن تقف الآهات ونحن في غروب شمس وعتمة ليل حيث تتكسَّر أمواجُ وألوانُ الشمس في بحور الأدمع التائهة، وحيث يُلوّحُ مِلْحُ الفراق منارةَ الوجود وَتُعازله عناكبُ الخوف من الآتي في ظلّ أَسوأ مرحلةٍ من تاريخنا وتاريخ المنطقة...

لقد عاد المرحوم الحاج عبد الوهّاب شقير إلى عُذوبة الأَيّام والصَّباحات الحانية في بيروت وفي الصَّوانة العزيزة على قلبه والتي لبست السَّواد وحزنت لرحيله...

رحمه الله وأَلهمنا جميعاً أهله ورفاقه في هيئة التحرير، نعمة الصّبر والسّلوان، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

 

الهوامش:

(1) كلمة مستشار التحرير الدكتور عبد الحافظ شمص، ألقاها بإسم أُسرة مجلة «إطلالة جُبيليّة» عصر يوم السبت الواقع فيه 8/12/2018م. من على منبر الجمعيّة الإسلاميّة للتخصص والتوجيه العلميّ ـ الرملة البيضاء ـ بيروت في ذكرى المرحوم الحاج عبد الوهاب حسين شقير.