إلى الشهيد المجاهد الحاج علي محمد عمرو (ابو محمود)

20/1/2017
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

من ابن أخيه الشيخ حسن قاسم عمرو

كطائر أيلول أنت ... قضيت العُمر سائحاً في مساحات هذه الدنيا الفانية ... أي عم أنت أوَترحل؟ وأنت الذي قلت إنَّ معركتنا هذه هي معركة العصر... أفتتركنا في وسط المحنة وتمضي؟ لعلك وجدت حيث مضيت ما هو حقُّ ... فتركت الدنيا الزائلة وانطلقت الى جوار الحسين t، والعبارة الأخيرة قبيل لفظك الأنفاس الأخيرة لقد اكتفيت من هذه الدنيا وحان موعد اكتشافي للعالم الآخر ... ولكن أبيت أن تمضي إلا واسمك في دفتر العُشَّاق الذين قدموا كل غالٍ بين يدي مولاهم فكنت مصداق الآية الكريمة

\"ومن يخرج من بيته مُهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله \".

ماذا أكتب إليك والحبر دمٌ واليراع رصاص، والقرطاسُ من كربلاء مداده، ومثالك حبيب وإبن عوسجة تحاكيهما على أعتاب الحسين t، ثم ترجو الوصال مع الشهداء تحت قبة زينب، من غير أن تيأس من غزوة العُمر الذي نيّف على الستين حتى غزوت الموتَ بالشهادة الجميلة.

كيف أرثيك اليوم وهل أبقت مأساة الحسين في أناملنا حياة، أَوَ تعلم كيف كان وداعنا لك حين رحلت، كانت دمعة العين محبوسة في الأحداق... حبستها الأيام في زمن الغُربة، وحتى الدمع الغزير من ألم الجرح البليغ كان سجيناً، كم آهاتنا وأوجاعنا الكبيرة، هو الدمع يحاول أن يزأر، أن يغضب، فلا يفلح، لقد سجنته قسوة القلب وتشوّه النفس الأمّارة، ولكن دمعتك يا عمُّ كانت سخيّة على الحسين ...

أوتدري يا أبا محمود أنَّ المدينة الحزينة، واليتامى والأصدقاء وَكُلُّ الأحبة كانوا يمنّون النفس بلحظة وداع لك وأنت تسافر الى لقاء الله...

فماذا تراني أكتب إليك يا بهجة القلب، وأنت الذي كنت تردد: إنَّ الكلمة عندما يكون موضوعها الشهيد تصغر وتصغر، تصغر الى أن تتلاشى. ويبقى بينها وبين الإستشهاد مسافة لا يعبرها الحرف ولا تجوزها الكلمات...

ألم تكن تردد: إن الشهيد لا يمكن رسمه في صور إذ تعجز الألوان في لوحة رسّامٍ عن بيانه، ولا يمكن أن يُعزَفَ في ملحنات الترانيم، لأنها الأكثر خجلاً أمام رائعة الشهيد، كيف وهو الموصول بعشق الله والإسلام وحبِّ الأرض والإنسان.

أتذكر يا عمّنا كيف كنا نعانق الشهداء، كيف كنا نودعهم ... و لقد كان وداع الشهداء في رأيك غروباً لا بُدّ منه لتستمر الحياة ببزوغ فجر جديد، وإشراقة شمس دافئة حنونة... حتى الموت كان له في عينيك نظرة جميلة... فيها رفعة ... وفيها سموٌ وشموخ.

وإني لأذكر وجهك وكلماتك في زمن الحبِّ والخير، أستحضر منها وهجاً يَمُدَّني بإرادة جديدة وعزم أكيد على متابعة الطريق، وأستمدُّ منك روحاً أواجه بها زمناً يتلبد أفقه بالغيوم وتعصف فيه الزوابع الرهيبة حيث يولد الوحش في الإنسان ولا يزال يتزيّا بمسوح التدين الزائف والإلحاد الصارخ .

وإني لأرى فرحتك السعيدة، تطوّق عنقك الأسمر، بإكليل من النرجس الفواح، بإكليل يضعه الله بيديه على أعناق الشهداء ... وقد فعل. ولا زلتُ أذكر بسمتك الصابرة الداعية، وهي تّذكرني ببسمةٍ تألقت ذات يومٍ على وجه عمّار بن ياسر وحَجرٍ بن عُدي وَرهطهما الأبرار.

المعيصرة اليوم ثكلى يا أبا محمود... تلبسُ وِشاحَ سواد، ونسيم عطرك يلامس وجوهاً طالما كنتَ تزورها حُبَّاً لإخوان المعاشرة، أَوَتسمع يا شهيدنا اليوم هذه الزفرات العميقة من إخوانك، إنها نَفسُ الآهات التي أطلقتها يوماً وأنت تَبثّني أحزانك وهمومك وتبدي إستغرابك من الناس وقسوة قلوبهم وتبلّد أحاسيسهم ..

وهذه فلسطين وفي عينيها شكوى حزينة، لا يكشف عن لغزها إلا عيون الشهداء الشاهدة على أُمّة العرب ... يا للمهزلة ... أُمّة تقتات الشعارات الملونة... وفلسطين الحزينة لا زالت يا صديقي كما عهدتها، لا تألف إلا دماء الشهداء، يسري فيها صوت الشهيد كما الأنغام تسري في الدماء...

أجل يا عمّنا الحبيب... لقد أسبلت جفونك وَغِبتَ عنا ولم نزل نتذكرك كما نتذكر بلوغ الأمنية والطيف الجميل... ونستشعرك كُلَّ مساء كما نستشعر العطر في الأنفاس تحمله نسيمات تشرين الباردة من زهر الليمون .

ولا أدري كيف يمكن لك وأنت المسكون بالحبِّ والخير أن لا يلامسك منا سوى دَمعةٍ مالحة عند نافذة الصمت والإنتظار.

وما كان يليق بوجهي أن يتعرض للرياح، لولا صوتك الذي كان يناديني على بعد أشواك المسافة وعلى عمق أشواقها، لا تزال صورة وجهك المزيّن بآيات الأخلاق وكظم الغيظ ماثلة في عيني، وكأنَّ وجهك نجمة أرّقها اشتهاء الماء، فانطفأت تحت الرمال، دون أن تعرف سِرَّ الإجابة على سؤال الزمن، بأن الأنهار جراح الأرض، وأنَّ دماءنا الأسطورية تنهض باكراً في مطلع الشمس…لا... لم تمت يا أبا محمود... لا... لم تمت أبداً بلا موعد... لم تمت أبداً بلا حلم يشتعل في الوردة النازفة حيث غابت روحك الفتية وهي تعتصر لذة الألم في عزِّ الشهادة ووجع المقاومة صبراً ونصراً.

سلام على الشهداء وسيدهم الحسين t.. وزينب تفتح قرآنها ترتل سورة الفتح عند نافذة الوجع والإنتظار.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الهوامش:

(1) استشهد نتيجة جراحات أُصيب بها في جهاده ضد التكفيريين في 28 أيلول 2016م. وَدُفِن في روضة الإمام الهادي (عليه السّلام)، محلة الأوزاعي ـ برج البراجنة.

والده: محمد محمود عمرو

والدته: مريم علي ضاهر عمرو

إخوته: محمود . المرحوم مصطفى . قاسم . حسن

أخواته: وفاء زوجة محمد مهدي عمرو. هيفاء زوجة عمرو عمرو

هو اعزب ولم يتزوج

وكان من قاطني منطقة الغبيري.