دمعتان .. وشمعتان مُهداة إلى أبي علي وأمي شريفة

15/12/2014
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم: الأستاذ يوسف حيدر أحمد(1)

دمعتان كبيرتان ذرفتَْهُما عيونُ العقل والعاطفة. قبل أن تذرفهما العيون التي تدورُ في المحاجر. دمعة على الماضي. ودمعة على الحاضر.

دمعة على الماضي الذي رحل فيه والدي(أبو يوسف) هذا الرجل العصامي الذي حارب الفقر بالصبر والعمل وحارب القدر بالعزيمة والإندفاع وشقَّ طريقه في صخور الحياة بفأس الجهاد والمثابرة. حتى إستحقّ بعمله الصالح وأخلاقه الحميدة وتربيته لأسرته وجهاده وإيمانه، إستحقَّ نعمة الحياة. ووسام الكرامة. وكانت معاناته كبيرة ومريرة لإفتقاده شباب إبنه الشهيد (نمر) الذي جرفته رياح وسياسة الحرب بألوانها القائمة والقذرة إلى المصير المجهول، فرحل الوالد عن هذه الدنيا وقلبه كسير، ودمعة حزينة حارقة، هائمة تسبحُ في بحر عينيه. وتستفسر عن غياب الأحباب، ولا من مُجيب!

أمّا دمعة الحاضر، فهي على الوالدة(أم يوسف) هذه الأم الطاهرة، الصابرة، المجاهدة، العابدة، الحنون المُحبَّة والمحبوبة والتي كانت تتنكرَّ لذاتها ولسعادتها من أجل إسعاد أبنائها والآخرين.

كانت كُلّها طيْبةً وبراءة، تحزن ولا تريد أحداً أن يحزن من أجلها، حتى لا تشعر بعقدة الذنب أو التقصير.

دمعةٌ على هذه المرأة التي حاربت الظروف الإجتماعيّة القاسية والظالمة يداً بيد مع زوجها المكافح، كأنهما واحد، من أجل تأمين سيرورة الحياة الكريمة لأسرتهما وقُبيل رحيلها بيومين، حلمت بأن المرحوم أبي يشدها من يدها ففسّرت هذا الحلم بأن الوالد يستعجلها الرحيل واللحاق به. وصدقت الرؤية وصدق التفسير إذ أنها رحلت بعد يومين من هذا الحلم الصادق.

وفي نفس اليوم الذي رحلت فيه ولم يك ثمَّة ما يُشير على أنّها ستغادر هذه الدنيا قريباً، وصَّت أبناءها بأن يُحبُّوا بعضهم وأن يكونوا على وفاق دائم، وكأن هذه الكلمات المختصرة القليلة كانت بمثابة وصية وداع من أجل السلام والمحبة والتراحم، التي وصَّى بها الرسل والأنبياء والأولياء الصالحين. ورحلت بصمت وسكينة وهدوء بلا تأفف ولا إنزعاج كما عودتنا في حياتها الطبيعيّة..

ولا تكفي الدمعتان للتعبير عما يجيش في القلب والعقل والروح من حزن واحتراق على فراق هذه الأم الحنون ولكن ما العمل! فكل من عليها إلى زوال وإختفاء...

وبفقد هذين الوالدين تنطفئ شمعتان، شمعة البركة وشمعةُ الرضى، فيختفي نور بركة الأهل وكنز دعاء الوالدين ورضاهما المقرون برضى الرب. هذه خسارةٌ ما بعدها خسارة لأنها لا تُعوَّض بكنوز الدنيا.

يرحمكَ الله يا أبي ورحمكِ الله يا أمي. وجعل مقامكما في نعيم الخُلد، حيث لا عينُ رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على بال بشر. فسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الهوامش:

كلمة رثاء من الأستاذ يوسف بحقِّ والديه المرحوم علي محمد حيدر أحمد الذي توفاه الله تعالى منذ سنوات. ووالدته المرحومة شريفة علي حيدر أحمد التي توفاها الله تعالى نهاء الثلاثاء في 19 آب 2014م. الموافق 23 شوّال 1435هـ.

جاء في ورقة النعي ما يلي: شريفة علي حيدر أحمد أرملة المرحوم علي محمد حيدر أحمد

أولادها: يوسف المؤهل المتقاعد في الأمن العام، المرحوم نمر، سالم.

بناتها: ماجدة زوجة فتحي حسن سكينة ، فريال زوجة أيمن دعبول.

اخوتها: المرحوم الحاج محمد علي حيدر أحمد، الحاج حسن علي حيدر أحمد.

صلى على جثمانها الطاهر المفتي الجعفري لبلاد جبيل وكسروان العلاّمة الشيخ عبد الأمير شمس الدين عصر يوم الثلاثاء في 19 آب 2014م. ودفنت في جبانة كفرسالا ـ عمشيت.