حديث أم رامي

3/11/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

أم رامي سيدة قروية عاشت  طفولتها، وصباها وشيخوختها في قرية نائية من قرى جبل لبنان الخلاّبة في مناظرها الجميلة.

أم رامي عاشت في هذه القرية البسيطة، التي يزين بعض سطوح منازلها القرميد وتزين بساتينها أشجار التفاح والكرز والعنب والخوخ. في هذه القرية حيث يستخرجون مياه الشرب وسائر حاجاتهم اليوميّة من العيون والآبار والتي لم تعرف الكهرباء إلاّ منذ سنوات قليلة. وأمّا الطرقات فلا زالت على ما تركه الأجداد والأسلاف.

وأمّا الحديث عن أم رامي التي كبرت واقترنت بشاب مزارع من تلك القرية، وكونا عائلة سعيدة من أربعة ذكور عاشوا معاً حياةً يرفرف عليها طائر الحب والوئام والرضى بالرزق اليسير.

عاشت أم رامي المرأة راضيةً برزق الله تعالى اليسير، وما مرّ عليها من متاعب ومصائب وعوز.

عاشت مع قساوة وبرودة الشتاء القارس، رأت لمع البرق وسمعت دوي الرعد وهي تحتضن أطفالها بليالي العواصف والأمطار الغزيرة، والثلوج التي كانت تغطي تلك القرية بوشاحها الأبيض النقي مما كان يدخل الفرح والسرور على أطفال هذه القرية بلهوهم ولعبهم بكرات الثلج.

كم سهرت أم رامي على شرفة منزلها مع زوجها وأطفالها، يتسامرون على ضوء القمر وحفيف أوراق الشجر، وصوت خرير مياه العين التي تجري بالقرب من منزلها البسيط.

كبرت عائلة أم رامي وفرحت بأولادها الذكور الأربعة وكان رزقهم خارج الوطن ككثير من شباب القرية.

ترك فراق أبي رامي للحياة أثراً حزيناً على وجه أم رامي بغياب أحبتها، أمضت أشهراً وحيدة تنتظر رسالة أو خبراً يدخل السرور على قلبها عن أولادها في بلاد الإغتراب والذين تزوجوا من بنات أجنبيات وأصبح عندهم بنين وبنات.

ذات يوم جاء خبر من أولادها في المهجر أنّهم سيأتون لقضاء عطلة فصل الصيف بضيافتها.

إنفرجت أسارير وجهها، ومضت طوال الليل تسامر القمر وتحدثه عن هذا الخبر السعيد.

وفي اليوم التالي قصدت الراعي في البلدة وابتاعت منه حملين حديثي الولادة لتربيهما ويكبرا لتقدم واحداً منهما على مذبح اللقاء بالأحبة وتبيع الآخر وتستعين بثمنه في حياتها.

أم رامي كانت تمضي أيامها بإطعام الحملين، تقدّمُ لهما العشب الأخضر والماء بيديها وهما يكبران مع أحلامها يوماً بعد يوم.

وذات يوم بينما كانت أم رامي ترعى الخروفين قرب الطريق العام أوقف رجل غريب سيارته الجديدة كان أنيق المظهر، تظهر عليه علامات الثراء، القى التحية عليها بصوت هادئ، ردت عليه التحية بأحسن منها.

سألها عن رغبتها ببيع الخروفين أخبرته أنها تنوي بيع خروف واحد والآخر تتركه لحين قدوم الأحبة من المهجر.

قدّم لها ثمناً مُغرياً لخروف واحد، وافقت على ذلك وفرحت بهذه الصفقة، فكرَّت أن هذا المبلغ يخولها أن تشتري بثمنه خروفاً آخر ويبقى معها شيءٌ من المال.

وكان الرجل الغريب طلق اللسان لطيف الحديث، أخبرها أنّه لا يحمل المال الآن، وطلب منها إيصال الخروف إلى قبو منزلها، ووضع الآخر في صندوق السيارة.

صعدت أم رامي إلى جانب الرجل الغريب. وإنطلقا بإتجاه المدينة نزولاً واعداً لها أنّه سيؤمن لها الرجوع إلى قريتها على حسابه بعد أن يسلّمها ثمن الخروف.

وبعد مضي أكثر من نصف ساعة تقريباً، أوقف سيارته جانباً وطلب من أم رامي أن تطمئن إلى وضع الخروف في صندوق السيارة لعلّه بوضع سيئ أو نحو ذلك.

نزلت أم رامي وبينما كانت تحاول التوجه نحو صندوق السيارة، إنطلق ذاك الرجل الغريب بسرعة هائلة تاركاً العجوز على قارعة الطريق وحيدة فريدة. شعرت بدوار في رأسها أقعدها على قارعة الطريق. وبسرعة إكتشفت أنَّها وقعت في شباك رجل غريب محتال لا يعرف الرأفة أو الرحمة.

لم تعد تعرف طريق العودة إلى قريتها من شدّة الحزن والقلق وتحولت أمانيها إلى كابوس رهيب.

وسرعان ما إكتشفت صعوبة ذلك. وبينما هي تلملم قواها تقف سيارة قربها ويسألها صاحب تلك السيارة عن غايتها، وكانت الكلمات تتلعثم في حنجرتها وهي تقف تحت أشعة الشمس الحارقة وهي تتكلّم معه.

طلب منها الصعود في سيارته لينقلها إلى منزلها في القرية. أثناء الطريق بدأت تقصُّ عليه ما جرى معها وكيف إنخدعت بكلام ذلك الرجل الغريب.

بدأ صاحب السيارة يخففُّ عليها أحزانها وآلامها بكلماته الطيبة.

أوصلها إلى منزلها ونادى جيرانها، وحين وداعه لها، علت وجهها إبتسامة شاحبة واستطردت شاكرة له مبادرته الحسنة، وتقدم منه أهل القرية بالشكر على معروفه الجميل. 

مضى أسبوع على الحادثة وأهل القرية يتقدمون لمواساة أم رامي. وقاموا بتقديم حمل صغير لها.

بعد شهر تقريباً عاد أولادها وأحفادها إلى وطنهم الأم وكان اللقاء السعيد والحميم لإجتماع الأسرة بعد طول غياب.. ذبحت أم رامي خروفاً وأبقت الآخر لنوائب الدهر.

وكان أحفادها يجتمعون حولها ويطلبون منها أن تقصَّ عليهم ما فعل الرجل المحتال بالخروف.

أم رامي تجاوزت الثمانين عاماً وما زالت تقصُّ على من تراه قصة ذلك الرجل الغريب المحتال مع الخروف، وقصة الرجل الطيب الآخر الذي أعادها إلى قريتها سالمةً آمنةً.

سلوى الحاج أسعد أحمد عمرو

جبيل ـ