حكاية عصفورة

16/2/2012
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

أستيقظ كل يوم على موسيقى وألحان زقزقة العصافير فوق شجرة الغار الشامخة التي تزين باحة الإستراحة للبناء الذي أقطن به.

أبتسم وأنا أُشنِّفُ أذنيّ بزغرداتها الجميلة وكأنها تناجي الخالق عزّ وجل بشكره وحمده...

أتقدم من النافذة لأُمتّعُ النظر فأرى أغصان شجرة الغار تتراقص لها مع نسمات الهواء المنعشة، ويتراءى أمام عيني أنّ كل شيء يمجد بديع السموات والأرض.

جارتي العصافير هي السابقة لصلاة الفجر أعود وأتممُ طقوسي الدينيّة لصلاة الفجر. وحين الإنتهاء من التعقيبات تكون الشمس قد بدأت ترسل أشعتها إلينا وزغردات العصافير تختفي رويداً رويداً.

أتقدم من نافذتي لتفقد ضيفة الفجر وهي تختفي لأرى عصفورة صغيرة تقف على نافذتي تميل برأسها شمالاً ويميناً، يُطوّق عنقها ريش أصفر اللون تخاله عقداً وضعته للتبرج يتوسطه منقار إرجواني رفيع الشكل.

مددت يدي نحوها إقتربت من يدي وبدأت تنقر عليها وكأنها تريد رَدَّ التحيّة!.

ومنذ صباح ذلك اليوم أصبحنا صديقتين، كُلَّ يوم تزورني لإلقاء تحية الصباح فأقدم لها كمية قليلة من الحبوب مع ورقة من الخس.

وفي أحد الأيام تأخرت صديقتي عن موعدها خلت أنّها رحلت وبينما أهمُّ مُنصرفة إلى غرفتي سمعتها تغرِّدُ بحزن شديد. عاتبتها وسألتها عن سبب غيابها؟ أخبرتني أنّ ذكرى أليمة حدثت معها وبدأت تحكي قصتها:

كنت طليقةً أهوى العيش بحرية أعشق النهار وشمسه المشرقة ليس عندي حدود معيّنة أنطلق إلى أعالي الجبال وإلى أسفل الوديان والبراري بحثاً وراء الرزق الحلال. وأحبُّ القمر والليل الدامس. آنسُ به وَأرتَاحْ إليه. وبينما أطير من مكان إلى آخر مُبتهجة فرحة مسرورة سمعت عصفوراً يئنُ أَنيناً بعيداً. تتبعت مصدر الأنين حتى اهتديت إليه ووجدته وكانت المفاجأة؟.. عصفورٌ مسجون في قفص حديدي قديم وبابه مغلق بأحكام. أمامه كمية من الحبوب وفنجان فيه ماء وبعض أوراق الخس الذابلة. سألت نفسي ما هي الجريمة التي أُلصقت به حتى أصبح سجيناً.

وأخبرني أنّه يعاني وحدة السجن ويطلب الحرية. صاحبته تعتني به، ولكنه ليس سعيداً. هو يئن والحزن لا يفارقه أمّا صاحبته فكانت تعتبره يغني لها. واتفقت معه على القيام بزيارته كل يوم. وكنت أخبره عن البساتين وما فيها من أشجار مُثمرة وعن طعم ثمارها اللذيذة وعن حقل القمح والفلاح الذي يحصدها. وعن شجرة التوت ولذة ثمارها. وعن الزهور والرياحين المتنوعة.

وذات يوم وأنا أخبره عن النهر الجاري وعن الهواء والنسيم. وقعت بالفخ وأصبحت سجينة مع صديقي العصفور برشة ماءٍ عليّ إستملكتني صاحبة صديقي عندما وجدتني عاجزةً عن الهرب والطيران!. ووضعتني مع صديقي السجين في قفص واحد!. وحين إستيقظت وجدت صديقي يأخذ زاوية من القفص وينظر إليّ بحزن شديد. وبعد مدّة أصبحت أتخاصم وأتشاجر مع صديقي القديم وأتهمه بأنه السبب بسجني. وجاء يوم فصلتنا صاحبتنا عن بعضنا حيث خصصت لي قفصاً مستقلاً. وبعدها كنا نتشاجر بالكلام والبكاء، وأحياناً نتحادث بوئام وسلام.

وبعد أشهر زارتنا طفلة صغيرة تقدّمت من قفصي لتداعبني وفي يدها أنواع من الخضار وبينما هي تفتح باب القفص لتقديم الطعام لي، غافلتها وحلّقت بالهواء الطلق أشمُّ رائحة الأرض وأتمتع بالحرية وكأنيّ ولدت من جديد.

سلوى الحاج أسعد أحمد عمرو