أبو محمد وتحرير الجنوب

20/4/2013
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

سلوى أسعد أحمد عمرو

نشأ أبو محمد في قرية بليدا العامليّة التابعة لقضاء مرجعيون. التي تمتاز بالصمود في وجه المخططات الصهيونيّة منذ الأربعينيات من القرن الماضي ولغاية تاريخه حيث سقط الكثير من الشهداء فوق ترابها الطاهر عامي 1948 و 1974م. دفاعاً عن الأرض والكرامة اللبنانيّة. وفي عام 1974 زارها وزير الداخليّة العميد ريمون إده متفقداً أضرار العدوان الصهيوني على البلدة وأهلها.

يمتاز أبو محمد والأهالي بالمحافظة على الصدق والوفاء والتعلق بالأرض والإهتمام بحراثتها وزراعتها والسهر على بيادرها أيام الحصاد والتعاون مع بعضهم بعضاً في قطاف الزيتون والدخان.

كما تمتاز بمسجدها الأثري الذي هو من أقدم المساجد في جنوب لبنان وببئر الماء القديمة التي تقع في جواره ـ التي يقول عنها الأجداد ـ أنها بئر النبيّ شعيب التي إستقى منها النبيّ موسى(ع)، لغنم شعيب(ع)، كما حكى لنا ذلك القرآن الكريم.

كما يزعم النّاس أنّ هناك مشهداً في البلدة فيه قبر بنيامين بن يعقوب(ع)، وليس هو بنبيٍّ. كما يزعم النّاس أيضاً أنّه يوجد بجوار بليدا مشهد آخر لوصي موسى(ع)، يوشع بن نون(ع)، وهو من أنبياء بني إسرائيل.

نشأ هذا الرجل الطيب على تقوى الله تعالى والولاء لأهل البيت(ع)، والإهتمام بأرضه والمحافظة على أسرته الصغيرة وتوفير العيش لهم والرزق الحلال من كدِّ يمينه وعرق جبينه في حقول بليدا وكروم العنب وحقول الزيتون ومن حانوته الصغير، إلى أن فرَّق العدوان الغاشم عام 1978 على قرى الشريط الحدودي وجنوب لبنان بينه وبين بلدته الحبيبة ... استأجر منزلاً صغيراً له ولأسرته الصغيرة في بناية قديمة في محلة بئر العبد ـ الشياح، عسى أن يكشف الله تعالى، عن بليدا البلاء ويعود إليها قريباً خلال عام أو عامين.

لم يكن وحيداً في تركه لمنزله وأرضه أمام العدوان الصهيونيّ المتكرر على البلدة بل سبقه الكثير من الأهالي كما لحق به الكثير منهم حتى طالت تلك الأعوام، وتواصلت الأحزان وتلاحقت ضربات الصهاينة وعملائهم على بليدا وجنوب لبنان.

ولعلَّ 50٪ من أهالي البلدة المتواجدين على الأراضي اللبنانيّة يقابلهم 50٪ من شباب البلدة المتواجدين في جمهورية المانيا الإتحاديّة.

كان حديث أبو محمد الموجه لي ولزوجي ولجميع من يزورنا في دارتنا في الغبيري عن أيام بليدا الحبيبة التي عاشها بين أشجار الزيتون والكرمة وعن حقول القمح والحبوب والتبغ وعن مواسم القطاف وجني المحاصيل وعن عادات أهالي البلدة وتقاليدهم في مساعدة بعضهم البعض أيام الزراعة والحصاد وفي السرّاء والضرّاء وعن ذكرياته لتلك الأيام التي لن تزول من ذاكرته أبداً.

وعن دعائه أناءِ الليل وأطراف النهار لمجاهدي المقاومة الإسلاميّة وأبطالها بالنصر على العدو الإسرائيلي وتحرير أرض الجنوب الطاهرة من رجسه وعدوانه.

والشيء الوحيد الذي كان لا يتكلّم عنه إلاّ قليلاً هو تردي صحته وحاجته الماسة للعلاج مع زوجته الصالحة أم محمد.

وقد فوجئت بخبر وفاته (رحمه الله تعالى) قبيل تحرير أرض بليدا وسائر قرى الشريط الحدودي بأشهر قليلة من شهر أيار عام 2000م.

وعندما تمّ إنسحاب آخر جندي صهيوني من أرض الجنوب الطاهرة في شهر أيار 2000م. تذكرّت شخصيّة أبي محمد وكلماته وذكرياته عن بليدا وتذكرت تمنياته للمشاركة في عرس التحرير مع أبناء بلدته الحبيبة وسائر تلك القرى الجنوبيّة. ولكن الله لم يُخب أمل أبي محمد فقد رأيت في الحلم أنني في أرض بليدا الطاهرة ورأيت الجنود الصهاينة وراء الشريط الحدودي ورأيت أبا محمد مع الأهالي يرفعون رايات النصر وهو يرفع بيد راية النصر وباليد الأخرى يندد بالعدو الصهيونيّ ويقول لهم: هذه أرضنا لقد حررناها بإذنه تعالى وبسواعد المجاهدين والشهداء الأبطال، إنتصرنا، إنتصرنا.

رحمك الله يا أبا محمد لقد كنت أباً لشباب بليدا ورجال مقاومتها تزرع في نفوسهم الصبر والثبات والأمل بنصر الله ورحمته للمستضعفين في الأرض على الصهاينة الطغاة.

 

 

الحاج فضل الله مرجي مع بعض شباب آل مرجي في زيارة أبناء عمهم القاضي عمرو
ونائبه الشيخ عصمت عمرو وجمعية آل عمرو ـ الغبيري 1999م

 

الهوامش:

أبو محمد هو المرحوم الحاج فضل الله محمود مرجي مواليد بليدا قضاء مرجعيون 1918م. أولاده: الحاج محمد (أبو حسين) يعمل في جمهورية ألمانيا الإتحاديّة مع أبناء بلدته. علي(أبو حسين) عنده دكان (للتنجيد العربي) في ضاحية بيروت الجنوبيّة. وخديجة وزينب... وآل مرجي في قرى: بليدا ـ مرجعيون ـ وبرج الشمالي قضاء صور ـ وزبدين مع آل حيدر في قعقعيّة الجسر قضاء النبطية هم من ذرية الشهيد الشيخ حسين بن علي عَمرو الوائلي من بلدة المعيصرة ـ فتوح كسروان المعروف بالشيخ حسين المرجي.

قال: الأستاذ أحمد أبو سعد في:[ معجم أسماء الأسر والأشخاص ـ دار العلم للملايين ـ بيروت ـ الطبعة الثانية.].

[ مرجي: إسم أسرة من الأُسر الإسلاميّة الشيعيّة في زبدين، عربي منسوب إلى المرج، أو هو إسم الفاعل من أرجأ. وهذه الأسرة أصلها من آل عمرو (راجع عمرو)، وأشهر من برز منها قديماً الشيخ حسين مرّجي مدّبر الشيخ مشرف في مزرعة مشرف، والشيخ أمين مرجي، وولداه الحاج محمد أمين مرجي، والحاج علي مرجي، وممن عرف منها حديثاً حسين علي مرجي، وحيدر عبد الرضا مرجي. ص 824 ـ825]. وللمزيد من الإيضاح راجع كتاب التذكرة أو مذكرات قاضً للقاضي عمرو. الجزء الأوّل. المؤسسة اللبنانيّة للإعلان. الطبعة الأولى 2004.