حكاية سلحفـــاة

26/09/2013
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم الحاجة سلوى أحمد عمرو

في حديقة منزلنا في القرية أنواع جميلة من الورود والأزهار وأصناف من الطيور الداجنة يطيب لي صباح كل يوم تفقدها وإطعامها واللهو معها تاركة شؤون المنزل ساعةً للترويح عن النفس ولتمجيد الله تعالى الذي فطر تلك الطيور على معرفة ما ينفعها وما يضُّرها. وكيف تدافع عن نفسها. وكيف تعرف صاحبها الذي يُحسِنُ إليها. وقد ألفت تلك الطيور وجود سُلحفاة معها تسبح في حوض المياه وتشرب منه. وتأكل من الفضلات الباقيّة من طعامها. كما إعتاد أهل المنزل منذ عقود من السنين على وجود هذه السلحفاة الأليفة التي لا تتجاوز حدود الحديقة إلاّ في بعض الفصول التي تزور بها النهر القريب من المنزل للتزاوج ولتضع بيضها في الرمال المجاورة له. وقد لفت نظري سيرها البطيء وصبرها على بلوغ غايتها في الطعام بعد إنتهاء الطيور من طعامها. وصبرها على متابعة طريقها على الرغم من وجود بعض العوائق الطبيعيّة، إذ قررت إستطلاع رأيها في ماضي قريتي وحاضرها. فأجابتني بعد إلحاح وطول إنتظار. والدموع تنهمر من مُقلتيها: إنّ ماضي هذه القرية عنوان كرامة وحياة، إذ كان الفلاحون بعد تأديتهم لصلاة الفجر يخرجون إلى أعمالهم في الحقول وهم ينشدون العتابا والميجانا. ويعودون إلى منازلهم بعد الظهر بقليل وقد أكملوا أعمالهم حيث تكون النساء قد أكملن أعمالهن المنزليّة وبإنتظار رجالهن لتناول الطعام. لقد كان أهل هذه القرية يا صغيرتي قبل نصف قرن ينعمون بالصبر والقناعة وعدم الخوض في الغيبة والنميمة والكذب والكسل. كما كانوا لا يبتاعون شيئاً من خارج القرية سوى الأرز والسكر والشاي والقهوة والقماش وأمّا طعامهم فكان من إنتاجهم ومن كدِّ يمينهم وعرق جبينهم ومن خيرات حقولهم.

وأمّا في أيامنا هذه فجميع ما يحتاجونه يشترونه من أسواق المدينة حتى البقدونس والفجل والنعناع. وأمّا الإستيقاظ لصلاة الفجر وأغاني العتابا والميجانا وخبز التنور والإهتمام بمؤونة الشتاء من برغل وكشك وتين وجوز وصناعة بعض المربيات فغير موجود في هذه القرية، اللّهم إلاّ عند بعض شيوخ القرية وعجائزها.

لقد قررت يا صغيرتي ترك هذه القرية والذهاب إلى النهر لإنتظار الموت الذي ينتظرني وينتظر ما تبقى من شيوخ وعجائز هذه القرية. ثم رفعت رأسها نحوي لترى الدموع تنسكب من عيني بغزارة على زمن مضى وعلى مستقبلٍ مجهول!!!.