حكاية جدتي

25/02/2014
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

الحنان والعطف الذي كنت ألاقيهما من جدتي الحبيبة، كنت أشعر بهما مع أشقائي وشقيقاتي الصغار الّذين كنت أرتاح معهم إلى حكاياتها وأحاديثها. وإلى هداياها الصغيرة لنا من زبيب وجوز ولوز ورمان وبعض المعجنات التي كانت تخبزها لنا في تنورها القديم.

ذات مرة زرتها مع أشقائي وشقيقاتي فوجدت أن اشجار الكرمة والتين والتفاح والإجاص والكرز والخوخ والجوز واللوز قد تجردت من أوراقها. ولم يبق محافظاً على أوراقه غير أشجار الزيتون!!

سألت جدتي عن الخبر؟ وما الذي حدث بأوراق هذه الأشجار الجميلة؟ وهل أن المرض قد حلَّ بها؟

أجابت جدتي: إنَّ جميع المزارعين في قُرانا اللبنانيّة ومنذ آلاف السنين يهيئون أنفسهم للعيش في فصول السنة الأربعة. فلكل فصل من هذه الفصول مزاياه وفضائله وجماله الباهر ومزروعاته الخاصة.

وما تشاهدينه يا صغيرتي من خلال أشجاري الحبيبة في هذا البستان، هو من آثار فصل الخريف. وفصل الخريف في الطبيعة هو شهر التجدد والتزود والإعداد لحياة جديدة. فبعد تقليم الأغصان وتشذيبها وتهذيبها في فصل الخريف، تأتي إلينا رياح الشتاء وعواصفه وبرده وثلوجه حتى لا يبقى على قيد الحياة في الطبيعة إلا الأقوى والأفضل من الأشجار والورود التي تنبثق عنها الأزهار والثمار في أواخر الربيع وفي فصل الصيف. تماماً كما حدث مع جارتنا العجوز منتورة وزوجها الشيخ الكبير ملحم ثُمّ سكتت جدتي عن الكلام لترتاح قليلاً.

بادرتها بالسؤال، ثُمّ ماذا؟

قالت: إنّ منتورة وملحم كانا جيراننا في هذه البلدة منذ مدة طويلة وكانت قناعتهما من الرزق الحلال والعيش البسيط شعارهما في الحياة. وذات يوم ذهبت منتورة إلى القرية المجاورة لتزور شقيقتها المريضة وبقي ملحم في المنزل يعتني بدود الحرير ويطعمها من ورق اشجار التوت.

وبينما هو منهمك بعمله سمع صوت المنجد من بعيد يعلن عن وصوله إلى القرية وعن قدرته وخبرته بالتنجيد. وما أن وصل المنجد إلى جوار منزله حتى طلب منه أخذ الفراش القديم وتنجيده، الذي مرّت عليه سنوات طويلة دون تنجيد. وهذا مما سيدخل السرور إلى قلب العزيزة منتورة. وبعد أخذ ورد إتفق مع المنجد على الأجر المطلوب. وبعد نصف ساعة حضرت منتورة إلى منزلها بسيارة ابن شقيقتها عباس. وما كادت رجلاها تحطان على الأرض حتى بادرها ملحم بالخبر السعيد وما حدث له مع المنجد!.

عندها بادرته منتورة بالسباب والشتائم وكادت أن تتحول إلى لبوة جائعة تريد أن تُهشِّم أنفه!.

إجتمع الجيران على صوتها وصراخها وظنوا أن عقل منتورة قد فارقها. وحاولوا تهدئة الأمور بينها وبين ملحم!

عندها إعترفت منتورة قائلة لهم: مضى علينا سنوات طويلة ونحن نعيش الفقر والفاقة والعوز حتى جمعت مبلغاً كبيراً من المال والليرات الذهبيّة من خلال مواسم دودة الحرير ومواسم زراعة التبغ والتنباك والزيتون والزيت وذلك حتى نستطيع بهذا المال إصلاح المنزل وبناء خزان لجمع المياه للبستان الصغير وحتى بالتالي نقوم بحجِّ بيت الله الحرام.

وعند سماع عباس ابن شقيقتها للخبر أقدم على حمل خالته وإدخالها مع زوجها في السيارة وذهب برفقتهما للسؤال عن المنجد الذي أخذ الفراش من ملحم. وإجتمع أهالي القرية في هذا المكان، يدعون الله تعالى ويسألونه عزّ وجل أن لا يخيب آمال ملحم وزوجه وأن يرجع المال إليهما ويحقق أمانيها في بناء خزانٍ للمياه وإصلاح منزلهما الصغير وفي الذهاب إلى حجِّ بيت الله الحرام. وبعد إنتظار طويل عاد ملحم ومنتورة إلى القرية والسرور ظاهر على وجهيهما وكأنهما عادا إلى ربيع الحياة من جديد.

 

ثُمّ أسّرت ليّ جدتي بعد ذهاب الجيران: أن ملحم يعاتب منتورة دائماً على جمعها المال دون إذنه ورضاه، ولكن منتوره تجيبه على ذلك: يجب عليك شكري على كل حال حتى نعيش ربيع الحياة من جديد