نسيان الأحزان

01/09/2010
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

في ليلة من ليالي الشتاء الباردة، وبينما كان الطقس عاصفاً والمطر منهمراً، وقطرات الماء تدّق على نافذة غرفتي وكأنّ أحداً يريد الدخول إليها، كما كانت عواصف كانون تملأ الليل، وهديرها يمتزج مع وقع المطر، فيؤلف قرقعة رهيبة. كان الظلام يلّف كل شيء في الخارج والبرد قارس ولاسع، عندها أشعلتُ النّار وكم كانت أحشاء الموقد جائعة إلى الحطب، وكم كانت نفسي جائعة إلى الدفء والحنان...إستلقيت قليلاً ورحت أتذكر أحزاني وآلامي التي دوّنتها ودفنتها بين كتبي، حروف صغيرة توالت عليّ، بسرعة مذهلة تُشبه رائحة الليل وصمت البحر الموحش بمجاذيف الحزن، جالت بخواطري جراح عظيمة، هي الآن مجرّد خيوط مهزومة على هوامش حيرتي، تألّمت من هذه الذكرى وحاولتُ النوم لأنسَ أحزاني وآلامي بفقدان أغلى شخصٍ في الوجود ألا وهو والدي، ولكنّ النوم كان يهرب من حجرتي ناديته... فأجابني: عندما تُبدلينَ ملامح وجهك هذا آتي إليكِ مُجدداً، قلت وجهي، ما بال وجهي، وجهي الذي كنتُ أقلّبه بسرّ الليل والنهار والذي كان يُفشي ضوءه لعابر السبيل، يُحرّك الساكن ويُسكنُ المتحرك هذا وجهي أعرفه، الآن أصبح الحزن يعلوه وقطرات الندى من الدمع تحرقه، لماذا؟؟ هل لأنَّ روحي تطلّعت عالياً والألم شدّها نزولاً وحناناً بقوة أكثر، كم أخشى ألم الفراق وحرقة القلب على من هو أحنُّ عليّ من نفسي، كنتُ أفتح قلبي دائماً لهواء الفجر، كان كلما زحف عليّ الظلام، أتذكرُ أروع الأحلام وأجمل اللحظات، لحظات طفولتي التي قضيتها مع والدي والتي لا أستبدلها بأي لحظة ثانية، غير أنني أعود وأستيقظ من حلمي، أي حلم؟؟ ومن أحلم به الآن قد فارق هذه الحياة. وإنتقل إلى الحياة الأبديّة...

كان أقوى من نسج العمر وأقوى من بقائي وهلاكي، ماذا أفعل؟ بعد أن فقدت مَثلي الأعلى!! الأب المثالي الحنون، العطوف، الودود، جلستُ والحزن يتعالى في صدري العليل، ولكن جلستي كان الصمتُ فيها يتخذ حالاً حاسمةً لكل المآسي. لم يُوقف تفكيري شيء سوى ارتعاشةٍ باردةٍ، كانت قد بدأت تحتّل جسدي، آنذاك تحسّستُ فراشي كالعمياء وآويتُ إليه متسللةً قبل الآوان وغفوتُ على أمل نسيان الأحزان...

خديجة سمير عمرو

مُدرسة في ثانوية المعيصرة

 النموذجيّة الحديثة.