لقاءٌ مع أديبنا وشاعرنا الكبيرالدُّكتور ميشال كَعدي

25/11/2019
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

أَجْرَى المُقابَلةَ الدُّكتور الشَّاعرُ عبَّاس فتوني

مَسيحيٌّ عاشِقُ للإِسلامِ، وناصِرُ أَهلِ البيتِ (ع)، إِنَّه الدُّكتور ميشال كَعدي، يقول: الإِمامُ عليٌّ أَعظَمُ إِنسانٍ في العالَم وعالَمٌ مُستقِلٌّ بِذاتِه. ومَجَلَّةَ «إِطلالة جُبَيْلِيَّة» هي قَلَمٌ نَجيدٌ وثَقيفٌ.

مِن دَواعي سُروري أَنَّني أَجريتُ مقابلةً مشوِّقةً خصبةَ مع الأَديبِ الكبير، والشَّاعرِ النِّحرير، واللُّغويِّ القدير، الدُّكتور ميشال كَعدي، حولَ مؤَلَّفاتِهِ في أَئِمَّةِ أَهلِ البيتِ (ع) ولا سيَّما الإِمامِ عليٍّ t، تلبيةً لطلبِ القاضي سماحةِ الشَّيخ الدُّكتور يوسف عَمرو، لتُزيِّنَ صفحاتِ مَجلَّتِه: «إِطلالة جُبيليَّة». فكان الحوارُ الآتي:

ـ دُكتور ميشال كَعدِي

أَنتَ أَشهَرُ مِنْ نارٍ على مَنار، وأَوضَحُ مِن الشَّمسِ في رائِعَةِ النَّهار، في قلمِكَ الأَدبيِّ، وأُسلوبِكَ الجَماليِّ. يَسُرُّني كثيرًا أَن أَلتَقيَ بكَ في مقابلَةٍ حولَ مؤَلَّفاتِكَ الدِّينيَّة؛ ومعكَ يَحلُو اللِّقاءُ، أَهْلًا بِكَ.

أَهْلاً بِكَ دُكتور عبَّاس؛ لَكَ في قلبي الكَثيرُ مِنَ الاحتْرامِ، لَكَ ولِقَلَمِكَ ولِوِجدانيَّتِكَ ولِجَوهرِكَ الدَّاخليِّ، فأَنتَ عَزيزٌ، لا على قلبي وحَسْب، بلْ على كُلِّ مَن عَرَفَكَ، وهَذا أَنا أَعرِفُهُ عَن قُربٍ.

ـ شُكْراً جَزيلاً لَك؛ في البَدْءِ،

كيفَ لِمَسيحيٍّ أَنْ يَكتبَ في الإِسلامِ؟

الإِسلامُ، وما الإِسلامُ؟ أَنا مُسْلِمٌ للهِ، أَنا لا أَكونُ مَسيحيًّا إِنْ لَمْ أَكُنْ مُسْلِمًا للهِ. والمَسيحيُّونَ يَعشَقونَ الإِسلامَ الَّذي له مَكانةٌ عندَ اللهِ. ولنْ أَدخلَ في تَفاصيلِ السِّياسةِ وعُظماءِ التَّاريخِ الَّذينَ مَرُّوا، لأَنِّي لَستُ سِياسيًّا، ولا حِزبيّاً.

قال أَحَدُ الزُّعماءِ، وهو مِن أَعظَمِ رِجالِ المسيحيَّةَ مَعرفةً وخُبرةً:

«مِنَّا مَنْ أَسْلَمَ بالقُرآنِ، ومِنَّا مَنْ أَسْلَمَ بالإِنجيلِ، ومِنَّا مَنْ أَسْلَمَ بالتَّوراةِ».

ـ ما الدَّافعُ الَّذي جَعلَكَ تَختارُ عُنوانَ أُطروحتِكَ:

«الإِمامُ عليٌّ نَهْجًا ورُوحاً وفِقْهاً»؟

الأُطروحةُ الَّتي كَتَبتُها كانتْ بدافِعٍ مِن والِدي، إِذْ أَرادَ أَنْ أَكتُبَ عَن الإِمامِ عليٍّ؛ ولا تَسْتَغرِبْ إِطلاقاً، إِذا قُلتُ لَكَ، وبِدافِعٍ مِن دَيْرٍ إِكْليريكيّ؛ ونحنُ في الأَديارِ عندما نُريدُ أَنْ نَكتبَ أُطروحَةً ما، عَن أَيٍّ كانَ مِن البَشَر، كان الجوابُ يأْتي بَعدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ على الأَقَلِّ، لِلسَّماحِ لَنا بالكِتابةِ، ولكِنْ عندَما دُفِعَ اسْمي إِلى أَكبَرِ مَرجِعٍ دِينيٍّ في العالَمِ، وقِيلَ: إِنَّهُ سيَكتُبُ عَن عَظيمٍ مِن عُظَماءِ الدُّنيا في العالَمِ، ومِن عُظَماءِ الخَليقةِ في العالَمِ، كان الرَّدُّ خِلالَ ثَمانٍ وأَربَعينَ ساعةً؛ وهذا دليلٌ قاطِعٌ على مَحبَّةِ النَّاسِ، كُلِّ النَّاسِ، للإِمامِ عليٍّ t.

ـ ما خُصُوصيَّةُ الإِمامِ عليٍّt

بالنِّسبةِ لَك، حتَّى كتبتَ الأُطروحةَ عنه؟

الإِمامُ عليٌّ لَم يَكنْ مُجرَّدَ إِنسانٍ، هُوَ كأَهْلِ البيتِ كُلِّهِمْ؛ إِنَّهُمْ مِن القِدِّيسينَ؛ والإِمامُ عليٌّ هُو واحِدٌ مِن رِجالِ القَداسَةِ على الأَرضِ، فلذلكَ كان الدَّافِعُ أَكثرَ مِن مُمتازٍ مِن الجَميعِ؛ والجَميعُ ارْتاحُوا إِلى عَمَلي، وأَنا أَكتُبُ عَن الإِمامِ عليٍّ t.

عِندَما كُنتُ أَصِلُ إِلى مَنزِلِنا في رِيَّاق، وأَدخُلُ إِلى غُرفةِ والِدِي، فأَجِدُ على مَكتَبِهِ ثَلاثَةَ كُتُبٍ: القرآنَ الكَريمَ، والإِنجيلَ المُقدَّسَ، ونَهجَ البَلاغةِ. وعندَما قَرَّرتُ أَنْ أُتابَعَ الدِّراسةَ، طَلَبَ والِدِي إِلَيَّ بنَوعٍ مِن الإِلحاحِ، وأَنا أَحترمُهُ كَثيراً؛ ومَنْ أُحِبُّ غَيْرَه؟، قال لي: إِذا كُنتَ تُحِبُّني فِعلاً، فالإِمامُ عليٌّ يَجبُ أَن يَكونَ على أَطرافِ أَقلامِكَ للدُّكتوراه.

الحقيقةُ، تَهَيَّبْتُ المَوقِفَ، لأَنَّ الإِمامَ عليًّا لمْ يَكنْ مُجَرَّدَ إِنسانٍ أَو أَديبٍ حَتَّى تَصِلَ إِلى مَعالِمِهِ كُلِّها. الإِمامُ عليٌّ رَجُلٌ يَمتازُ بالعَظَمةِ الكبيرةِ، وبالتَّقديسِ، وبالصَّلاةِ الدَّائِمَة، وبوُصُولِه إِلى الأَرضِ لِيَجعَلَ للإِنسانِ دِينًا سَماوِيًّا إِلى جانِبِ الرَّسُولِ الأَعظَمِ.

فهَذا هُو الدَّافِعُ الحقيقيُّ لإِقامةِ أُطروحةٍ، وهي عبارةٌ عَن سَبعةِ كيلو وَرَقٍ؛ وكنتُ فِعلاً أَخافُ مِن الإِمامِ عليٍّ أَلاَّ أَكونَ مَعَه في كُلِّ التَّفاصيلِ. بِبَساطةٍ كُلِّيَّةٍ، لَمْ أَعْمَلْ أَكثرَ مِن خَمسينَ بِالمِئَةِ مِن الإِمامِ عليٍّ.

كِتابُنا عَن الحِكَم، ما زال في حَوزَتِنا، في المَكتبةِ، عِبارةٌ عَن إِحدَى عَشْرَةَ وثَلاثِمئَةٍ وعِشرينَ حِكمةً؛ لو فَسَّرْتَ كُلَّ حِكمةٍ في سَطرَيْنِ فلا يَكفي الوَرَقُ؛ فلذلِكَ تَهَيَّبتُ المَوقِفَ، لأَنَّني عَرَفْتُ أَنَّ عَملي سَيكونُ شاقّاً، قبلَ أَنْ أُقْدِمَ عليه، ولكنَّ اللهَ أَرادَ بَعدَ خَمسِ سَنواتٍ مِن العَملِ المُتواصِلِ أَنْ أَنالَ شَهادةَ الدُّكتوراه بدرجةِ جيِّد جِدّاً، على الرُّغْمِ مِن العَراقيلِ، ولا أُريدُ أَن أَقولَ مَن كانَ يُعَرقِلُ عَمَلي، وفي فَهمِكُمْ كِفايَةٌ، ولكنَّ فؤاد افرام البُستانيّ، والدُّكتور يوسف فرحات، أَقدَما بِشَجاعةٍ كُلِّيَّةٍ لكيْ يَدحَضا مَن كانَ يَقِفُ في وَجهي.

لأَنَّنا عَرَفْنا الإِمامَ عليًّا على حقيقتِه، ولأَنَّ الإِمامَ عليّاً، كما قلتُ مِرارًا، إِنَّه لمْ يَكنْ مِن النَّاسِ العاديِّينَ على الأَرضِ، وكأَنَّه مُرسَلٌ مِن فوق إِلى الأَرضِ، هذا ليسَ بالأَمرِ الأَوَّلِ، بالنِّسبةِ للموضوعِ؛ أَمَّا نحنُ، المسيحيِّينَ، بطبيعةِ الحالِ، لأَنَّنا نَكرَهُ الظُّلمَ ونَرفُضُه، وأَهلُ البيتِ ظُلِمُوا، ولقد قرأْتُ الكَثيرَ عن مَظلوميَّةِ أَهْلِ البيتِ. والإِمامُ عليٌّ أَستطيعُ أَنْ أَتحدَّثَ عَمَّا أَعرِفُه عنه مِن الآنَ حتَّى سَنَةٍ، لأَنَّنا عَرَفناهُ عن قُربٍ؛ ولمْ أَكُنِ الوَحيدَ الَّذي كَتَبَ عن الإِمامِ عليٍّ، وعن أَهلِ البيتِ، نحنُ أَكثرُ مِن أَربعينَ كاتِبًا وشاعِرًا كَتَبُوا عَن أَهلِ البيتِ، ما لَمْ يَكْتُبْهُ أَحَدٌ؛ أُذَكِّرُكَ فقط بمَلحمةِ عبدِ المَسيحِ الأَنطاكيّ الَّتي أَربَتْ على الخمسةِ آلافِ بيتٍ، منذُ مِئَةٍ وعِشرينَ سَنَةً، وتَوالَتِ الأَيَّامُ والسِّنون، ووَصَلْنا إِلى بولُس سَلامة، سليمان كتَّاني، جورج جُرداق، الوزير جوزيف الهاشم، ريمون قَسِّيس، جورج شَكُّور، وآخَرُون كانُوا أَوفياءَ لأَهلِ البيتِ...

أَمَّا لِماذا؟ فلأَنَّنا نَكرَهُ الظُّلمَ؛ الإِمامُ عليٌّ مِن حَقِّهِ أَنْ يَكونَ خَليفةً للرَّسُولِ العربيِّ، لأَنَّهُ نَفْسُ النَّبِيِّ.

ـ هل قرأَتَ القُرآنَ الكريمَ؟

قرأْتُ القرآنَ سَبْعَ مَرَّاتٍ يا دُكتور فتوني؛ ليتَ كُلَّ مُسْلِمٍ يَقرأُهُ ولو مَرَّةً واحدةً؛ في كُلِّ مَرَّةٍ أَدخلُ الصَّفَّ الجامِعِيَّ، فأَسأَلُ: مَنْ مِنكُمْ قَرأَ القُرآنَ الكَريمَ لِنُبارِكَ له؟ بنسبةِ ٩٩ ٪ لَمْ يَقرأُوا القُرآنَ الكريمَ مِنَ الشَّبابِ!

ـ ماذا وَجَدْتَ في القرآنِ الكريمِ؟

هُنا أَريدُ أَنْ أَقولَ شَيْئاً مُهِمًّا، ما الشَّيْءُ الَّذي عَلَّقني بالمَسيحيَّة؟ الجواب: إِنَّ الَّذي عَلَّقَني بِمَسِيحِيَّتي هو القُرآنُ الكريمُ، لِكَثْرَةِ ما جاءَ فيهِ مِنْ مَضامِينَ وتَفسيراتٍ عَن عَظَمَةِ المَسيحيَّةِ، لأَنَّ المُصطَفَى المُرسَلَ مَعَ القُرآنِ الكريمِ، ما أَتَوْا عَلَى الإِطْلاقِ لِيَنْقُضُوا، إِنَّما أَتَوْا لِيُكَمِّلُوا.

أَينَ نحنُ مِن هَذِهِ الأَمُورِ؟ عندما أَقولُ: إِنَّني متُمَسِّكٌ بأَهدابِ مَحَبَّةِ الله، يَجِبُ إِذا قرأْتُ أَنْ أَعرِفَ ما أَقْرَأُ وأَفْهَمَه؛ فأَنا أَقولُ بصراحةٍ كُلِّيَّةٍ، وبكلِّ التَّفاصيلِ الَّتي أَجعلُها إِيمانًا في ذاتي، وإِيمانَ عائِلَتي اليومَ: إِنَّني مَكَّنْتُ دِراسَتي بِالمَسيحيَّةِ وأَحبَبْتُها، لأَنَّني قَرأْتُها في القُرآنِ الكريمِ عَبْرَ رَسُولٍ مُصْطَفًى مِن اللهِ على الأَرضِ، هَذِهِ هي الحقيقةُ بِالنِّسبةِ للمَوضوعِ.

وقدِ اتَّفقنا جميعًا، نحنُ الأَدباءَ والشُّعراءَ الَّذينَ كَتَبْنا عنِ الإِسلامِ، أَمثال: جورج جرداق وبولس سلامة وسليمان كتَّاني، أَنَّنا استَفدْنا أَدبيّاً ولُغَوِيًّا وأَخلاقيّاً من القُرآنِ الكريمِ، وإِنَّ كُلَّ ما تُريدُهُ في الإِنسانيَّةِ ومِن الإِنسانيَّةِ قرأْناهُ في القُرآنِ الكريمِ أَيْضًا.

ـ حَلَّقتَ عالياً، وغُصتَ عميقًا في فكرِ الإِمامِ عليٍّ t بماذا تُعرِّفُه؟

بالنِّسبةِ لي، الإِمامُ عليٌّ هُو البِدايَةُ والنِّهاية. لَمْ يَدْرِ أَحَدٌ حينَ وُلِدَ في مَكَّةَ المُكرَّمةِ، في قلبِ البيتِ الحَرامِ، وارتَفَعَ صوتُه صارِخاً بالبُكاءِ، أَنَّه سَيكونُ طائِراً سَماوِيّاً، ومَلاكاً سَماوِيّاً، وفاعِلاً في عَظَمةِ اللهِ على الأَرضِ.

يوم الجمعة الواقع فيه الثَّالثَ عشرَ مِن شَهرِ رَجب بَعدَ عامِ الفيلِ بثَلاثينَ سَنَةً، انبثَقَتْ أَنوارُ الإِيمانِ، وشُعلةُ التَّقوَى الَّتي رَسَمَتْ مَلامِحَ الهِدايةِ والبُطولةِ في الإِسلامِ.

الإِمامُ عليٌّ t شَخصيَّةٌ إِسلاميَّةٌ، ما الَّذي أَعجبَكَ فيه؟ ومِن أَينَ تبدأُ الحديثَ عنه؟

ما أَعجبَني بالإِمامِ عليٍّ؟ الإِمامُ عليٌّ عَرفَ كيفَ يَأْخُذُ مَكانَه بينَ المَسيحيَّةِ والإِسلامِ؟ والقليلُ يَعرِفُ ذلكَ. فمِنْ أَينَ أَبدأُ؟

هلْ أَبدَأُ بالإِمامِ عليٍّ بينَ المَسيحِ والرَّسولِ العربيِّ؟ هلْ أَبدأُ بمَعالِم الشَّخصيَّةِ بينَ عيسى المَسيحِ بنِ مَريمَ وعَلّيٍّ؟ بينَ عليٍّ ومحمَّدٍ؟ هلْ أَبدأُ بالتَّفاعلُ الرُّوحيُّ عندَ الإِمامِ عليٍّ؟ هلْ أَبدأُ بعليٍّ والقرآن؟ هلْ أَبدأُ بأَنَّهُ يَمتازُ بِعَقلٍ واسِعٍ جِدًّا؟ هلْ أَبدأُ بعليٍّ والعقل؟ هل أَبدأُ بعليٍّ ومَعالِمٍ الصُّوفيَّةِ؟ هل أَبدأُ بعليٍّ نِبراسٌ وقُدوةٌ؟ هل أَبدأُ بعلِيٍّ التَّرغيبُ والتَّرهيبُ؟ هل أَبدأُ بفضائِلِه على البَشَرِ، وعلَى الدِّينِ، وعلى الإِسلامِ؟

بماذا أَبدأُ؟ هلْ أَبدأُ بِنَظرةِ الإِمامِ لِلحياةِ والموتِ؟ هلْ أَبدأُ بنهجِ البلاغةِ؟ هلْ أَبدأُ بشِعرِهِ؟ هلْ أَبدأُ بطِبِّهِ؟ هلْ أَبدأُ بأَقوالٍ مِن نَهْجِ البلاغةِ؟ هلْ أَبدأُ بقِيَمِ الحُقُوقِ الَّتي أَعطاها لكُلِّ العالَمِ؟ هلْ أَبدأُ بمعنَى الحَقِّ الَّذي وَصَفَه أَنَّه قُدوةٌ وإِمامٌ؟ هلْ أَبدأُ بفلسفةِ الإِمامِ الَّذينَ أَخَذَ عنهُ جَماعةُ اليُونانِ والرُّومانِ والعالَمُ؟ وإِنَّ كُلَّ فاصلةٍ مِن فَواصِلِ نهجِ البلاغةِ تَعُدُهُ فَيلسوفًا. والفلسفةُ لها مُواصَفاتٌ، فلا يُوجَدُ أَحَدٌ في العالَمِ عَرَفَ الفَلسفةَ على حقيقتِها أَكثر مِمَّا عرَفها الإِمامُ عليٌّ t. عَمَّ أَتكلَّمُ عِنِ الإِمامِ عليٍّ؟ الكاتبُ، الشَّاعرُ، الفيلسوفُ، العالِمُ، الطَّبيبُ... .

الإِمامُ عليٌّ عالَمٌ مُستقِلٌّ بِذاتِه.

ـ ماذا خَطَّ يَراعُكَ الوَلائِيُّ، عِلاوَةً عَلى أُطروحَتِكَ

في الإِمامِ عليٍّ t ؟

إِضافةً إِلى الأُطروحةِ الَّتي كتبتُها: الإِمامُ عليٌّ نَهْجاً ورُوحاً وفِقْهاً، كتبتُ:

١ـ الزَّهراءُ أُولَى الأَديباتِ.

٢ـ الإِمامُ الحسينُ قُدوةٌ ورِسالةٌ. وقد قال فيه أُنطوان بارا:

«ما تَعَذَّبَهُ المَسيحُ عُشْرُ ما تَعَذَّبَه الحُسَينُ».

وقال البابا الثَّالثُ منذُ أَلفٍ وخمسمِئَةِ سَنَةٍ تقريبًا:

«لو كنتُ حُسَينِيًّا لأَمَرتُ بِحُبِّهِ»؛ أَيْ بِحُبِّ الحُسَيْنِ.

٣ـ كِتاب «الإِمامُ زَينُ العابدِينَ والفِكرُ المَسيحيّ»؛ وقد طَلَبَه مِنِّي السَّيِّدِ الخامنائِيُّ مُباشَرةً، عندَما كنتُ في إِيرانَ.

٤ـ الإِمامُ الرِّضا: أَبعادٌ رُوحيَّةٌ وعِلْمِيَّةٌ.

الإِمامُ الرِّضا عَظَمةٌ، إِذا طلبتَ منه شيئاً ما، تَجِدُهُ بينَ يَدَيكَ. ولقد زُرتُ الإِمامَ الرِّضا أَكثَرَ مِن مَرَّةٍ، وزُرتُه بالتَّحديدِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وشَعرتُ أَنَّ الإِمامَ الرِّضا هو المدينةُ بكامِلِها. هُناكَ روعةُ الأَمكنةِ. ووجدتُ صِدْقَ النَّاسِ له، وصِدْقَه لَهمْ. لماذا؟ لأَنَّه لا تَطلبُ شيئًا من الإِمامِ الرِّضا إِلاَّ ويُعطيكَ إِيَّاهُ. وما طلبتُ منه إِلَّا العافيةَ والصِّدقَ، طَلبتُ الصِّدقَ مِنِّي له، أَن أَكونَ صادقًا معه؛ قلتُ: يا ميشال، كُنْ صادقاً مع الإِمامِ الرِّضا، مثلما هو صادقُ معك؛ وشَعرتُ أَنَّ الإِمامَ الرِّضا يَمْلِكُني؛ وقلتُ له: أُريدُ أَن أَخدمَكَ، والحمدُ لله.

وتجدرُ الإِشارةُ إِلى أَنَّني أَخذتُ، هُناكَ في «مَشهَد»، وِسامَ الاستحقاقِ الإِيرانيِّ.

٥ـ وكان لي مُحاضرةٌ في الإِمامِ الحسنِ العَسكريّ منذُ بضعةِ أَيَّامٍ.

٦ـ الإِمامُ الحِسن. وما زلتُ أَكتبُ فيه. وسوف أَبقى أَكتبُ حتَّى أُتِمَّ الكِتابةَ في الأَئِمةِ الاثنيْ عشَرَ كافَّةً، فهم يمتازُونَ بكَثيرٍ مِن المُعطَياتِ والعطاءاتِ؛ ولكلِّ إِمامٍ نَكهةٌ، وهُم ثَروتُنا.

ـ هلْ كتبتَ عن الأَئِمَّةِ لتَستفيدَ مادِّيّاً أَو مَعنويّاً؟

بكلِّ بساطةٍ، مَحبَّتي لأَهلِ البيتِ هي الَّتي دَعَتني لأَكتبَ عنهمْ. وإِنَّني لمْ أُتاجِرْ في الكُتُبِ، بلْ أُعطي كُتُبي لِمَن يَريدُ. هؤلاءِ الأَئِمَّةُ لا يُتاجَرُ بِهِم. ما كتبتُ عنهم لأَستفيدَ، ولا أُريدُ أَنْ أَستفيدَ، وإِنْ كنتُ لستُ ميسُورًا ماديًّا كثيراً.

حينَ أَفرَغُ مِن تأْليفِ الكتابِ أُنفِقُ عليهِ ثَلاثةَ آلافِ دُولارٍ! لمْ أُفَكِّرْ بالإِفادةِ الماديَّةِ أَو المَعنويَّةِ مُطلَقًا، ولكنْ فَكَّرتُ أَنْ أَعمَلَ ما يُوحيهِ علَيَّ ضَميري، لِمِثْلِ هَؤُلاءِ القِدِّيسينَ. كَتَبتُ قَناعتي لِأَبعَدِ حُدودِ القَناعةِ. وعندما كتبتُ أُطروحتي في الإِمامِ عليٍّ فُتِحَ أَمامي الطَّريقُ، لأَنَّني وَجَدْتُ في الإِمامِ عليٍّ ما قُلتُه آنفاً.

ـ ما الحِكْمةُ الَّتي استهوتْكَ من حِكَمِ الإِمامِ عليٍّ t؟

عِندَما يُطلَبُ إِليَّ أَنْ أَكونَ شريكًا في شيءٍ مِن الأَشياءِ أُردِّدُ ما قالَه:

«مِنْ نِعَمِ اللهِ عليكمْ حوائِجُ النَّاسِ إِليكمْ».

«الإِنسانُ أَخُو الإِنسانِ، أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ؟».

«مَن حاسَبَ نفسَه رَبِحَ، ومَن غَفِلَ عنها خَسِرَ، ومَن خافَ أَمِنَ، ومَنِ اعتَبَرَ أَبْصَرَ، ومَنْ أَبْصَرَ فَهِمَ، ومَن فَهِمَ عَلِمَ».

«مَن لانَ عُودُهُ كَثُفَتْ أَغْصانُهُ».

الحِكَمُ عندَ الإِمامِ عليٍّ هي أَبسَطُ ما أَكتُبُه أَنا وأَنتَ، لكيْ يَكونَ في حَضرةِ النَّاسِ؛ وهي تَدعو إِلى المَحبَّةِ؛ والمحبَّةُ صَفاء، وأَعني بالصَّفاءِ الشَّفافيَّةَ.

ـ ما الدَّواوينُ الَّتي جَمَعتَ فيها قصائِدَكَ

في حَقِّ أَهلِ البيتِ (ع) ؟

مِن دَواويني الشِّعريَّةِ في أَهلِ البيتِ t.

١ـ رَياحينُ الإِمامةِ.

٢ ـ أَنوارُ الإِمامةِ.

ـ ماذا تُحبُّ أَن تَقتطفَ لنا مِن دَوحتِكَ الشِّعريَّةِ

في الإِمامِ عليٍّ t،

لنُزَيِّنَ بِها صفحاتِ مَجلَّةِ «إِطلالة جُبَيليَّة»؟.

قصيدَتي أَخَذَتِ المَنحَى الكبيرَ في عالَمِ الإِسلامِ، اسمُها «عليٌّ الكَليم»، أَقولُ:

ذا فَرْقَدُ الدِّينِ، قَدْ جاءَ الدُّنَى يَسِمُ

بَدْعَ البَيانِ وما جادَتْ بِهِ الكَلِمُ

تَفيضُ كالنُّورِ مِن بُعْدٍ يَرُشُ سَناً

كالسَّيْفِ يَضْرِبُ فانْزاحَتْ لهُ الحُمَمُ

هُوَ النُّهَى لَسِنٌ، والنُّبْلُ مُعْتَزَمٌ

ففي العَلِي بِدَعٌ ما فاقَها الرَّقَمُ

هُوَ الإِمامُ كَلامُ النَّهْجِ قائِلُهُ

والعَقْلُ يَرْصُفُ عَقْلًا شاءَهُ الهَرَمُ

نَبْضُ الكَلامِ، وَبابُ العِلْمِ رافِعُهُ

والفِقْهُ قَدْ رامَ عِلْمًا رَجْعُهُ القَلَمُ

هَدْيُ الرَّسُولِ انْثَنَى في طِيبِ مَحْتِدِهِ

بَعْثُ البَيانِ التَقَى وَعْدٌ ومُغْتَنَمُ

هُوَ الأُخُوَّةُ تُعْلِي حَقَّ سَيِّدِهِ

في لَحظَةِ الوَحْيِ شالَتْ زَهْوَهُ الأَكَمُ

مَعْنَى العَدالَةِ مِلْءُ الأَرضِ يُعْلِنُها

عَدالَةُ الحَقِّ في رُؤْياهُ تَرْتَزِمُ

هُنا الكرامةُ حَوْلَيْهِ النَّقاءُ تُقًى

دَنَتْ مِنَ الوِرْدِ في أَعدالِهِ الهِمَمُ

يُتِمُّ عَزْمَ نَبِيِّ اللهِ في فَرَحٍ

فالصِّيدُ مَنْبِتُهُمْ أَوْجٌ ومُحْتَدَمُ

يَومُ الغَديرِ وذاكَ النَّهْجُ عُمْرُهُما

مِنْ وَعْدِ جِبْرِيلَ إِنْ يَومُ الهُدَى عَلَمُ

أَتَى العَلِيُّ رَجِيُّ اللهِ مُنْطَلِقاً

يُشَرِّعُ الآيَ تَسْتَهْدِي بِهِ النُّظُمُ

طابَ الغَديرُ بأَرْتالِ الجُموعِ، وذا

بِحَسْبِيَ الأُفْقُ في لُبْنانَ مُنْسَجِمُ

هُوَ الإِمامُ رَجا الإِسْلامِ مَكْرُمَةٌ

أَحْلامُهُ العَهْدُ تَسْتَهْدي بِهِ الذِّمَمُ

في وَقْفَةٍ صَرَخاتُ الدِّينِ يَبْعَثُها

طِيبُ الكَلامِ عَلِيَّاتٍ بِها الدِّيَمُ

ـ ما رَجاؤُكَ وتَمنِّياتُكَ للمَسيحيِّينَ والمُسْلِمينَ

في خِتامِ هذا اللِّقاءِ العَطِر؟

أَرجُو مِن المَسيحيِّينَ أَنْ يَقرأُوا أَوَّلًا القرآنَ الكريمَ بدِقَّةٍ وإِمعانٍ، لكيْ يَرَوْا أَنَّ القُرآنَ هُوَ رافِدٌ مِن رَوافِدِ المَسيحيَّةِ، وأَرجو مِن الرُّهبانِ أَنْ يَقرأُوا نَهْجَ البلاغةِ لكيْ يَستَقيمُوا وَعْدًا وصِدْقاً وأَمانةً؛ وأَرجُو مِن المَسيحيِّينَ أَنْ يَبْعُدُوا عَن الأَنانيَّةِ والضَّغينةِ، وعنِ الحَسَدِ والحِقْدِ. الحِقدُ ليسَ مِن شِيَمِ الإِنسانِ الكريمِ الطَّيِّبِ، ولا مِن شِيَمِ الإِنسانِ المؤْمِنِ على الإِطلاقِ.

وإِنَّ نَهجَ البلاغةِ هو نَهجُ اسْتِقامةٍ، ونَهجُ سَدادِ رَأْيٍ، ونَهجٌ لكلِّ الإِمكاناتِ الحياتيَّةِ الَّتي تَعترِضُ الإِنسانَ.

أَتَمَنَّى على المَسيحيِّينَ أَنْ يَكونُوا على انْفِتاحٍ كبيرٍ على كُلِّ الطَّوائِفِ المؤْمِنةِ باللهِ الواحِدِ الأَحَدِ. وما قُلْتُهُ الآنَ، هو ما قالَهُ أُنطوان بارا أَيْضاً.

وأَتمنَّى على جميعِ المُسلمينَ، ولا سيَّما الشِّيعةِ، لأَنَّهمْ مِن تلكَ الشُّعبةِ الَّتي عَرَفتُها قيمةً وقُدوةً إِلى الآخَرينَ؛ وأَتَمنَّى على مَن أَحَبَّ الإِمامَ عليّاً أَن يَبعُدوا عن الحِقدِ؛ مَرَّةً أُخرَى أًقولُها؛ وأَنْ لا يَأْخُذوا طريقاً مُغايِراً للإِسْلامِ، لأَنَّ طريقَ الإِسلامِ هو طَريقُ المَحبَّةِ، والإِسلامُ مَحبَّة، ومُعاملَةٌ طيِّبةٌ؛ والإِسلامُ فيه كرامةُ الإِنسانِ منذُ وُجِدَ حتَّى اليومِ.

ولا بُدَّ مِن كلمةٍ أُخرَى أَقولُها: أَتمنَّى على بقيَّةِ الطَّوائِفِ أَنْ يأْخُذوا، بعَينِ الاعتبارِ، الشِّيعةَ مَبدَأَ حَقٍّ وأَصالةٍ ودِينٍ ومحبَّةٍ؛ وعلى هذا الأَساسِ أَتمَنَّى لهمُ التَّوفيقَ.

ـ خِتامًا، بِاسْمِي، وباسْمِ مَجلَّةِ «إِطلالة جُبَيْليَّة»: رَئِيساً، ومُديراً، ومُستشارِينَ، ومُحَرِّرِينَ، والعاملِينَ فيها؛ نُهْديكَ مِن أَعماقِ القلبِ والوِجدان، باقاتِ الشُّكرِ والامتنان، والتَّقديرِ والعِرفان، على كُلِّ ما أَتحفتَنا به، وعلى الوقتِ الَّذي خَصَصْته لَنا لإِجراءِ هذِه المُقابلةِ الجميلةِ.

هذهِ المُقابلةُ كانتْ، بالنِّسبةِ لي، إِحياءً لِذاتي وحَياتي، لأَنَّني عندَما كتبتُ عن الإِمامِ عليٍّ t، وعن أَهلِ البيتِ عَرَفتُ أَنَّني أَكتبُ جُملَةَ مَحَبَّةٍ مُوَزَّعةٍ على الكُلِّ، وأَنا اليومَ أُعطي لَكَ مِن هذِهِ المَحبَّةِ المُوَزَّعةِ، في هَذا اللِّقاءِ الجميلِ؛ فأَنتَ مَثيلٌ لكلِّ الأَدبِ والمَحبَّةِ والإِيمانِ والمَعرفةِ.

وأُؤَكِّدُ أَنَّني كتبتُ ما كتبتُ، لأَنْ عندي رَغبةٌ وإِيمانٌ ورُوحٌ بالإِمامِ عليٍّ، وبالإِسلامِ الحنيفِ، وبكلِّ أَهلِ البيتِ الَّذينَ أَخَذُوا مِن وَقتي ومِن ذاتي، ما أَحبَبْتُ أَنْ أُعطيَهِ في حَياتي؛ هذِه هي الحقيقةُ.

وأَخُصُّ مَجَلَّةَ «إِطلالة جُبَيْلِيَّة» بالقولِ:

سَيَبْقَى في البالِ الذَّاكِرِ اثْنانِ: الدُّكتور يُوسُف مُحمَّد عَمْرُو، ومَجَلَّةُ «إِطلالة جُبَيْلِيَّة»؛ أَمَّا الأَقلامُ المُبْدِعَةُ فسَتَظَلُّ كَوَرقاتِ الوَردِ خِفافًا على طَفْحِ الدَّواةِ، وفي أَمكِنةِ الجُرأَةِ والبَراعةِ وأَيَّامِ العَناءِ.

ثُمَّ «إِطلالة جُبَيْلِيَّة» هيَ في الحَقِّ قَلَمٌ نَجيدٌ وثَقيفٌ، ومِراسٌ وتَجاوُبٌ.