إطلالة على جبل عامل آية الله المقدَّس السَّيِّدِ عَبْدِ المُحْسِن فضل الله (قده) حوار مع العلاّمة السَّيِّدُ هانِي فَحص (قده)

20/04/2015
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

الحلقة الثانية

بقلم: الشاعر الأستاذ الشيخ عباس فتوني

شهادةٌ لهُ أَوْ علَيَّ

أَوَدُّ أَنْ أَشْكُرَ الأُسْتاذَ عَبَّاس فتُونِي عَلَى ما أَتاحَهُ لِي، بِإِلْحاحِهِ الوَدُودِ مِنْ تَعْوِيضٍ، عَنْ تَقْصِيرِي في حَقِّ الكَبِيرِ قَلْبًا، وعَقْلاً؛ والنَّظِيفِ ذِمَّةً، وكَفًّا، وذَيْلاً: السَّيِّدِ عَبْدِ المُحْسِنِ فَضْل اللهِ، الَّذِي يَسْتَحِقُّ مِنْ أَمْثالِي، ومِنْ كُلِّ مَنْ عَرَفهُ عَنْ كَثَبٍ، خاصَّةً في كَنَفِ أُمِّنا \"النَّجَفِ\"، أَنْ يُكافِئُوهُ مَعْنَوِيًّا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ: عَلَى عِلْمِهِ وتَعْلِيمِهِ، عَلَى تَسامِيهِ وتَواضُعِهِ، عَلَى زُهْدِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّرَفُّهِ، أَوْ ما فَوْقَهُ مِنْ مِتَعِ الحَياةِ الدُّنْيا، ومِنْ طَيِّباتِها، أَيْ حَلالِها؛ وعَلَى وَجْهِهِ الباسِمِ المُشْرِقِ دائِمًا، وفُؤادِهُ الَّذِي تَتَسَرَّبُ مِنْهُ، ودائِمًا، هَبَّاتٌ لاذِعَةٌ مِنَ الحُزْنِ العَمِيقِ، أَوْ نُسَيْماتٌ مُنْعِشَةٌ مِنَ الحُزْنِ الهادِئِ الشَّفِيفِ...

كانَ، وظَلَّ يَحْزَنُ عَلَى العُمُومِيَّاتِ، عَلَى تَراجُعِ المَنْسُوبِ العِلْمِيِّ، أَوِ الأَدَبِيِّ، أَوِ المَسْلَكِيِّ... وكانَ يَفْرَحُ بِأَيَّةِ مَوْهِبَةٍ تَبْزُغُ مِنْ زُمَلائِهِ، أَوْ تَلامِذَتِهِ، أَوْ تَلامِذَةِ تَلامِذَتِهِ.

كانَ تَلامِذَتُهُ يَخْتارُونَهُ، فَيَشْعُرُونَ بِالتَّوْفِيقِ، لأَنَّهُ يَمْزُجُ الدَّرْسَ بِالحُبِّ، ويُقْحِمُ الحُبَّ عَلَى الدَّرْسِ، فتَزْدادُ المَسْأَلَةُ وُضُوحًا، والصَّداقَةُ رُسُوخًا؛ وكانَ يَخْتارُ مِنْ تَلامِذَتِهِ مَنْ تَرْجَحُ فِيهِمْ كَفَّةُ التَّقْوَى، لِيُصْبِحُوا خِلاَّنَهُ وأَصْفِياءَهُ؛ ويُصِرُّ عَلَى أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْهُمْ كِفاءَ ما يُعَلِّمُهُمْ.

أَشْكُرُ الأُسْتاذَ عَبَّاس فتُونِي تَكْرارًا، ولا أَعْتَذِرُ، لأَنَّهُ لا عُذْرَ لِي... إِلاَّ ما يَدَّعِيهِ مَنْ يُؤْثِرُونَ العَمَلَ عَلَى الكَسَلِ، مِنْ أَنَّ أَوْقاتَهُمْ ضَيِّقَةٌ. وأَنا أَعْرِفُ أَنَّ تَنْظِيمَ الوَقْتِ كَفِيلٌ بِالوَفاءِ، بِالأَوْلَوِيَّاتِ وما دُونَها..

ولَكِنْ يَبْدُو أَنَّ ذاكِرَتَنا الحَوْزَوِيَّةَ، أَوْ حَياتَنا التَّأْسِيسِيَّةَ في طَلَبِ العِلْمِ عَلَى تَواضُعٍ، وحاجَةٍ وعِزَّةٍ، يَوْمَها، هِيَ في غِيابٍ مُتَدَرِّجٍ! فإِلَى أَيْنَ ذَهَبْنا؟ إِلَى السِّياسَةِ؟ وما مَوْقِعُنا فِيها؟ بَلْ، ما مَوْقِعُ مَنْ لَيْسَ تَكْوِينُهُ سِياسِيًّا؟ ولِلآخَرِينَ خِيارُهُمْ، فَهُمْ أَحْرارٌ...

كُنْتُ أَتَمَنَّى أَنْ تُلِحَّ عَلَيَّ ذاكِرَتِي، لأَسْتَحْضِرَ السَّنَواتِ الجَمِيلَةَ، الَّتِي قَضَيْتُها في النَّجَفِ صَدِيقًا، وتِلْمِيذًا لِلسَّيِّدِ عَبْدِ المُحْسِنِ. وفي كِلْتا الحالَتَيْنِ: الصَّداقَةِ والتَّلْمَذَةِ، أَتاحَا لِي أَنْ أَكُونَ شَرِيكًا.. وأَباحَا لِي دَفاتِرَهُ، لأَقْرَأَ شِعْرَهُ، مُسْتَمْتِعًا، وناقِدًا...

ولَمْ نَتَّفِقْ، لأَنِّي كُنْتُ نازِعًا في النَّقْدِ إِلَى حَداثَةٍ حارَّةٍ وحادَّةٍ، مِنْ دُونِ أَنْ أَغْمِطَ أَحَدًا إِبْداعَهُ، أَوْ طُمُوحَهُ إِلَى الإِبْداعِ.. في حِينٍ كانَ السَّيِّدُ كَرَعِيلِهِ، مُقِيمًا في كلاسِيكِيَّةٍ غَنِيَّةٍ في النَّصِّ، وحَداثَةٍ مُتَأَنِّيَةٍ في الفَهْمِ.. ولَكِنَّ عَصَبِيَّتِي الحَداثِيَّةَ، لَمْ تَمْنَعْنِي مِنَ الإِصْغاءِ المُتَبَصِّرِ، والمُتَدَبِّرِ لِكَثِيرٍ مِنْ قَصائِدِهِ، أَوِ الطَّرَبِ الحَلالِ لِكَثِيرٍ مِنْ أَبْياتِهِ... بَيْنَ الكلاسِيكِيَّةِ الَّتِي لا تَخْلُو مِنْ نَوافِذَ عَلَى الحَداثَةِ، ومِنْ أُنْسِهِ بِالحَداثَةِ، والحَدِيثِ عَنْها، عِنْدَما يَكُونُ المُتَحَدِّثُ عاقِلاً، ونِسْبِيًّا، مِنْ دُونِ أَحْكامٍ، أَوْ إِطْلاقٍ، أَوْ تَعْمِيمٍ، يَقَعُ شِعْرُهُ حاشِدًا بِالأَحْزانِ عَلَى مَواعِيدَ غامِضَةٍ أَوْ مُبْهَمَةٍ مَعَ الأَفْراحِ.. فإِنْ لَمْ يُواتِهِ فَرَحٌ كَبِيرٌ، تَعَمَّدَ الفَرَحَ بِالتَّفاصِيلِ، وشَكَرَ اللهَ عَلَى نِعَمِهِ، مارًّا بِالرَّسُولِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأَهْلِ بَيْتِهِ (عليهم السّلام) إِلَى الدُّنْيا، لَعَلَّها عَلَى مَقاساتِهِمْ، تَتَّسِعُ لِلْمُؤْمِنِ العائِفِ العافِي.. ومِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ يَشْتَقُّ، أَوْ يَسْتَعِيرُ مُفْرَداتِ الحُبُورِ، وعَلَى أَحْزانِهِمْ يُسْقِطُ أَحْزانَهُ، فيَخِفُّ حِمْلُهُ، ويَسْتَرِيحُ مِنْ وَعْثاءِ السَّفَرِ بَيْنَ عَناءٍ وعَناءٍ، بَيْنَ مَرَضٍ ومَرَضٍ، بَيْنَ احْتِلالٍ وتَحْرِيرٍ.. وُصُولاً إِلَى المَرَضِ الَّذِي أَمْرَضَنا.. رَيْثَما يُكْمِلُ مِشْوارَهُ إِلَى جِوارِ الصِّدِّيقِينَ.. لِيَكْتُبَ قَصِيدَةً طَوِيلَةً، طُولُها كَطُولِ الجَنَّةِ، وعَرْضُها كَعَرْضِها، طُولَ وعَرْضَ شَوْقِنا إِلَى لُقْياهُ هُناكَ.

س ـ سَماحَةَ السَّيِّدِ هاني فَحص، أَشْكُرُكَ جَزِيلَ الشُّكْرِ عَلَى هَذِهِ الفُرْصَةِ الَّتِي أَتَحْتَها لِي، وعَلَى هَذِهِ الشَّهادَةِ القَيِّمَةِ الَّتِي خَطَّها يَراعُكَ. شُكْرًا لَكَ..

ج: هَذا قَلِيلٌ في حَقِّ هَذا الجِيلِ كَكُلٍّ؛ وشُكْرًا عَلَى هَذِهِ الفُرْصَةِ، كَما قُلْتَ: أَنْتَ مُتَفَضِّلٌ عَلَيَّ.

س ـ إِذا أَرَدْتَ أَنْ تَخْتَصِرَ سَماحَةَ السَّيِّدِ المُقَدَّسِ بِكَلِمَةٍ واحِدَةٍ، ماذا تَقُولُ؟

ج: الحَنُونُ، الوَدُودُ.

س ـ بِمَ يُمْكِنُ وَصْفُهُ ؟

ج: أَنا تَحْضُرُنِي صُورَتُهُ في النَّجَفِ، هُوَ رَجُلٌ صادِقٌ، مِنْ بِدايَتِهِ.

س ـ ماذا تَقُولُ لأَبْنائِهِ؟

ج: أَنا بِرَأْيِي، مَسْلَكُ أَنْجالِهِ لَيْسَ بَعِيدًا عَنْ مَسْلَكِهِ.

الهوامش:

(1) من أطروحة شاعر أهل البيت(عليهم السّلام)، الشيخ عباس فتوني.