وُلِدَ الإمامُ

29/9/2015
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

مُهداة إلى يعسوب الدين

أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب t

في عيد مولده الأغرّ:

شعر: د. عاطف جميل عوّاد

شَعّ الفَضَـاءُ مُسَبِّحاً بتهلُّـلِ

وازْدَانَتِ الأرضُ البَهِيجَةُ، وارْتَـــدَتْ

وتَنَاغَـتِ الأطْيَارُ مُنْشِـدةً على

وأسَـرَّتِ البُشْرَى المَلائِـكَ في السَّمَا

وتَهلَّـلَ البَيْـتُ العَتيــقُ مُـرَتِّـلاً

والكَعْبَـةُ الغَــرَّاءُ مَــدَّتْ جِنْحَها

وعلى حِـدا جِبْريــلَ يُلْهِـمُ وَحْيَـهُ

وبـــــ «مَكَّةَ» انْدَفَعَ البَشِيـرُ مُـرَدِّداً:

اليَـومَ عَــزَّ الدِّيـنُ واكْتَمَلَ الهُـدَى

هُــوَ مُفْتَـدِي الدِّيـنِ الحَنيفِ برُوحِهِ

مُتَحَـدِّراً منْ دَوْحَةِ عُلْـويَـةٍ

وهُـوَ الذي نَسَـبُ النُبُــوَّةِ خَصَّهُ

قَــدْ كَـرَّمَ اللهُ لَهُ وَجْهاً فَلَـمْ

وحَبَاهُ مِنْ مُثُـلِ المُرُوءةِ والنَّدى

حتّـى لَتَحْسَبَ قَـدْ بَرَاهُ اللهُ مِـنْ

وأطالَ فيهِ جُهْـدَ ريْشَةِ مُبْـدِعٍ

مِــنْ أيـنَ تُبْحِـرُ في سَجَاياهُ تَـرى

أفَلَيـسَ مَـنْ صَانَ الشريعَةَ مُصْلِتاً

كَمْ فَـوقَ حَـدَّيهِ أُذِيقَـتْ أنْفُسٌ

وأفاضَ يَومَ « الخَنْــدَقِ(1)» المَشْهُودِ في

إنَّا لَنَـذْكُـرُهُ وقَـدْ نَــزَلَ الوغى

هُوَ فارِسٌ هَــالَ الحِجَازَ بِبَـأْسِهِ

قَـدْ رَاحَ يَلْحُـو(2) المُسلمينَ مُسَـائِلاً

فَتَنَاظَـرُوا لَكَأنَّ فَـوقَ رُؤوسِهِـمْ

وإذا «أبو الحَسَنَيـنِ» يَنْهَـضُ صَائِحاً:

فَـــرَنا إليهِ «إبنُ وُد ّ (3) ٍ» ساخِــراً

وتعَـارَكَ القِرْنانِ، كُلٌّ يَبْتَغِي

وتـوَّهَجَـتْ وَمَضَاتُ بَرْقٍ أُتْبِعَـتْ

فَهَــوَى « ابنُ وُدٍّ » مُثْخَناً فَوقَ الثَّــرَى

فأسَرَّ مَقْتَلُهُ النَبِيَّ تهَلُّلاً

وعلى صَـدَى التَكْبيرِ رَتَّـلَ صَحْبهُ

هـيَ وَقْفَةٌ جُلَّى الإمُامُ أعَادَهَا

وأزَاحَ صَخْـرَتَـهُ التي لَمْ تُنْتَــزَعْ

وَأطاحَ «مَرْحَبَ» فارِسَ الحُصْنِ الذي

تَخْشى شَجَاعَتَهُ الرجـــالُ ، وَلَمْ تَلِـدْ

يَطْوي الثَّـرى رُعْباً، ومِغْفَـرُ رَأسِـهِ

أهْـوَى الإمَامُ بسَيْفِهِ فأطَارَهُ

فَتَمَاوَجَ الثَّقَلانِ(6) إعْجاباً بِما

«لا سَيفَ إلا ذو الفِقَـارِ المُـرْتَجَى

ولَئِـنْ حَمَى سَيْـفُ الإمام ِشَـريعَةً

فَلَقَـدْ أَتَى غُرَرَ البَيَانِ قَـلائِـداً

فَيَكَادُ يَجْري الشِّعْـرُ بَيْنَ سُطُـورِهِ

هُوَ فَـوْقَ قَوْلِ الخَـلْـقِ، إلا أنَّهُ

وَكَـذا عَلِـيٌّ لا يُشَقُّ غُبَارُهُ

حَسَنُ التَّخَلُّصِ، لَيْـسَ يَنْطِقُ عَنْ هَوَىً

وحَدِيثُهُ حِكَمٌ، وحِنْكَتُـهُ تَــرَى

لَولا تَبَصُّرُهُ وعَـدْلُ قَضَــائِهِ

ولأَخْطَـأوا مَعْنَى كتَابِ الله إنْ

وكَفَاهُ فَخْراً أنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ

ومَضَى وما حَجَراً، ولا مالاً ذَرَى

عَـرَضَـتْ لَـهُ الدُّنْيا ببَهْجَتِهَا فَلَـمْ

يَـرْضَى نَقــيعَ الخَـلِّ زاداً، مُــؤْثِــــــــراً

ويُطـيـلُ فـي اللـيـلِ السُّجُـودَ مُرَتِّلاً

وَقَـدِ اطْمَأنَّ مِـــــــنَ اليَقِــينِ، فَلَمْ يَشَأْ

حَتَّى بهِ غَـدَرَ «ابـنُ مُلْجَـمَ» فارْتَضى

«إنِّي وَرَبِّ الكَعْبَةِ الغَـرَّاءِ قَـدْ

فَتَبَــارَكَـتْ قَبَساتُ مَــوْلِـدِهِ هُــدًى

وَتَقَـدَّسَتْ رُوحُ الإمَامِ المُرْتَضَى

ولصَاحِبِ الذِّكْـرَى الخَلِيـقِ بِمَدْحِهِ

في مَوْلِـدِ الكَـرَّارِ والطُّهْـرِ الوَلي

حُلَـلَ الرَّبيـعِ المَرْيَمِيِّ المُخْمَلِي

أغْصَانِهَـا، تُصْغِي لِشَـدْوِ الجَـدْوَلِ

فَتَلَـوْنَ آيَـاتِ الكِتَــابِ المُنْزَلِ

أزْكى الصَّلاةِ على النَّبِيِّ المُــرْسَـلِ

فَـــرْحَـى بمَوْلُـودٍ عَظيمٍ مُقْبِلِ

تَــمَّ المَخَاضُ، وهَـلَّ فَجْــرٌ يَنْجَلي

«يا أرضُ زُفَّـي، يا مَساجدُ رَتِّلي

بوفُـودِ صِنْوِ الحَقِّ والتَّقْوى عَلِي»

وَدِمائِـهِ، في كُـلِّ صَـفٍّ أوَّلِ

شَهْباءَ، جَلَّتْ عَــنْ مَدَى المُتَخَيِّلِ

بالبِضْعَـةِ «الزَّهْـراءِ» فِعْلَ تَفَضُّـلِ

يُخْفَـضْ لَدَى صَنَمٍ علا بتذَلُّـلِ

غُـرَّ الصِّفَـاتِ، فَحَلَّ صَدْرَ المَحْفِـلِ

نُـورٍ سَمَاويٍّ سَنِـيِّ المَشْعَـلِ

فَبَـدا الكَمَالُ بصُنْعِ خَلْقٍ أمْثَــلِ

ألَقَ اللآلي بُغْيَةَ المُتَأمِّـلِ

سَيفـاً كصاعقَةٍ يُسَـلُّ فَيَبْتَلي؟

غُصَـصَ الرَّدى، هامَ الفوارِسِ يَعْتَلي

تَسْطيــرِ مَجْدِ مُجَاهِـدٍ مُسْتَبْسِلِ ؟

«عمرو بـنُ وِدٍّ» غَـاضِبَاً كالمِـرْجَلِ

وتُعَــدُّ ضَـرْبَتُـهُ بِكَــرَّةِ جَحْفَـلِ

عَمَّنْ يُبارِزُهُ بنَهْجِ تَطَفُّـلِ

طَيْـراً، وهَـدَّ الخَـوفُ عَـزْمَ الأرْجُـلِ

«إنِّـي لَـهُ، وعلـى الإلهِ تَوَكُّلي»

واخْتَـالَ مَزْهُــوَّا بِهَزِّ الفَيْصَـلِ

مِـنْ خَصْمِهِ الجَبَّارِ ضَـرْبَةَ مَقْتَلِ

بِدَويِّ ضَـرْبَةِ ذي الفِقَارِ الأعْجَـلِ

لكأنَّهُ بُـرْجٌ تَـرَنَّحَ مِنْ عَلِ

ليُطِيلَ حَمْدَ اللهِ بَعْدَ تَـوَسُّـلِ

سُوَرَ الفُتُـوحِ وَآيَةَ النَّصْرِ الجَليْ

في «خَيْبَرٍ»(4) بدُخُـولِ ذاكَ المَعْقِـلِ

بالأربَعيـنَ مِـنَ الكُمَاةِ البُسَّـلِ

يَغْشَى الــوَغَى بجَنَـاحِ صَقْرٍ أجْـدَلِ

أمٌّ لَهُ نِدَّاً بعَزْمٍ مُــــذْهِلِ

حَجَـرٌ ثَقيلٌ قَدَّهُ مِنْ جَنْدَلِ(5)

بَيْنَ السَّما والأرْضِ شِلْوَ مُجَدَّلِ

صَنَعَ الإمامُ ، وصَاحَ كُلُّ مُهَلِّلِ:

للنَائِباتِ، ولا فَتَى إلا عَلِيْ»

عَزَّتْ، عَلَيها بالدِّما لَـمْ يَبْخَـلِ

في «نَهْجِهِ» المَوْسُومِ أكْـرمَ مَنْهَـلِ

ما بَيْنَ أسْجَاعٍ وَقَوْلِ تَرَسُّلِ

ما دُونَ وَحْيِ اللهِ، عَـذْبُ السَّلْسَلِ

إنْ قالَ خُطْبَتَـهُ بِغَيْرِ تَجَلْجُلِ

إنْ بَــتَّ بَيْـنَ مُحَـرَّمٍ وَمُحَلَّلِ

أجْـدَى الحُلُـولِ لِكُلِّ أمْـرٍ مُعْضِلِ

هَلَـكَ الصَّحَــابَةُ تَحْتَ رَأيٍ مُبْطِلِ

لاذُوا بحُكْمِ مُفَسِّــرٍ ومُـؤَوِّلِ

مِـنْ بَيْـتِ مَالِ المُسلمينَ المُثْقَلِ

إرْثاً، لكَثْـرَةِ أُعْطِيَاتِ الأَنْمُـلِ

يَحْفِلْ بِهَا، واخْتَـارَ عَيْـشَ تَبَتُّــلِ

قُرْصَ الشَّعيـرِ علـى لَذيـذِ المَأْكَـلِ

آيَ الكِتَابِ بِطَـرْفِهِ المُتَبَلِّـلِ

غَــيرَ الإلهِ لَهُ خَفيـرَ تَكَفُّلِ

قَـدَرَ الشَّهَادَةِ صَــائِحاً بِتَقَبُّـلِ:

فُزْتُ احْتِسَاباً بالنَعيمِ ومَأْمَلِي»

للظَّـامِئينَ إلى الثَّــوَابِ الأَجْزَلِ

مَدَداً لدِينِ الحَقِّ، آمَـنَ مَـوْئِلِ

أنْدَى سَلامٍ عاطِفيِّ المَحْمَـلِ

الهوامش:

1. (1) يوم الخندق: إشارة إلى موقعة جرت عندَ المدينة بين أحزاب المشركين والمسلمين، عام 5هـ/626م، وقد قَتَل الإمامُ علي t فيها عمرو بن عبد وُدّ، فارسَ قريش المشهور، بعد أنْ دعاهُ إلى اعتناق الإسلام، وأبى وتنمّر.

2. (2) يلحو: يشتـم.

3. (3) هو بطل قريش والجزيرة العربيّة وهو عمرو بن ود العامري.

4. (4) خيبر: حصن لليهود قرب المدينة، استولى عليه المسلمون بقيادة الإمام علي t، سنة 7هـ/628م. وقد اقتلع الإمامُ t بابَ الحصن المذكور، الذي هو كناية عن حجر عجز عن زحزحته من مكانه أربعون من أقوياء المسلمين، وقتلَ فارس الحصن المُهاب «مرحب» الذي كان يضع على رأسه حجراً مثقوباً.

5. (5) الجندل: الصَّخر العظيم.

6. (6) الثقلان: الإنس والجنّ.