مدخل الى المعرفة النفسية

18/5/2017
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

النفس

بقلم مستشار التحرير الدكتور الحاج عصام علي العيتاوي

هي وحدة مُستقلة من صُنع الله وحده، وفي خلقها العجب، وفي تحديدها صعوبة، تتعدى قُدرة العقل البشري على الإحاطة بها، مهما كان ذلك العقل مُتقدّماً في كل أنواع العلوم، استقراءً، استنباطاً، برهاناً، علمياً، عقلياً، معرفياً، إلهامياً، عرفانياً وغير ذلك.

لهذا لا يمكن التوصل إلى معرفتها بشكل وافٍ وكافٍ، وعلى مقدار كل فرد منّا، إلا بالعودة لأهل الدين، الرُسل أولاً، الأنبياء ثانياً، الأوصياء ثالثاً، أئمة أهل الفكر رابعاً وهكذا نزولاً إلى آخر الأعداد.

لماذا هذه المقدّمة (لأن الإنسان ما أُعطي من العلم إلا قليلاً) والإعتماد على القليل لا يفي المَطلَب حقّهُ بالكامل، مهما علت درجته العلمية. خصوصاً وإننا نتكلم عن شيء غير محسوس، لا يمكن لمسه أو تقسيمه أو إجراء التجارب عليه... وبالتالي لا يمكن لنا على ما أُعطينا من قوة إلا أن نعقل وجوده عن طريق أثره فينا وفي غيرنا من الّذين سبقونا إلى سفر الموت، إلى عالم لا ندرك جميعنا عنه إلا اللَمَم.

وعليه إنَّ خالق هذه الأعجوبة، هو أدرى بها وبجوانبها وتداعياتها ودورها في قيادة أجسامنا، منذ ولادتنا حتى نهايتنا المحتومة، إلا في الأمثال كبقاء إدريس ورفعه إليه والخضر معه والسيد المسيح وبقاء الإمام المهدي عليهم جميعاً السلام حيث هم.

إذاً فلا علم عن هذه النفس، أفضل لطرقه، من الأخذ عن خالقها عبر رسله وكتبه وأئمة الهدى من بعدهم، وهذا مقدّمة هذا العمل المتواضع، آخذاً فيه عن الرسول الذي هو كالقلب بالنسبة للإنسان في وجوده الأولي ومن ثم لمعرفة السُنن والأحكام، ومعرفة النفس النامية التي هي الأصل في وجودنا في الأعضاء.

ويمكن لنا إبتداءً أن نقول كما قال الكرماني في الإجابة على تسميات النفس من خلال أعمالها، التي فُصلّت إلى أنواع، النامية والحسيّة، والناطقة العقلية، إضافة إلى تصنيف الإمام عليّ (ع)، في زيادة الكلية الإلهية على ما تقدم. بأن ذلك يعود إلى ما يأتي:

ـ بفعل وعمل الحياة النامية، أوجبوا لها نفساً نامية.

ـ بإحساس الإنسان وطلبه الغذاء والملاذ الذي هو فعل الحيوان أوجبوا له نفساً حسية.

ـ وبتصوره وتعقّله ورأيه وتمييزه الذي هو فعل وعمل العقل أوجبوا له نفساً ناطقة عاقلة، وعليه فالنفس واحدة ولكن من جهة أفعالها وأعمالها كثيرة.

تبقى المسألة الرابعة الصفة الكلية الإلهية عند الإمام عليّ(ع)، وهي التي يعني بها المخاطبة في القرآن الكريم (يا أيتها النفس المطمئنة). وتدعو الإشارة إلى أني ألمحت في كل مكان فيه فعل إلى زيادة كلمة عمل إلى ما قاله الكرماني عملاً بما قام به أستاذنا العلاّمة المرحوم الحاج سميح عاطف الزين، من تفريقه اللغوي ما بين كلمتي (فعل وعمل) لذلك اقتضى البيان للأمانة العلمية. ولما جاء في التفريق في لسان العرب بين الفعلين علم وعرف.

ولا يسعني قبل الولوج في الموضوع من أن أتفق مع قول الكرماني أيضاً: بأن النفس بذاتها تخاطب، تزن، تأخذ، تأمر، تنهى، تصعد، تنزل، تغوص، تخرج تعاين وتشاهد، وكفى بذلك شهيداً ودليلاً عليه ما يراه الإنسان في منامه من أفعالها التي يصح تأويلها، وتلك الأفعال ليست بآلة، فإن الآلات هي مجموعة في شكلها وهي جامدة، وهي في الآفاق طائرة سائحة فهذا ما يتعلق بالأفعال، وبين كل فعل منها والآخر فرق، والفرق بين فعلها الذي يكون لمصلحة جسمها، وبين الفعل الذي يكون لاصطياد المعارف. وفي تركها فعلها الذي يكون لمصلحة جسمها انتقاص أجزاء الجسم وهلاكه، وإنحلال تركيبه وهو الموت، وفي تركها الفعل الذي يكون لاصطياد المعارف تعطل الحواس عن عملها وهو النوم(1). أخيراً هذا ما سوف أشير إليه في وجيز القول دالاً لا شارحاً.

عندما نريد أن ننتج علماً، من الواجب أن نفتش على أدواتٍ جديدة للوصول إليه، وهذا لا يعني الاستغناء عن سائر ما أتيح لنا ووصلنا إليه من أدوات استعملها غيرنا لذات الهدف، وبما أن الحضارات تختلف في بنائها ومضمونها، إلا أنها تتآلف في النظر إلى المستقبل لضمان وحفظ هذا الانسان، من حيث هو يمثل النوع الانساني، وبذلك تتراكم هذه الحضارات. ويأخذ كلٌ منها من الآخر، بما يضمن عملية التكامل لسد الحاجات بالطريقة الأفضل، ولقضاء الغرائز وإشباعها عن أحسن منهج يمكن الوصول إليه.

وهذا ما يقودنا في طرحنا لبيان مفاهيم اي حضارة، باعتبار هذه المفاهيم هي المتضمنة لأحكام حضارتها، قبل الدخول في بيان التباين بين الحضارات. وما يهمنا في هذا السياق لفت النظر إليه، إلى الطريقة المتّبعة في عملية الوصول إلى دراسة هذه المفاهيم قبل التعمق بها. يقول العلاّمة الزين في كتابه لمن الحكم هناك طريقتان للوصول إلى معرفة حقيقة الشيء الذي يُبحث عنه هما: الطريقة العقلية والطريقة العلمية.

فالطريقة العقلية هي منهج مُعيّن في البحث يسعى إلى معرفة حقيقة الشيء المبحوث عن طريق نقل الحس بالواقع، بواسطة الحواس إلى الدماغ، مع وجود معلومات سابقة، ويُفسر بواسطتها الواقع فيصدر حكمه عليه. وهذا الحكم هو الفكر أو الادراك العقلي، وتكون في المواد المحسوسة كالكيمياء والفيزياء، وفي بحث الأفكار والتشريع، وفي فهم الكلام والأدب والفقه. فإن كان الحكم على وجود الشيء فهو قطعيّ لا يمكن أن يتسرب الخطأ إليه مطلقاً. أما إن كانت النتيجة هي الحكم على حقيقة الشيء أو صفته فإنها تكون نتيجة ظنّية فيها قابلية الخطأ؛ لأن هذا الحكم جاء عن طريق المعلومات أو تحليلات الواقع المحسوس مع المعلومات، وهذه يمكن أن يتسرب إليها الخطأ، ولكن تبقى فكراً صائباً حتى يتبين خطأها.

فالأفكار التي يتوصل إليها العقل بطريقة التفكير العقلية إن كانت مما يتعلق بوجود الشيء كالعقائد، وجود الله، الكتب السماوية، الأنبياء والملائكة... فإنها أفكار قطعية وإن كانت تتعلق بالحكم على حقيقة الشيء وصفته كالأحكام الشرعية فإنها أفكار ظنية. لذلك فالطريقة العقلية تُعتبر هي الوحيدة التي يجري عليها الإنسان في تفكيره وحكمه على الأشياء وإدراكه لحقيقتها وصفاتها، وتستطيع أن تنشىء أفكاراً جديدة يأخذها العقل رأساً بخلاف الطريقة العلمية التي تعتمد على الاستنباط.

أما الطريقة العلمية: فهي أيضاً منهجٌ معينٌ في البحث لكنه يعتمد على إجراء التجارب على الأشياء المحسوسة دون البحث في الأفكار، ولا تكون إلا بإخضاع المادة لظروف وعوامل غير ظروفها وعواملها الأصلية، وملاحظة المادة والظروف والعوامل الأصلية التي أُخضعت لها، ثم يُستنتج من هذه العملية على المادة حقيقة مادية ملموسة كما هي الحال في المختبرات.

وتفرض هذه الطريقة التخلي عن جميع الآراء السابقة عن الشيء المبحوث، ثم يُبدأ بملاحظة المادة وتجربتها، لأنها تقتضي أن يمحو الباحث من رأسه كل رأي، وكل إيمان سابق بهذا البحث، وأن يبدأ بالملاحظة والتجربة ثم الموازنة والترتيب، ثم الاستنباط القائم على هذه المقدّمات العلمية. فإذا وصل إلى نتيجة من ذلك كانت نتيجة علمية أي حقيقة علمية، تظلُّ ما لم يُثبت البحث العلمي تسرّب الخطأ إلى ناحية من نواحيها.

والطريقة العلمية طريقة صحيحة ولكنها ليست أساساً في التفكير بل هي أسلوب دائم من أساليب التفكير، لا تطبّق في كل أمر، وإنما في أمر واحد هو المادة المحسوسة لمعرفة حقيقتها بواسطة التجارب ومن الخطأ جعلها أساساً للتفكير لأنها تُخرج أكثر المعارف والحقائق عن البحث مع أنّها موجودة بالفعل وملموسة بالحس والواقع، وهي لا تستطيع أن تنشئ إنشاءً جديداً أي فكر كما هي في الطريقة العقلية وإنما تستنبط استنباطاً أفكاراً جديدة.

من هنا الذي سوف أعتمده في التوصل إلى المعرفة النفسية التي تختلف عما يسمى (بعلم النفس) بمختلف وجوهه وتسمياته مبيّناً الفرق بين المعرفة النفسية ودورها في سعادة الإنسان وعلم النفس كما هو المشهور اليوم.

وإنطلاقاً من تعريف الطريقة العقلية والطريقة العلمية، فإنه من المستحيل إجراء التجربة على النفس باعتبارها غير محسوسة ولا تقع في أي شكل من أشكال المادة. فكيف تسمى علماً كما يدّعون من أسموه بعلم النفس وهو لا يقع ولا يمكن إجراء البحث على النفس في المختبر، ولا يمكن تغيير ظروفها وعواملها وفقاً لقوانين التجارب التي تُخضع المادة في الطبيعة لغير ظروفها (الحرارة ـ الرطوبة...)

وهذا يؤكد لنا أن الطريقة العقلية تطال في العلم والمعرفة أكثر من الطريقة العلمية. وإن كان هناك فرق بين العلم والمعرفة، لست في حاجة إلى تبيانه في هذه المناسبة، وعلى سبيل المثال المعرفة أوسع نطاقاً من العلم المحدود في إطار المادة المحسوسة.

ومن هنا كان عنوان هذه المداخلة المعرفة النفسية ودورها في سعادة الإنسان، لأننا كمسلمين نعتقد اعتقاداً جازماً كما يعتقد كثير من الأولين والآخرين بخلود حياة الإنسان، وأن الدنيا مرحلة عرضية نَمّْرُ بها إلى دار قرار يبدأ بعد أن نذوق الموت في هذه الدنيا، لننتقل إلى عالم آخر يسمى عالم الانتظار (البرزخ) وهو الذي يفصل بين حياة الدنيا وحياة الآخرة، آخذاً بقول الإمام عليِّ (ع)، فإنما ينتظر بأًوَلِكم آخركم، حتى ينتهي عالم الدنيا وقيام الصيحة والخلود إما في الجنّة أو النار. وذلك عالم الحيوان كما جاء في القرآن الكريم، أي العالم الذي لا موت معه أبداً، وهو العالم السادس لبقاء الروح التي نفخها الله تعالى في آدم (ع)، وكانت ابتداءً في عالم الذرّة ثم تنقلت إلى عالم الأصلاب والأرحام، والدنيا والبرزخ، والآخرة وهذه العوالم الستة تبدأ وتنتهي إلى أن تصبح أبدية في نهاية المطاف في الآخرة.

وأستطيع القول إن السعادة في مفهومنا الذي هو الحكم على الوقائع، إن النفس المعلومة بأثرها حتى تتحقق سعادتها لا بُدَّ لها من الاطمئنان أيضاَ لما بعد الموت، وبذلك يكون الإنسان سعيداً. ومن هنا فالملاحظة الأولى بين المعرفة النفسية وعلم النفس، أن المعرفة النفسية تسعى إلى تحقيق سعادة الإنسان المستدامة، بينما علم النفس يسعى ومن خلال كل طاقاته إلى القضاء على إشكاليات النفس وتخليصها من أدوائها وأمراضها من أجل استكمال سعادتها الدنيوية عبر التخلص من كل هذه الأنواء، والذي ترأس مركز الصدارة فيها الطبيب النفسي فرويد من خلال طريقتين، الأولى: التنويم المغنطيسي الذي تخلى عنه لاحقاً فسلك طريقة تداعي الأفكار التي تركز على العبارات والألفاظ التي يتكلم بها المريض النفسي لمحاولة معرفة السبب في مداواته، من خلال المنهج التحليلي.

إلا أن العلماء المسلمين في هذا الاختصاص، أذكر على سبيل المثال الطبيب الفيلسوف إبن سينا قد كانت له آراء كثيرة اعتمدها علماء الغرب لفترة طويلة في فهم النفس والدلالة عليها خاصة من براهينه التي اتخذها كوسيلة لإثبات وجود النفس أولاً واعتبارها المحرك الرئيس لهذا الجسد مبيناً الفارق بينها وبين النفس الحيوانية، كما لا يخفى ما للفارابي والغزالي وابن خلدون من آراء في النفس البشرية ودورها في حياة الأفراد.

كما هو معروف، حديثاً، ما لأهمية قول (راسل) الذي أخذ بالمنهج الديني كعنوان لأعماله قائلاً: إن الدين يستطيع الإجابة عن كثير من طروحات الفلسفة، والتي أعتقد أن النفس أقرب إلى موضوعات الفلسفة منها إلى العلوم. ولنأخذ مثلاً حسياً على الطروحات البديلة في المعرفة النفسية والتي تتباين مع علم النفس، ومن ثم أطرح بعض المفاهيم الاسلامية في النفس، والتي من الواجب أخذها بعين الاعتبار عندما نعالج الأمراض النفسية ولكن بشيء من الاختصار المفيد والتي بحاجة إلى إضافات أخرى يمكن العمل على بلورتها من خلال فريق عمل سعياً للوصول إلى إمكانية الإحاطة بالمسائل النفسية التي تختلف بإختلاف الأفراد، لأن النفسية مرتبطة بالسجية، وهي اي السجية أو (الطبع) فريدة في كل واحد منا. فكما لا يتشابه حتى التوأم بكل الصفات، فكذلك لا يتشابه اثنان في العالم بنفس الصفات. لذلك فدراسة النفس أعتبرها من أصعب الدراسات المعرفية نظراً لهذا السبب. وكلما كان الفريق المختص بدراسة النفس متعدد الاختصاصات، كلما كانت النتائج أوسع وأفضل نتيجة. (مقدار الإحاطة بالنفس).

وما لفت النظر العلاّمة الزين في كتابه لمن الحكم، إشارة إلى ما تتألف منه الفطرة. وهنا أكون قد دخلت إلى أوسع مما يتألف منه الانسان (الجسد ـ الروح ـ والنفس)، غير مُتطرق إلى الفروقات بين هذه الأجناس الثلاثة ودور كل منها (لإختصار هذه المداخلة كما ذكرت). فإن في الفطرة الإنسانية إضافة إلى معنى التوحيد، لقول رسول الله w: كل مولود يولد على الفطرة، ولكن أبواه يمجّسانه أو يهوّدانه أو ينصّرانه. ومن هنا نرى أنه لم يقل يؤسّلمانه مع أنه w، هو صاحب هذه الرسالة ـ فيعني لنا ذلك أن الأسلمة المبنية على الركن الأساسي في الدين الاسلامي هي التوحيد. (هذا من الناحية العقدية). إنما الاشارة هنا بالتحديد إلى مؤلفات الفطرة الإنسانية التي تتلخص بالغرائز والحاجات العضوية. وذكر ما وقع من شبهات فيها عند العلماء الغربيين الذين اشتغلوا بصياغة النظريات النفسية، وتلقفناه نحن إستلاباً، لأن كما جاء في المثل (كل فرنجي برنجي) أما معنى الحاجات والغرائز فيعني:

أولاً: الحاجات العضوية: الطعام ـ الشراب ـ الهواء...

ثانياً: الغرائز وهي: غريزة النوع ـ التدين ـ حب البقاء...

ولكل منهما مظاهر فالحاجات العضوية تظهر على شكل الجوع والعطش، والغرائز من مظاهرها، الحنان والعطف والميل الجنسي... ومن مظاهر حب البقاء التملك، الحرص، الأمل، الخوف والطمع...

فالذين قالوا إن الغرائز كثيرة ولا حصر لها مثلاً: هناك غريزة الملكية وغريزة الخوف وغريزة الجنس وغريزة القطيع... السبب في ذلك هو أنهم لم يفرّقوا بين الغريزة ومظهر الغريزة. اي بين كون الطاقة أصلية، وبين أن يكون ذلك مظهراً من مظاهرها. فالطاقة الأصلية هي الغريزة، وهي جزء من ماهية الإنسان فلا يمكن علاجها ولا يمكن محوها، ولا يمكن كبتها، فإنها لا بد أن توجد بأي مظهر من مظاهرها. بخلاف الطاقة الأصلية أي مظهر الغريزة، فإنه ليس جزءاً من ماهية الإنسان. ولذلك يمكن علاجه ويمكن محوه ويمكن كبته ويمكن تحويله. مثلاً: غريزة البقاء من مظاهرها الأَثرة، وهنا أُدخِل في بعض المفاهيم الإسلامية (ويمكن إضافتها إلى اللغة ايضاً) فمن مظاهر الأثرة الإيثار، ويمكن معالجة الأثرة بالإيثار بل يمكن محوها ويمكن كبتها (علاج مرض هنا).

كذلك من مظاهر غريزة النوع، الميل للمرأة بشهوة، والمرأة تكون بالمطلق أنثى، فهي حبيبة ـ وهي أم وهي أخت وهي إبنة ـ خالة وكل ما طالته آية التحريم في سورة النساء.

فيمكن معالجة الميل للمرأة بشهوة، بالميل لحنانٍ للأم، فالحنان يعالج الشهوة، كما يعالج الإيثار الأثَرَة، وكثيراً ما يكون حنان الأم صارخاً عن الزوجة، وحتى الزواج، وعن الميل الجنسي، وكثيراً ما يصرف الميل الجنسي الرجل عن حنان أمه.

فأي مظهر من مظاهر غريزة النوع يمكن أن يَسُدُّ مسدَّ مظهر آخر، ويمكن أن يُعالج مظهر بمظهر. فالمظهر يمكن علاجه، بل يجري كبته ومحوه، ولكن الغريزة لا يمكن فيها ذلك، لأن الغريزة جزء من ماهية الإنسان بخلاف المظهر فإنه ليس جزءاً من ماهيته.

وكذلك مظهر الخوف هو من حبِّ البقاء، فيخاف الإنسان من غيره، إنساناً أو حيواناً أو حادثاً، فإنه يستطيع أن يحوّل هذا الخوف إلى خوف من الله سبحانه وتعالى.

وهكذا في ما يتعلق بسائر المظاهر الأخرى ولسائر الغرائز التي لا بُدَّ منها. علماً أن الغرائز ووفقاً لظروف معيّنة يمكن كبتها كلياً ومن ضمنها ما ركز عليه فرويد وجعله العامل الوحيد للحراك وهو العامل الجنسي على إعتبار، إذا حِيلَ بين الانسان وغريزته الجنسية يستطيع العيش، على خلاف الحاجات العضوية التي لا يستطيع العيش من دونها بالاطلاق.

وأخيراً يمكن كما أشار العلامة المرحوم الزين إلى استبدال بعض المفاهيم المستعملة في العلوم النفسية الحديثة وتخلُّصنا منها، ومن أثرها في نفوسنا لبناء معرفة نفسية تسعى للوصول إلى راحتنا، فمثلاً مفهوم الكبت يمكن استعمال مفهوم الكظم مكانه (والكاظمين الغيظ) وكذلك مفهوم الحتمية بمفهوم الفطرة التي تطرقت إليها وهكذا.

 

 

الهوامش:

(1) الكرماني، أحمد حميد الدين، راحة العقل، ط. 2، دار الأندلس ـ بيروت 1982، ص 72.